يبدو أنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يسير بخطى ثابتة وواثقة باتجاه تنفيذ أجندته السياسية التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية، وأهم أهدافها مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة دمج المثليين جنسيًا في المجتمع، وضرب أركان الدولة العميقة في الولايات المتحدة. وكان اللافت مسارعته إلى الإعلان عن عزمه إصدار قرار بفصل جميع المثليين والمتحوّلين جنسيًا والذين يبلغ عددهم 15 ألف جندي من الجيش الأميركي.
ويبدو أنّ ترامب تعلّم كثيرًا من ولايته الأولى بين العامين 2017 و2021 للإسراع في تحديد معالم سياسته في ولايته الجديدة، وتعيين أركان فريقه الذي سيضطلع بتنفيذ هذه السياسة، متجاوزًا الاستقطابات الحزبية التقليدية ليضمّ في إدارته الحالية أعضاء في الحزب الديمقراطي مثل (العضوين السابقين في الحزب) تولسي غابارد وروبرت كندي، ابن شقيق الرئيس جون اف كينيدي الذي كان من أوائل الرؤساء الأميركيين الذين اصطدموا بالدولة العميقة في الولايات المتحدة، ودفع حياته ثمنًا لذلك.
وتشكّل نوعية التعيينات في إدارة ترامب الثانية علامة فارقة مختلفة عن ولايته الأولى التي تعثّرت إلى حدّ بعيد نتيجة تعيين أشخاص غير موالين لبرنامجه، من الذين كان سبق أن احتلّوا مناصب في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وكانوا على علاقة وثيقة بالدولة العميقة وعلى رأسها فريق المحافظين الجدد.
في إطار التعيينات الجديدة، اختار ترامب بيت هيغسِث وزيرًا للدفاع من أجل ضبط المؤسسة العسكرية الأميركية والمجمع الصناعي العسكري، وخصوصًا الانفاق المتضخّم فيهما. وسيتكامل دوره مع دور تولسي غابارد التي عُيّنت مسؤولة عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، لشنّ حملة على تفكيك الدولة العميقة الأميركية. وعلى الرّغم من انتماء غابارد إلى الحزب الديمقراطي، فقد عُرف عنها معارضتها للسياسات التدخلية الأميركية في أنحاء العالم، وهذا ما جعل ترامب يختارها عضوًا في فريقه.
وبعد إثارة قضايا تتعلّق بمات غيتز الذي رشحه لتولّي منصب وزير العدل، والذي أعلن انسحابه، جاء ترشيح ترامب للمدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا بام بوندي المقربة منه، والتي كانت في عداد فريق الدفاع عنه خلال المحاكمة البرلمانية. ويراهن ترامب على إحداث تغيير رئيسي في الوزارة، علمًا أنّ عددًا كبيرًا من الموظفين في وزارة العدل كانوا قد أعلنوا أنّهم سيستقيلون في حال تعيين غيتز وزيرًا العدل، فهل ينسحب ذلك أيضًا على بوندي؟ مع العلم أن هذا الأمر، إن حصل، سيسمح لترامب بتعيين مزيد من الموظفين الموالين له في وزارة العدل، وهذا ما سيسهّل طريقه إلى إحداث التغيير الذي ينشده في بنية وزارة العدل وفي بنية القطاع العام الأميركي على المستوى الفدرالي.
أما روبرت كينيدي، الذي سيتولى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، فمن المتوقع أن يلعب دورًا رئيسيًا في مواجهة نفوذ إدارة الغذاء والدواء التي تديرها مؤسسة الصحّة العامة. ويتبنّى روبرت كينيدي جونيور أفكارًا ثورية في المجال الطبّي من المتوقع أن توجه ضربة إلى شركات الدواء الضخمة المرتبطة بالأوليغارشية الأميركية المعولمة.
وقد اختار ترامب حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نويم وزيرةً للأمن الداخلي، وهي ستتعاون مع المستشار السابق لشؤون الهجرة ستيفن ميلر والمستشار الجديد المقترح لشؤون الهجرة توم هومان في إدارة أجندات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة.
ويرى أنصار ترامب في أولئك المرشّحين شخصيات قوية تتمتع برؤية واضحة ولديها قدرة على تنفيذ أجندة ترامب التي لقيت تأييدًا واسعًا من قبل غالبية الجمهور الأميركي، كما يتوقعون أن يكون ترامب أكثر قدرة خلال ولايته الثانية على تنفيذ أجندته بعدما نجح أركان الدولة العميقة في محاصرته خلال ولايته الأولى ومنعه من تحقيق أهدافه. فهل ينجح هذه المرة في ما فشل فيه إبّان ولايته الأولى؟ وهل يتمكن من تجاوز نفوذ أركان الدولة العميقة؟