بينما كان متوقعًا أن تنتهي زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى إسرائيل بالإعلان عن موافقة نهائية على اتفاق وقف النار. انتهى اليوم الأول من الزيارة من دون إعلان صريح عن التسوية المرتقبة، وما سرّب من معلومات في الإعلام الإسرائيلي والأميركي يشير إلى أنّ البحث سيستمر أسبوعًا وإن وردت أنباء عن تقدّم في مسار البحث، وعن إيجابية في التعاطي لم تتبلور في إعلان صريح من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ وقف الحرب صار ممكنًا. ويبدو أنّ الانتظار سيطول لأسابيع وربما أكثر خصوصًا وأنّه انتظار مصحوب بمزيد من الاعتداءات العنيفة وعلى وقعها.

وفيما كانت كلّ الأنظار شاخصة باتجاه ما سيخرج به اجتماع هوكستين مع نتنياهو، جاء قرار اعتقال هذا الأخير ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب ليستأثر بالاهتمام العالمي كما استدعى استنفارًا على مستوى الإدارة الأميركية من أعلى الهرم، ما عزز خشية من أن يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالشأن الأمني على الجبهة اللبنانية. حيث برز موقف للرئيس الأميركي جو بايدن انتقد فيه قرار المحكمة وأعرب عن دعمه ما وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس.

وبالعودة إلى ما يتعلق بموضوع وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية فإنّ اجتماع هوكستين مساء أمس مع وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون دريمر لم يخرج بنتيجة نهائية، وإذا قدّر له من تفسير فقد انعكس في التصعيد الإسرائيلي المتمادي على ضاحية بيروت الجنوبية منذ منتصف ليل أمس الخميس، بالتزامن مع تهديدات بقصف مناطق بكاملها في مدينة صور الجنوبية وما يحمل ذلك من رسائل مباشرة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري.

والتصعيد المرافق لوصول هوكستين يكرّس طلب اسرائيل التفاوض تحت النار الذي يرفضه حزب الله إذ يقول المطّلعون على أجوائه إنّه تعاطى بإيجابية مع مقترحات اتفاق وقف النار وبنوده، لكنّه توجّس من نيات نتنياهو الذي يريد تمرير الوقت معتمدًا إستراتيجة التعاطي نفسها التي اعتمدها في المفاوضات مع حماس حول وقف النار في غزة، إذ تعدّدت الجولات فيما بقيت الحرب تحصد مزيدًا من الشهداء في صفوف الفلسطينيين.

لا يمكن عاقلًا أن يحسم نتائج المفاوضات التي أجراها الموفد الأميركي آموس هوكستين في لبنان والمتعلقة بوقف النار وتطبيق القرار 1701. بين متشائم ومتفائل بحذر، توزّعت آراء من كان شاهدًا على فصول هذه المفاوضات ومشاركًا في صناعتها. على مدى يومين، استمرّت المباحثات عبر هوكستين ومن خلاله للتوصل إلى صيغة مرضية لوقف النار. يمكن القول إنّ لبنان تقصّد إبداء مرونة قلّ نظيرها للتوصّل إلى مثل هذا الاتفاق، وكلّما اصطدم بند باستفسارات من جهة هوكستين ومن خلفه، استعان رئيس مجلس النواب بالتحايل من أجل حلّه، والاستعانة مرّة بمترجمين محلفين حفاظًا على دقّة العبارات، ومنعًا للتأويل، ومرّات بخبراء الحدود البرّية والاتفاقات.

وإفساحًا في المجال، وكي لا يكون حزب الله عقدة في منشار التفاهم، أرجأ أمينه العام مؤتمره الصحافي المقرر تأبينًا لمسؤول العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف. ثم خرج ليقول كلامًا مهادنًا من الناحية السياسية، بتأكيد المضي في المفاوضات لوقف إطلاق النار، ومهددًا بمعادلة تل أبيب مقابل بيروت.

تقول أوساط عين التينة إنّ بري كان متفائلًا، وإنّ ما رشح عن أجوائه يبشّر بالخير في ما حقّقه لبنان من بنود في مسودة الاتفاق. ويرفض المفاوض اللبناني أيّ تعديل على الحدود البرية، كما يرفض رفضًا مطلقًا مسألة حق إسرائيل في القيام بأعمال تجاه لبنان دفاعًا عن النفس، مع التأكيد على تحديد مهمات لجنة المراقبة.

ثلاثة بنود هي الأساس في الاتفاق المرتقب، اشترطت إسرائيل ممارسة سلطتها الرقابية على الحدود الفاصلة عن حدودها الشمالية، وطلبت إدخال بريطانيا وألمانيا في عداد لجنة المراقبة، وقالت إنّ من حقّها حماية أمنها والدفاع عن نفسها متى وجدت تهديدًا من جهة لبنان. كذلك طلبت تراجع حزب الله إلى ما وراء الليطاني وسحب المظاهر المسلحة من المنطقة المتاخمة للحدود.

لم يعط لبنان إسرائيل ما طلبت، لكنّه بالمقابل فتح باب النقاش بشأن شروط عدة، من بينها آلية عمل لجنة المراقبة، وانسحاب حزب الله إلى ما وراء شمال الليطاني، لكن بقيت مسألة الحدود عالقة. فحزب الله لن يرضى حكمًا باستمرار وجود إسرائيل في مناطق جنوبية بحجّة الحماية، ويتعاطى مع هذا الوجود بصفة كونه احتلالًا. من وجهة نظر لبنانية، فإنّ لبنان حقّق أقصى ما يمكن تحقيقه، وهو تعاطى بإيجابية مع البنود الواردة في الورقة على نحو يحفظ حقّه وسيادته، والكرة باتت في الملعب الإسرائيلي، وما إذا كان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في وارد وقف الحرب أو المضي في عدوانه في الفترة الفاصلة عن تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم.

حتّى الأمس، كانت الأصوات في الداخل الإسرائيلي تطالبه بالاستثمار في الاتفاق، لأن استمرار الحرب يستنزف إسرائيل ويقضي على ما يعتبره الإعلام الاسرائيلي إنجازات سياسية حققها نتنياهو، وعدم ترك الأمور للميدان الذي يستطيع حزب الله أن يصمد فيه محققًا ضربات ناجحة في مواجهة الجيش الإسرائيلي. وهذا ما تحدّث عنه تقرير صادر عن الاستخبارات الأميركية معتبرًا أنّ إسرائيل عاجزة عن تحقيق أهدافها مع استمرار إطلاق حزب الله الصواريخ. وذكر التقرير "أنّ اتفاق وقف النار يظلّ أفضل فرصة لـ"عودة الإسرائيليين إلى الشمال" (شمال فلسطين المحتلة)، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز " الأميركية، وهو ما فسّر بأنّه اعتراف لمسؤولين أميركيين بأنّ "إسرائيل" فشلت في القضاء على الصواريخ القصيرة المدى التي يطلقها حزب الله في اتجاه مستوطنات الشمال".

لكن من غير المعلوم ما إذا كان نتنياهو يهتمّ بتقرير كهذا، وهو ما يشكّك فيه المطّلعون على سير المفاوضات، ممّن يعتبرون أنّ رئيس وزراء إسرائيل ينوي أن يقدّم وقف النار هدية إلى ترامب بعد تسلّمه الحكم ليفتح معه صفحة تعاون جديدة، ولن يسلّف إدارة على مشارف نهاية ولايتها.

منذ وصول هوكستين كان هناك من ينصح بعدم الإغراق في التفاؤل، على خلفية الشروط الإسرائيلية القاسية، والتي وإن تعاطى معها لبنان بمرونة، فقد تقابل هذه المرونة بالرفض إسرائيليًا لا سيما لجهة الحدود البرية، إذ تريد إسرائيل حدودًا جديدة خارج كلّ الاتفاقات السابقة.