المطر
الْمَطَرُ دُموعُ الشَّمْسِ، تَبْكي لِأَنَّها طُرِدَتْ مِنْ فَصْلِ الصَّيْفِ.
وَالْغَيْمُ مِنْدِيلُهَا... أَمَّا الرَّعْدُ فَأُسْتَاذٌ يُؤَنِّبُهَا بِعَصًا سِحْرِيَّةٍ، اسْمُهَا الْبَرْقُ.
رَنَّ الْجَرَسُ. آنَ أَوَانُ الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَوَلِيمَةُ الشِّتَاءِ تَنْتَظِرُ عَلَى سُفْرَةِ الْفَضَاءِ.
***
البرق
الْبَرْقُ تَوْقِيعُ الشِّتَاءِ
عَلَى صَفْحَةِ الْفَضَاءِ.
***
الرِّيح
الرِّيحُ تِلْمِيذٌ مُشَاغِبٌ
فِي صَفِّ مَدْرَسَةِ الشِّتَاءِ...
قَصَاصُهُ
أَنْ تُحْكِمَ إِغْلَاقَ الشُّبَّاكِ فِي وَجْهِهِ.
***
الحزن
أَحيانًا يجيءُ إِليهِ الحزنُ، كَما الموتُ، منْ دونِ إِنذار.
وَأحيانًا يسْتدعيهِ هوَ، لأَنَّ الفرحَ مُحجمٌ عنْهُ، علَّهُ يتسلَّى.
أَحيانًا يرحلُ عنْهُ الحزنُ، كما الطَّيرُ يرحلُ... وَلكنْ لِيعود.
وَأحيانًا كلَّما طردَهُ، يُحسُّ بِهِ مُتمترسًا في حناياه... حيثُ أقامَ منزلًا وَأنشأَ عائلة.
وَعبثًا حاولَ الهربَ منْ نفسِه.
بلى! مرَّةً نجح.
يومَذاكَ قادَهُ جَماحُهُ إِلى دمعةٍ... وَجُرح.
***
الأحزان أَراهُ كلَّ يومٍ يمسحُ بمنديلٍ رَثٍّ دمعة. وَما منْ مرَّةٍ تجرَّأْتُ على سؤالِهِ: لِمَ لا تنضبُ عيناه؟ وَليسَ منْ زمانٍ عرفْتُ أنَّهُ ابتاعَ أحزانًا لآخرتِهِ ليذرفَها - قالَ - على أَحِبَّةٍ لهُ، خرجوا، كلٌّ إِلى مكانٍ، وَلمْ يعودوا بعْد. وَلكنْ لمْ يُخبرْهُ أحدٌ... أنَّهُ كانَ واحدًا منْهُم.
عرفْتُ أنَّهُ ابتاعَ أحزانًا لآخرتِهِ ليذرفَها - قالَ - على أَحِبَّةٍ لهُ، خرجوا، كلٌّ إِلى مكانٍ، وَلمْ يعودوا بعْد. وَلكنْ لمْ يُخبرْهُ أحدٌ... أنَّهُ كانَ واحدًا منْهُم.
***
الفلَّاح يروي الفلاَّحُ لِمِعولِه، وَهُما في الطَّريقِ إِلى الحقلِ، حكايات. إِحداها أنَّه كلَّما ضربَهُ مرَّةً في الأرضِ، ذَرَفَت دمعًا ثلاثُ عيون: عينُ الفلاَّحِ، وَعيُن المعولِ، وَعينُ الأرض. وَأحلاها أنَّ الشَّمسَ، في يومِ الحَصادِ، تخرجُ منْ ساقيةِ الدُّموعِ، وَتستلقي على سنابلَ، على غلالٍ، تلوِّحُها أشعَّةُ أيلول. وَآخرُها... أنَّ المطرَ يعودُ دائمًا في موعدِه... وَلا تنتَهي الحكاية.
الدَّمع جاوَرَ بحرُ الكآبةِ شطآنَ قلبِه. فلا التماعُ الشَّمسِ أمل. وَلا استلقاءُ الرَّملِ راحة. وَلا احتضارُ الزُّرقةِ في صمتِ المدى... طُمأنينة. وَفي ليلٍ حالكِ القدرِ، رسَتْ سفينةُ الدَّمعِ، حملَتِ البحرَ وَالشُّطآنَ وَالقلبَ، وَأَقلعَتْ بها إِلى وجنتَيْ صبيَّةٍ، أميرةُ الحزنِ هيَ، سوسنةُ البُكاء. وَكانَتْ دمعةٌ واحدةٌ، هوَتْ وداعًا... على حَبيب!
***
الظِّلّ أحيانًا، كانَ يُحسُّ برغبةٍ في الِّلحاقِ بظلِّهِ، ليفيَهُ - قالَ - دَيْنًا قديمًا، وَهوَ أنَّهُ يلحقُ بهِ دوْمًا. وَمرَّةً، وَكانَتِ الشَّمسُ رفيقةَ يومِهِ، هربَ الظِّلُّ ولمْ يعُد. وسألَ عنْهُ، فقيلَ لهُ إِنَّهُ لَمّا ماتَ، حزنَ ظلُّه عليْهِ وَلحقَ به.
***
الوَجه نظرَ في المرآةِ، فرأى وجهًا لمْ يشاهدْهُ قَبْلًا. سألَها منْ هذا؟ أجابَتْ: هذا أنت. ... فهامَ يُفتِّشُ عنْ نفسِهِ، بينما بقيَ وجهُهُ ينتظرُهُ على صفحةِ الحقيقةِ، ليعودَ إِليْهِ عندما يَشفى منْ جنونِه. وما زالَ منتظِرًا...
***
الأخير مَضى إِلى موتِهِ الأخيرِ، مُتْرَعًا بأحزانٍ، مُثقلًا بمَأساة. قبلَهُ ماتَ مرَّات. ولادتُهُ، في الغربةِ الأولى، بدايةُ موت. شبابُه الأوَّلُ، في الغُربةِ الثّانيةِ، موتٌ آخرُ لَمْ تنفعْ في تفاديهِ نبْضاتُ حياةٍ لابنٍ وَابنة. شبابُهُ الثّاني، في الوطنِ الأمِّ - الغربةِ، قمَّةُ الموت... فالمرأةُ الأفعى كانَتْ هناكَ، وَبعضُ العزاءِ أنَّهُ تركَ طفليْنِ أحدُهُما يحملُ اسمَه. كهولتُهُ نُسْكٌ على قمَّةِ الموتِ، وَسرطانٌ في حَنجرةٍ، مقلعُ غصَّاتٍ هيَ، أبى أنْ تخنقَهُ إلَّا عندما مَشَحَهُ كاهنٌ، وَهوَ على سريرِه في المستشفى، مُصادَفَةً. مضى إِلى موتِهِ الأخيرِ... مخلِّفًا بسمةً، أنَّهُ لنْ يموتَ بعْد! ***
الزَّمان يروي دوْمًا أنَّهُ يَكْنَهُ سرَّ الزَّمان. رَآهُ - قالَ - مرَّةً، عجوزًا في جسدِ طفلٍ، جالسًا على عرشٍ منْ ثوانٍ، في صدرِ الفضاءِ الوحيدِ، لا يفعلُ سوى أمرٍ بسيطٍ: يقلِّبُ بينَ يديْهِ... ساعةً رَمْلًا. وَيقولُ دَوْمًا إنَّ النَّاسَ، منذُ بدءِ الخليقةِ، وَهمْ ينتظرونَ أنْ تقعَ السَّاعةُ منْ يديْه. وَكلَّما ظنَّ أحدُهُمْ أنَّها وقعَتْ وَمدَّ يدَهُ ليلتقطَها، كانَ كَمَنَ يقبضُ على رملٍ. ... وَللحكايةِ تتمَّة!