في تقرير نشرته "فاينانشال تايمز" أخيراً، توقّع خبراء اقتصاديون المزيد من الارتفاع في سعر الذهب عالمياً نتيجة المضاربات الصينية. واعتبروا أنّ الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الذهب العالمية بين أيلول 2023 وآذار 2024 من 1750 دولاراً للأونصة إلى 2500، سيشهد مزيداً من الارتفاع وصولاً إلى 3000 دولار للأونصة في نهاية العام الجاري.
في ما يتعلّق بالعقود الآجلة للذهب في بورصة شنغهاي للأوراق المالية، فإنّها تشير إلى أنّ سعر الذهب العالمي بالدولار الأميركي من المتوقّع أن يصل إلى نحو 3000 دولار للأونصة، بالاستناد الى مفهوم "التحرّك المقاس"، إذ من المتوقع أن يرتفع السعر الذي يتبع نمط تداول بالعدد نفسه للنقاط التي ارتفع بها في مرحلة سابقة.
والجدير ذكره أنّ عقود الذهب الآجلة في بورصة شنغهاي للأوراق المالية أدناه شهدت ارتفاعًا بلغ 105 يوان/غرام في الربيع، يليه نطاق تداول لمدّة خمسة أشهر. ويشير هذا إلى أنّ الارتفاع الحالي يجب أن يصل أيضًا إلى 105 يوان/غرام، متوقّعًا هدفًا يبلغ 690 يوان/غرام، أو ما يقرب من 3000 دولار للأونصة. وهذا الهدف منطقي أيضًا لأنّ 3000 دولار هو مستوى نفسي مهم، والمستويات الرئيسية مثل هذه تعمل عادةً كجاذب للأسعار. وإذا بدا 3000 دولار عالياً، فإنّ هذا يمثّل زيادة بنسبة 9.3٪ فقط على المستويات الحالية. ويتوقّع الخبراء أن يتجاوز سعر الذهب سقف 3000 دولار للأونصة في الأشهر الأولى من العام 2025.
عامل آخر يدعم التوقّعات الصعودية للذهب في الصين يتمثّل في تراجع أداء الاقتصاد الصيني الذي كان من آثاره انهيار الفّقاعات الضخمة في سوق العقارات والأوراق المالية
ومن العلامات الأخرى التي تشير إلى ارتفاع نشاط تداول الذهب في الصين، الزيادة الأخيرة في حجم تداول العقود الآجلة للذهب في بورصة شنغهاي للأوراق المالية إبّان الشهرين الماضيين. فقد ارتفع حجم التداول بشكل كبير خلال موجة الارتفاع في الربيع الماضي مع توقّعات بأن تزداد أسعاره بشكل كبير جداً في العام 2025.
وعلى الرّغم من ارتفاع أسعار الذهب وزيادة نشاط التداول، فإنّ ارتفاع تكلفة الذهب أدّى إلى تراجع الطلب على الذهب في السوق الصينية المحلّية. ووفقاً لوكالة بلومبرغ، انخفض الطلب الإجمالي على الذهب في السوق المحلية الصينية بنسبة 22٪ إلى 218 طنًا خلال صيف العام 2023، مع انخفاض استهلاك المجوهرات بنسبة 29٪ إلى 130 طنًا، وانخفاض مشتريات السبائك والعملات المعدنية بنسبة 9٪ إلى 69 طنًا. وهذا يبيّن أنّ الارتفاع السريع في الأسعار تسبب في صدمة كبيرة للعديد من المستهلكين الصينيين، الذين باتوا ينتظرون انخفاض الأسعار قبل الإقبال مجدداً على شراء الذهب.
ولكن في الواقع ستشهد أسعار الذهب مزيداً من الارتفاع نتيجة عدّة عوامل، منها تواصل الارتفاع في حجم الديون العالمية، وحجم الكتلة النقدية الضخمة من الدولار المعروضة في السوق وسعي دول البريكس إلى الاستغناء عن الدولار والاعتماد في احتياطياتها على الذهب. هذا قد يجعل المتداولين للذهب يدركون أنّ الأسعار لن تنخفض. وبسبب الخوف من تفويت الفرصة، قد يبدأون الشراء قبل أن ترتفع الأسعار إلى مستويات أعلى، وهذا ما سيدفع حكماً بأسعار الذهب إلى مزيد من الارتفاع.
وهناك عامل آخر يدعم التوقّعات الصعودية للذهب في الصين يتمثّل في تراجع أداء الاقتصاد الصيني الذي كان من آثاره انهيار الفّقاعات الضخمة في سوق العقارات والأوراق المالية. نتيجة ذلك، أعلنت الحكومة الصينية عن خطّة لإصدار سندات سيادية خاصّة تبلغ قيمتها الإجمالية نحو تريليوني يوان (284.43 مليار دولار أميركي) هذا العام كجزء من التحفيز المالي الجديد. وكثيراً ما تكون برامج التحفيز المالي والنقدي مرتبطة بالذهب وتساهم في ارتفاع الدين الوطني، وتخفض قيمة العملة، وتدفع التضخم إلى الارتفاع. كلّ هذا يدفع بالتجار والمستثمرين الصينيين إلى مواصلة تغذية ارتفاع قوي في أسعار الذهب، ودفعه إلى 3000 دولار ثم أكثر من ذلك.
وبعدما خرجت عقود الذهب الآجلة في بورصة شنغهاي للأوراق المالية من حالة التوحيد، وازداد نشاط التداول مرة أخرى، تدل جميع المؤشرات إلى ارتفاع متجدّد قد يتجاوز حجم ارتفاع الأسعار خلال الربيع الماضي. وفي الوقت نفسه، فإنّ من شأن الصراعات الاقتصادية في الصين والاعتماد المتزايد على التحفيز المالي ارتفاع سعار الذهب بوتيرة متصاعدة وغير منضبطة، خصوصاً مع لجوء المستثمرين والمستهلكين الصينيين إلى الذهب المادي بأعداد كبيرة لإدراكهم أنّ أسعار الذهب ستواصل الارتفاع.