منذ تشرين الأول 2023، استُشهد عدد كبير من الصحافيين، مراسلين ومصورين وتقنيين في فلسطين ولبنان. وآخر جرائم العدو، استهداف الطائرات الإسرائيلية فجر الجمعة 25-10-2024 مقر إقامة الصحافيين في حاصبيا، جنوب لبنان، فاستُشهد 3 صحافيين وهم نيام وجرح أربعة. الزملاء الذين استشهدوا هم المصور في قناة "المنار" وسام قاسم، والمصور في قناة "الميادين" غسان نجار، و⁠مهندس البث في قناة "الميادين" محمد رضا. ويعدّ هذا الاستهداف المباشر الأول بعد قتل إسرائيل زملاءنا فرح عمر وربيع المعماري (الميادين) وعصام عبدالله (رويترز) العام الماضي في جنوب لبنان. وهو ما يظهر أنّ إسرائيل تريد إسكات الصحافيين والصوت الذي يوثّق جرائمها وقتله، من غزة إلى لبنان، على مرأى من العالم وفي ظلّ صمته المطبق.

واستهداف الصحافيين لم يقتصر على غارات تقول إسرائيل إنّها وقعت بالخطأ، بل أصبح علنياً ومقصوداً، إذ تلصق إسرائيل تهمة التعامل مع حماس أو حزب الله بأيّ صحافي لتبرّر قتله. فقبل أشهر من اغتيال الزميل في "الجزيرة" في غزة اسماعيل الغول، نشر الجيش الإسرائيلي ادّعاءات بأنّه عضو في "حماس". ويعود هذا الجيش اليوم إلى نشر الادّعاءات نفسها بحق ستّة من مراسلي الجزيرة، هم أنس الشريف وعلاء سلامة وطلال العروق وأشرف السراج واسماعيل أبو عمر وحسام شبات، في حملةٍ تحريضية تهدف إلى شرعنة استهدافهم.

مشاركة الصحافيين الإسرائيليين في الأعمال الحربية

ولسخرية القدر، فإنّ ما اتهمت به إسرائيل الصحافيين اللبنانيين والعرب، ارتكبه الصحافيون الإسرئيليون أنفسهم، إذ انخرط الصحافي في القناة 12 الإسرائيلية في الأعمال العسكرية لجيش الاحتلال في جنوب لبنان، وشارك في تفجير أحد المباني داخل الحدود اللبنانية. وبثّ المراسل داني كوشمارو تقريراً يوثّق لحظات التفجير، بينما قتل الاحتلال أكثر من 187 صحافياً في غزّة ولبنان خلال العدوان المستمرّ، زاعماً أنّ الكثيرين منهم يدعمون المقاومة، أو يتعاطفون معها.

وعليه، دانَ الاتحاد الدولي للصحافيين (إي إف جاي) والاتحاد العام للصحافيين العرب ونقابة الصحافيين اللبنانيين استهداف الجيش الإسرائيلي للطواقم الصحافية في لبنان، وقتل ما لا يقل عن 5 صحافيين وإصابة آخرين منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي.

فقد دعا الاتحاد الدولي للصحافيين السلطات إلى فتح تحقيق فوري. وأكد الاتحاد الدولي أن تفلّت إسرائيل من العقاب لا يمكن أن يستمر، وأن المسؤولين عن مجازر الصحافيين يجب أن يحاكموا ويعاقبوا أمام المحكمة الجنائية الدولية.

كذلك اعتبرت نقابة محرري الصحافة في لبنان أنّ "العدوان الإسرائيلي هو جريمة حرب بكلّ المواصفات والمعايير ولا يمكن المجتمع الدولي السكوت أمام هذا الخرق الفاضح والمتكرر للمعاهدات والمواثيق الدولية".

ورأى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ استهداف إسرائيل الصحافيين في جنوب لبنان "جريمة حرب" ستُحال على المراجع الدولية.

بيئة خطرة جدا

في هذا الإطار، أكّدت لـ"الصفا نيوز" منسّقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرج أنّ "الصحافيين يعملون في بيئة خطرة جداً، خصوصاً في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية. وشهدنا استشهاد ستة صحافيين نتيجة استهدافات مباشرة في ثلاثة حوادث منفصلة، بدءًا من 13 تشرين الأول 2023 مع استشهاد عصام عبدالله، مرورًا باستشهاد صحافيين آخرين لاحقًا".

وتابعت مفرّج "إضافة إلى الخطر الذي يتعرض له الصحافيون من الجانب الإسرائيلي، هناك خطر آخر نتيجة للتوترات المحلية، إذ يعامل الصحافيون أحيانًا كمذنبين حتى تثبت براءتهم، ويُستهدفون نتيجة التحريض السياسي وبعض المواقف التي تنشر في وسائل الإعلام. وتزداد الاعتداءات على الصحافيين بشكل يومي في مناطق مختلفة من لبنان، وتراوح هذه الاعتداءات بين منع التصوير والطرد وحتى التوقيف قبل تسليمهم إلى القوى الأمنية، كما حصل مع الصحافية البلجيكية التي تعرضت لإطلاق نار"، مضيفةً "يستمر الزملاء الصحافيون في أداء واجبهم الإعلامي في ظلّ أسوأ الظروف وأشدّها صعوبةً، وعلى مرأى من العالم وصمته عن الارتكابات الإسرائيلية الوحشية بحق غزة وناسها وصحافييها".

وتابعت "على المؤسسات الإعلامية أن تتحمل مسؤوليتها في توفير جميع وسائل الحماية للفرق الميدانية، من خوذات وسترات واقية وتأمينات، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير لتأمين عملهم على الأرض".

وختمت مفرج "نقف في "تجمع نقابة الصحافة البديلة" في لبنان مع الزملاء في غزة، المهدّدين أمس واليوم وغداً. وندعو إلى رفع الصوت دعماً لهم، وإلى وضع حد فوري للوحشية الإسرائيلية وتفلّتها من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني".

جريمة حرب

في سياق متصل، اعتبر المسؤول الإعلامي لمؤسسة سمير قصير، جاد شحرور، في حديثه إلى "الصفا نيوز"، أنّ "استهداف الصحافيين في مناطق النزاع يُعدّ جريمة حرب وفقاً لعدة قوانين دولية، من بينها اتفاقية جنيف، واتفاقية جوهانسبرغ، وقانون حقوق الإنسان الدولي، إذ تتضمن هذه القوانين موادَّ وبنوداً تضمن سلامة الصحافيين وحمايتهم أثناء تأدية عملهم".

ولفت إلى أنّ "العدو يستهدف الصحافيين لأنّ هذا جزء من إستراتيجيته في غزة ولبنان، بقصد التعتيم الإعلامي ومنع ظهور رواية تختلف عن روايته حول الأحداث وطريقة تغطية دخوله واحتلاله غزة أو الجنوب اللبناني. لهذا السبب، شهدنا في عدة مراحل من حرب غزة استهدافاً للصحافيين خلال تأدية مهماتهم أو في منازلهم، بل وصل الأمر إلى استهداف عائلاتهم عقاباً على ممارستهم العمل الصحافي".

وأضاف شحرور "لم يقتصر استهداف العدو على الصحافيين، بل تركز أيضاً على بعض الصحافيين، ولا سيما منهم العاملين في قناة "الجزيرة". فقد استهدف مركبات البث المباشر التابعة للقناة عدة مرات، مُردياً في إحداها الصحافي عصام عبد الله، ومدمراً في الوقت نفسه سيارة تابعة لـ"الجزيرة" بصاروخ".

وتابع "علاوة على ذلك، شهدنا حملة في غزة على وسائل الإعلام العبرية، إذ أصدر المتحدث باسم جيش العدو أفخاي أدرعي بياناً يتهم بعض الصحافيين بالمشاركة في أنشطة عسكرية إلى جانب عملهم الصحافي، في محاولة لتبرير قتلهم".

أما في ما يتعلق بآليات المحاسبة، فقد رأى شحرور أنّ "هناك مشكلة كبيرة، إذ إنّ جميع الاتفاقات والقوانين الدولية تحرص على حماية الصحافيين وحرية التعبير وحقهم في العمل في أي مكان، ولكنها لم تضع آليات واضحة للمساءلة".