فجر السبت 26 تشرين أول 2024، وجّهت إسرائيل ضربة إلى إيران وفقاً لما توقّعه خبراء ومراقبون، مرجحين أن تردّ تل أبيب على الضربة التي كانت طهران قد وجهتها إليها في الأول من تشرين الأول عقاباً لها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في طهران.
وكان هنالك مؤشّرات، يوم الجمعة، تنبئ بأنّ الضربة قريبة بناء على معلومات أفادت بوصول عشر طائرات أميركية إلى إسرائيل، قادرة على تزويد الطائرات الحربية الوقود أثناء التحليق جواً، وهو ما شكّل إشارة إلى أنّ سلاح الجو الإسرائيلي كان سيتولى مهمة توجيه الضربة إلى إيران في وقت قريب.
وقد استفادت تل أبيب من دعم لوجيستي أميركي وغربي، تمثّل بوصول طائرات تزويد الوقود الأميركية التي لولاها لما استطاعت الطائرات الحربية الإسرائيلية الوصول إلى أهدافها في إيران على بعد آلاف الكيلومترات، كما أنّها كانت قد استفادت من معلومات استخباراتية أميركية وغربية ومن تكنولوجيا أميركية في استهداف إيران.
لكن خلافاً لما توقّعه الخبراء والمراقبون، فقد كانت الأضرار الناجمة عن الضربة الإسرائيلية لطهران خفيفة، واقتصرت على تدمير بعض بطاريات الدفاع الجوي الإيراني وعلى أضرار طفيفة في بعض القواعد، فيما اعترفت وزارة الدفاع الإيرانية باستشهاد أربعة جنود إيرانيين. هذا ما أدى إلى سخرية كبيرة في أنحاء العالم من الضربة الإسرائيلية، وخاصة داخل الكيان الصهيوني على الرغم من تأكيد القيادة السياسية الصهيونية أنّ الضربة كانت مؤلمة لإيران.
والجدير ذكره أنّ هذه الضربة لم تستهدف المنشآت النفطية الإيرانية ولا المنشآت النووية، خلافاً لما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي القيام به. فالمفترض أنّ يستغل نتنياهو، الذي كان يدعو إلى توجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني قبل سنوات طويلة، فرصة حصوله على ضوء أخضر أميركي لتوجيه ضربة إلى المختبرات والمفاعلات النووية في إيران. كذلك كان من المتوقّع أن يستهدف نتنياهو البنية التحتية النفطية ومصافي النفط الإيرانية لضرب الاقتصاد ودفع الشعب إلى الثورة على حكّامه.
مؤشرات إلى انضمام عدد من دعاة الحرب إلى فريق ترامب
لماذا لم تستهدف الضربة الإسرائيلية المنشآت النووية والنفطية الإيرانية؟ كثيرون شكّكوا في قدرة إسرائيل على تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية بسبب عدد المفاعلات الكبير الذي تمتلكه طهران، عدا توزعها على مساحة البلاد الشاسعة والملأى بالجبال، حيث أقامتها طهران على عمق مئات الأمتار بعيداً عن متناول القنابل الأميركية المتطورة والقادرة في أحسن الأحوال على بلوغ عمق ستين متراً. كذلك فإنّ تل أبيب كانت تخشى من أن تردّ إيران بقصف الكيان الصهيوني بآلاف الصواريخ فرط الصوتية، على نحو يؤدّي إلى دمار كبير في البنى التحتية المدنية والعسكرية والاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المراقبين تحدّثوا عن خطوط حمر وضعتها واشنطن على الضربة الإسرائيلية إلى إيران. فقد كان المسؤولون في إدارة الرئيس جو بايدن واضحين في موقفهم المعارض لتوجيه إسرائيل ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية. ويعود ذلك إلى شكوك في قدرة إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني بأكمله، كما أنّه يعود إلى خوف إدارة بايدن من أن تردّ طهران بتغيير عقيدتها النووية من حيث اعتماد سياسة تقوم على تصنيع السلاح النووي.
مع العلم أنّ إدارة بايدن كانت تتخوّف من أن تتسبب ضربة قوية إلى إيران في إشعال الأخيرة حرباً إقليمية لا تريدها واشنطن، خصوصاً أنّها تشهد بعد نحو أسبوع الانتخابات الرئاسية التي يواجه فيها الديمقراطيون احتمال الخسارة في وجه المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. هذا ما جعل إدارة بايدن متنبّهة إلى منع نتنياهو من تأويل الضوء الأخضر الذي حصل عليه منها ليتجاوز، كالعادة، الحدود المرسومة له.
من هنا، فإنّ نتنياهو لم يجرؤ هذه المرة على تجاوز الحدود التي رسمها بايدن له، ولم يجرؤ على توجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني. كذلك لم يجرؤ على توجيه ضربة إلى المنصّات النفطية الإيرانية نتيجة خوف إدارة بايدن من ردّ إيراني يستهدف منصّات النفط في الخليج استهدافاً يؤدّي إلى ارتفاع كبير في أسعار برميل النفط، وهذا ما سيؤثّر في أوضاع الطبقة الوسطى في المراكز الحضرية في الولايات المتحدة التي تشكل القاعدة الانتخابية الأبرز للحزب الديمقراطي.
على الرغم من ذلك، فإنّ إيران أعلنت أنّها ستردّ على الضربة الإسرائيلية وستعاقب تل أبيب على عدوانها. هذا يطرح تساؤلاً يتعلّق بسيناريو تطور الأحداث في المستقبل. ففي حال انتخاب المرشحة الديمقراطية كَمَلا هاريس رئيسة للولايات المتحدة، هل يعطي الديمقراطيون الضوء الأخضر لضربة إسرائيلية إلى طهران أكثر قسوة للمنشآت النووية والاقتصادية الإيرانية بعد أن يكونوا قد تحرروا من التزاماتهم الانتخابية؟
أمّا في حال انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يأمله نتنياهو، فهل تكون الإدارة الجمهورية أكثر تجاوباً مع تطلّعات نتنياهو إلى توجيه ضربة قاسية إلى إيران؟ الجدير ذكره أنّ هناك مؤشرات إلى انضمام عدد من دعاة الحرب إلى فريق ترامب. لكن في المقابل ثمة مؤشّرات إلى أنّ آمال نتنياهو قد تخيب في ظلّ تصاعد خطاب ترامب الذي يعدُ بوقف فوري للحروب في حال انتخابه، علماً أنّ أخباراً انتشرت في الولايات المتحدة تفيد بأنّ ترامب، في حال فوزه، سيستدعي الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلنسكي لإبلاغه بقرار وقف الحرب في أوكرانيا، والأمر نفسه سيفعله مع نتنياهو مبلغاً إياه بضرورة وقف الحرب فوراً في غزة.