تجمع كلّ المعطيات والمواقف على جميع المستويات المحلّية والإقليمية والدولية على أنّ لبنان والمنطقة مقبلان على تطوّرات خطيرة في هذين الأسبوعين الفاصلين عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل.

ففي موازاة استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، تستعدّ إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ردّاً على هجومها الصاروخي الأخير عليها، وهذا ما يثير كثيراً من التوقعات باحتمال انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، خصوصاً إذا استهدف الردّ الإسرائيلي المنشآت النووية الإيرانية، وغيرها من المواقع والمنشآت الحساسة والإستراتيجية الأخرى. وقد زاد من وتيرة هذه التوقّعات استخدام الولايات المتحدة الاميركية قاذفات من طراز B2 الإستراتيجية في قصف بعض المواقع اليمنية في الأيام الاخيرة، في رسالة غير مباشرة إلى إيران من أنّها يمكن أن تستخدم هذه القاذفات الإستراتيجية لتدمير منشآتها النووية، وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً أنّ هذه القاذفات التي تستخدم القوات الجوية الأميركية 50 منها، هي الطائرات الوحيدة القادرة على هذا الأمر، نظراً إلى القنابل الضخمة التي تحملها والتي بإمكانها اختراق الأرض لمئتي متر عمقاً قبل أن تنفجر رؤوسها بالموقع المستهدف وتدمّره، وهي بزنة 30 ألف رطل. علماً أنّ إسرائيل لا تملك أيّاً من هذه القاذفات، وأنّ طيرانها الحربي، بما فيه طائرات الـ "إف 35"، غير قادر على تدمير المنشآت النووية العميقة جداً في باطن الأرض، حتّى لو نالت الموافقة الأميركية على ضربها.

وفي ظلّ هذه التطورات، وبعد أيام على اغتيال رئيس حركة حماس يحيى السنوار في محلّة تل السلطان في رفح، جاء استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا بطائرة مسيّرة، قالت إسرائيل إنّها قطعت مسافة 70 كيلومتراً من لبنان إلى أن وصلت إلى هدفها، ولكن نتنياهو وزوجته لم يكونا في المنزل، وفي الوقت الذي لم يعلن حزب الله مسؤوليته عن هذا الهجوم، سارعت إسرائيل إلى اتهام إيران بمحاولة اغتيال رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، متوعّدة بالردّ عليها، لكن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة رفضت هذا الاتهام الإسرائيلي، وقالت في بيان: "لقد رددنا على الكيان الإسرائيلي بالفعل سابقاً".

على أنّه بين نفي ايران أيّ علاقة لها باستهداف منزل نتنياهو، وبين عدم إعلان حزب الله مسؤوليته عن هذا الهجوم، لم تستبعد مصادر قريبة من الموقف الأميركي إقدام إسرائيل على اتخاذ ذريعة من هذه العملية لاستهداف الجناح السياسي لحزب الله، فتحاول اغتيال قادته السياسيين في فصل جديد من المواجهة معه، بعدما اغتالت أمينه العام السيد حسن نصرالله وأعضاء "المجلس الجهادي" الذين يشكّلون هيئة أركان حرب المقاومة. 

واعتبرت المصادر أنّ هذا الاستهداف، إن حصل، سيكون تحوّلاً خطيراً في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وسيفتح الوضع على مزيد من التطورات، وربما المفاجآت في ظلّ اقتناع الجميع بأنّ هذه الحرب ستكون طويلة، ولن توقفها محطّة الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً أنّ الإسرائيلي يصرّ على خوضها حتّى النهاية، هادفاً إلى إنهاء القدرة العسكرية لحزب الله في لبنان، ومن ثمّ توجيه ضربة مدمّرة لإيران إذا استطاع أن يجتذب الولايات المتحدة الأميركية إلى هذه الحرب، مع العلم أنّ واشنطن تركّز في اتصالاتها مع إسرائيل على عدم التعرّض للمنشآت النووية والبترولية. بحيث أنّها تؤيّد استهداف مواقع عسكرية فقط مثلما استهدفت إيران في هجومها الأخير مواقع عسكرية إسرائيلية فقط. ولكنّها تخشى من جنوح نتنياهو عن هذا الأمر، ولذلك أرسلت إليه منظومة "ثاد" مع طاقم تشغيل أميركي لطمأنته ومساعدته على صدّ الصواريخ البالستية في أيّ ردّ ايراني محتمل بعد الضربة الإسرائيلية المقررة. 

وفي ظلّ هذه الأجواء، يزور الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لبنان، اليوم، وهو كان أعلن أنّه على تواصل دائم مع السياسيين اللبنانيين، وأنّه سيزور بيروت "في المستقبل القريب جداً"، وهذا ما طرح تساؤلات عن مدى نجاحه في مهمته في الوقت الذي اتّهم نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الولايات المتحدة الاميركية بخوض الحرب على حزب الله وكلّ محور المقاومة إلى جانب إسرائيل.

تحولات خطيرة لا يمكن التكهن بطبيعتها، لأنّها ستكون مفاجئة على الأرجح

ولكن مصادر ديبلوماسية مطّلعة على الموقف الإيراني، قالت إنّ مهمّة هوكستين تنطوي على أبعاد داخلية أميركية، تتصل برغبة الإدارة الأميركية في اجتذاب أصوات الناخبين العرب والمسلمين إلى جانب المرشحة الديموقراطية كَمَلا هاريس، عبر إظهار اهتمام الإدارة وسعيها الدؤوب إلى تحقيق وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، وتحقيق التسويات التي تنهي الحرب. وتوقعت أن تبقى مهمة الموفد الأميركي في هذه الحدود، وأن لا تحقق أيّ نجاح نتيجة إصرار إسرائيل على الاستمرار في الحرب حتّى تحقيق أهدافها منها.

وتضيف هذه المصادر الديبلوماسية أنّ حركة هوكستين جاءت بالتوازي مع التطورات الميدانية وجملة ضغوط ديبلوماسية أميركية في إطار الحديث عن تنفيذ القرار 1701 معدّلاً أو ( 1701 +) وإظهار أنّ واشنطن تحاول في هذا الاتجاه، ومن جانب آخر الضغط لإيجاد أرضيّة لتنفيذ الـ "1701 +" ومن ثمّ الإيحاء أنّ حزب الله يعرقل الحلول في مكان ما، خصوصاً عبر اتهامه الولايات المتحدة بالمشاركة في الحرب.

وترى المصادر في هذا السياق أنّ المشروع الإسرائيلي - الأميركي يقضي بأن تسيطر إسرائيل على عمق 15 كيلومتراً من المنطقة الواقعة جنوب مجرى نهر الليطاني، لتتمدّد بعد ذلك إن استطاعت إلى شمال الليطاني وصولاً إلى نهر الأولي شمال صيدا، ليتم بعد ذلك التفاوض على أساس الانسحاب الإسرئيلي، مقابل خلوّ كلّ المنطقة الجنوبية من أيّ وجود عسكري للمقاومة.

أحد السياسيين اللبنانيين المطّلعين على الموقف الأميركي، يوافق على هذه النظرية ويقول إنّ القرار" 1701+ " يعني به هوكستين حدود نهر الأولي وليس نهر الليطاني. ويذهب هذا السياسي إلى السؤال: هل تخلّت إيران عن حزب الله بنفي علاقتها بـ"الهجوم المسيّر" على منزل نتنياهو و"تلبيس" العملية للحزب رغم أنّه لم يعلن المسؤولية عنه؟ وهل الحزب في المقابل تجنّب إعلان مسؤوليته؟ أم أنّه فعلاً لا علاقة له بالأمر، وأن ثمْة طرفاً ثالثاً عراقياً أم يمنياً هو من نفذ الهجوم؟

من الواضح أنّ هذا الهجوم قد لا يعلن أيّ طرف المسؤولية عنه، وأنّ إسرائيل التي اتّهمت إيران به، ربما توسّع مروحة اتهامها لتشمل الحزب أو المقاومة العراقية أو حركة "أنصار الله" اليمنية، تبعاً لما تحتاج إليه من ذرائع لمهاجمة أيّ من هذه الجهات الأربع في أيّ وقت يناسبها. 

وفي ضوء ذلك، يعتقد السياسي القريب من الموقف الأميركي أنّ الأوضاع في لبنان والمنطقة ذاهبة الآن، قبيل الانتخابات الأميركية، إلى تحولات خطيرة لا يمكن التكهن بطبيعتها، لأنّها ستكون مفاجئة على الأرجح.