استوقفني ما كتبه الشريك الإداري والمؤسس لـ "الشركة الدولية للمعلومات" الكاتب الأستاذ جواد عدرا على حسابه على منصة "إكس":
س: كيف نحصل عل احترام العالم؟
ج : عندما نقول للعالم إنّ استهداف واحد منّا هو استهداف لنا جميعًا.
ملهمةٌ هذه الكلمات، وكان يمكن أن تكون من المسلمات في أيّ وطن آخر، وعلى كل شفة ولسان، من دون منّة من أحد. هكذا يفترض بالمواطنة أن تكون. بل يجب ألا تكون هذه الكلمات مجرد كلمات بل ممارسة وانتماء وفعل إيمان.
دعونا من تلك الوجوه والأقلام التي تبحث عن الاختلافات وتسعى جاهدة إلى تضخيمها بل الاستثمار فيها في محاولة لاسترضاء القاتل والتنكّر لحقّ القتيل. دعونا من تلك الأبواق التي لا تجد لها دورًا ووظيفة سوى الترداد الببغائي لرواية العدو عن أهداف عسكرية في مناطق سكنية، أو مخازن أسلحة تحت البيوت. فصورة المقابر التي لحق العدو بأمواتها إلى ما بعد حياتهم تكشف كذب العدو والمروجين له، ولو من باب التساؤل. دعونا من جميع المراهنين على دور الغرب الذي لا يترك مناسبة إلا ويعلن عن دعمه للاحتلال الإسرائيلي وسفك دمائنا، ولا فرق بين مدني وعسكري ما دام الهدف مشروع شرق أوسط جديد ظنّوه انتهى، فإذا بهم يرونه صنيعة "الجزار" بنيامين نتنياهو. وما الدماء التي سفكت إلا أضحية لنجاح هذا المشروع الدموي الذي لا يرى العالم من خلاله إلا مصالحه، ولو فوق الركام القائم فوق أجساد عشرات آلاف الضحايا.
دعونا من هذا كله وتعالوا نرصد ما تقوم به داليا داغر رئيسة جمعية سطوح بيروت، ومطبخ مريم حيث ينتظر الأب هاني طوق بابتسامته كل من يأتيه جائعاً من دون سؤال أو استفهام، والجهد الشخصي الذي انخرطت فيه نادين ويلسون نجيم وغسان سعود وصلاح حلاوي وغنى نحفاوي وأسماء كثيرة أخرى. جمعيات محلية عدة اعتذر أن فاتني ذكرها، وأشخاص كثر وأسماء ووجوه تقفز أمامنا على منصات التواصل الاجتماعي تدعونا إلى التبرع بما تيسّر لنا من أجل دعم أسرة هنا بحاجة إلى دفء أو إلى مأوى أو إلى فراش. دعم بالألعاب للأطفال الذين انتهى بهم الحال في المدارس، ودعوات إلى التبرع بالجهد الشخصي للترفيه عنهم، أو حتى إلى التبرع بحصص تعليمية تبقيهم في جوّ الدراسة التي حال العدو بينهم وبينها.
ترى غسان سعود، وهو ينقل بسيارته الخاصة كل ما جمعه من تبرعات إلى أماكن النزوح، مصطحبًا ولديْه للتعرف على أصدقاء جدد. ترصد نادين ويلسون نجيم، وهي تنشط في كل اتجاه تدعو إلى دعم النازحين بجميع الوسائل. غنى نحفاوي تتمسك برسالتها أكثر فأكثر في دعم الحيوانات الأليفة التي أضافها العدو إلى لائحة أهدافه. وهي ضحايا لا لسان لها لتعبّر عن شكواها، قطط وكلاب تركها أصحابها خلفهم ظنًا منهم أنّهم سيعودون سريعًا، فإذا بنزوحهم يطول، وتلك الأرواح بقيت حبيسة المنازل المهددة بالدمار في كل لحظة. وتكثر الأسئلة عمن يستطيع أن يحضر قطة من تلك القرية أو كلبًا من قرية أخرى، أمّا صلاح حلاوي المنهمك في متابعة سبل توفير الأدوية للأمراض المستعصية عبر المسافرين إلى لبنان من الأقارب والأصدقاء، يسأل هنا عن أدوية مفقودة، وهناك عن أدوية مرتفعة السعر وطريقة توفيرها للمحتاجين من النازحين. يستمر كل فرد من هؤلاء في أداء رسالة لم يطلبها منه أحد، بل وجد نفسه أهلا لها فقرر أن يمد يد العون لمن هم بحاجة إليها.
بعضهم وجد في هذه الأزمة فرصة لمد جسور أو إعادة ترميم ما انقطع مع مواطنين من مناطق بعيدة أو من بيئات مختلفة. فكان التلاقي والدعم والترحيب بل والتآخي والتفاهم. وهذا ما يفترض أن تكون عليه حال الجميع. وهنالك من وجد في ما حصل فرصة للتشفي بل لتحميل النازحين مسؤولية نزوحهم والتصويب عليهم، وكأنهم يحملون الخراب معهم. لم يرَ هؤلاء في الطائرات الإسرائيلية وغاراتها المدِّمرة إلا وسيلة لتحقيق مشروع ما.
يستمر كل فرد من هؤلاء في أداء رسالة لم يطلبها منه أحد، بل وجد نفسه أهلا لها فقرر أن يمد يد العون لمن هم بحاجة إليها.
وأعود إلى ما قاله الأستاذ عدرا، أي نصبح وطنًا على مستوى تطلعات أبناء شعبه "عندما نقول للعالم إنّ استهداف واحد منّا هو استهداف لنا جميعًا". من دون بلوغ هذه الغاية لن تقوم لنا قائمة.
في الختام، أستذكر أغنية السيدة فيروز"بيتي أنا بيتك" وهي من تأليف الأخوين الرحباني وتلحينهما، وأسمح لنفسي بقول هذه الكلمات على لسان هؤلاء الأبطال الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم للنازحين بل أكملوا كلمات الأغنية بطريقة مختلفة وأصبحت جملة "ما إلي حدا" أنّ هناك كثيرين يقفون إلى جانبكم ومعكم ولن يتركوكم وحدكم أبدًا. هكذا يكون الوطن.