في أحدث الروايات لتفاصيل عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلة الجمعة في السابع والعشرين من أيلول الماضي. تكشف مصادر متابعة أنّ إسرائيل علمت قبل فترة طويلة من عملية اغتيال السيد نصر الله، بوجود مخبأ لحزب الله خاص بالاجتماعات المهمة. لكن السيد نصر الله قلما انتقل إلى هذا المخبأ إذ كان يذهب إلى ملاجئ أخرى لا يعرفها إلّا عدد قليل جداً من أقاربه، علماً أنّه كان يتواصل مع الآخرين عبر الرسائل الورقية، وعن طريق أجهزة النداء الشهيرة، وما إلى ذلك.
وعقب العملية الإسرائيلية على أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي، إضافة إلى اغتيال عدد من قادة الحزب العسكريين، أرادت قيادتا حزب الله وإيران عقد اجتماع تنسيقي. في هذا الوقت بالضبط، في 26 أيلول، وصل موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حاملاً اقتراحه بشأن هدنة بين لبنان واسرائيل لمدّة 21 يومًا، وقد وافق عليها السيد نصر الله. نتنياهو لم يكن يريد هذه الهدنة، إلّا أنّه تظاهر بقبولها حتى يجعل حزب الله والإيرانيين يعتقدان أنّ إسرائيل لن تتحرك على الفور في انتظار الهدنة.
ولذلك قال نتنياهو لماكرون إنّ الهدنة تبدو له فكرة جيدة، وإنّه سيدرسها. هذا ما جعل ماكرون يطالب بايدن بدعم فكرة الهدنة، الأمر الذي دفع بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى دعوة غالانت إلى الضغط من أجل هدنة مدتها 21 يومًا. أخبر غالانت لويد أوستن بأنّ نتنياهو يؤيّد الفكرة ففرح ماكرون وأوستن فرحاً ملحوظاً، خصوصاً أنّ الرئيس الفرنسي اعتبر أنّه أصبح لاعباً دولياً كبيراً. وبحسب الرواية فإنّ نتنياهو استقلّ في اليوم التالي، 27 أيلول، الطائرة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك. كلّ هذا هدف إلى جعل حزب الله والإيرانيين يعتقدان أنّ إسرائيل لن تفعل أيّ شيء في الساعات والأيام المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، أوقف سلاح الجو الإسرائيلي قصفه في لبنان أكثر من 12 ساعة. وقد ساهمت الإليزيه من دون علمها في عملية التضليل الإسرائيلية عندما اعتقدت أنّها حصلت على هدنة من إسرائيل.
إذاً، فقد وقع الإيرانيون وحزب الله في الفخ عندما عقدا لقاءً مع نصر الله في المخبأ الشهير الذي أراد الإسرائيليون مهاجمته. لقد تمّ الإعداد والتخطيط للعملية قبل فترة طويلة. كان على حزب الله والإيرانيين أن يقررا استخدام المخبأ. وكان ماكرون وأوستن، من خلال اقتراحهما للهدنة والقبول الزائف من قبل نتنياهو وغالانت، هما من أقنعا السيد نصر الله والإيرانيين بالالتقاء في هذا المكان الذي اعتقدا أنّه آمن. وحالما حصلت إسرائيل على تأكيد بصري بوجود السيد نصر الله في الملجأ قصفت المكان فاستشهد السيد نصر الله ومعه الجنرال الإيراني الذي كان ينسّق عمل حزب الله مع إيران، كما قُتل قادة آخرون في حزب الله في التفجير. هذا ما أدّى إلى غضب ماكرون وأوستن بسبب خداع نتنياهو لهما وتأكّدهما أنّ إسرائيل لم ترغب في هدنة يوماً، وأنّ اغتيال السيد نصر الله تم بعد توافق نتنياهو وغالانت وهيئة الأركان العامّة الإسرائيلية على تنفيذه.
قد يكون متوقّعاً أن يقدم نتنياهو على خداع الرئيس الفرنسي، إذ ليس لفرنسا دالّة عليه. لكنّ السؤال يكمن في كيفية تجرُّئه على خداع لويد أوستن، ومن خلفه بايدن. الجواب يكمن في أنّ نتنياهو يلقى دعم المحافظين الجدد الذين يريدون تصعيد الأوضاع في المنطقة إلى حدّ حرب إقليمية كبرى تخدم مصالحهم بتوجيه ضربة إلى إيران تؤدّي إلى قلب الموازين في الشرق الأوسط، وتفرض هيمنة إسرائيل والولايات المتحدة عليه وتسمح بتطويق روسيا من الجنوب، في الوقت الذي تتعرّض فيه لهجوم غربي بالوكالة في أوكرانيا. أمّا ممثلا المحافظين الجدد في إدارة بايدن فهما وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفن اللذان يشجعان نتنياهو على مواصلة سياساته العدوانية ضامنين له الدعم الأميركي الذي يحتاج إليه.
في هذا الإطار، يشير قائد الأركان الأميركي السابق الجنرال لورنس ويلكرسون الذي عمل أيضاً مساعداً لوزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، إلى أنّ هنالك صراعاً محتدماً داخل الإدارة الأميركية بين لويد أوستن والبنتاغون الأميركي الذي يخشى من حرب إقليمية وآثارها على المصالح الأميركية، وجماعة المحافظين الجدد الممثلين الآن ببلينكن وسوليفان اللذين يريدان توجيه ضربة إلى إيران بمعزل عن العواقب على القوات الأميركية في المنطقة وعلى المصالح الأميركية النفطية في منطقة الخليج. وهو يؤكّد أنّ نتنياهو يعتمد على هذين الشخصين في تأمين الدعم للحرب التي يخطّط لها ضد إيران وحلفائها في المنطقة. لذا، فإنّ المنطقة قد تكون مقبلة على حرب إقليمية بدايتها توجيه إسرائيل ضربة إلى إيران، على أن يكون الرهان على قدرة إيران على استيعاب الضربة الإسرائيلية وتوجيه ضربة رداً على ذلك، علماً أنّ ويلكرسون لفت إلى أنّ روسيا لن تترك إيران وحدها، وأنّها أرسلت طيارين روساً وطائرات روسية مقاتلة للمشاركة في صد الضربة الإسرائيلية المرتقبة التي يتوقّع أن تشارك فيها أيضاً القوات الأميركية على نحو سرّيّ.