شهد لبنان في السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في المبادرات التي تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز دورها في مختلف المجالات. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، لعبت هذه المبادرات دورًا كبيرًا في رفع مستوى مشاركة النساء في الاقتصاد، والسياسة، والمجتمع المدني. 

مبادرات لدعم المرأة اقتصاديًا 

تواجه النساء في لبنان تحديات كبيرة في سوق العمل، مثل الفجوة في الأجور والتمييز بين الجنسين. وللتغلب على هذه التحديات، أُطلقت مبادرات متعددة هدفها تعزيز استقلالية المرأة الاقتصادية، مثل: 

1- مبادرة "We Initiative" التي أطلقها بنك لبنان والمهجر، وتعتبر من أبرز المبادرات لدعم النساء في القطاع الاقتصادي. وتوفر هذه المبادرة برامج تمويل صغيرة ومتوسطة، وتدريبات على ريادة الأعمال، وتساعد النساء في تطوير مهاراتهن وبدء مشاريعهن الخاصة. 

2- برنامج "She Leads" يهدف إلى بناء قدرات النساء القياديات في المؤسسات والشركات. هذا البرنامج يركّز على تعزيز المهارات القيادية والإدارية للنساء لتمكينهن من تولّي مناصب قيادية في مختلف المجالات. 

مبادرات في مجال التعليم والتدريب 

التعليم هو إحدى أهم الوسائل لتمكين المرأة، وهناك العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز فرص التعليم والتدريب للنساء في لبنان، ومنها: 

- مشروع "التعليم للجميع" الذي تدعمه العديد من المنظمات غير الحكومية، ويرمي إلى توفير فرص تعليمية للنساء والفتيات في المناطق الريفية والمحرومة. هذا المشروع يركّز على تعليم النساء المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة، بالإضافة إلى التدريب المهني لتمكينهن من دخول سوق العمل. 

- برامج STEM للفتيات: مع تزايد الحاجة إلى المهارات التقنية والعلمية، ظهرت بضعة برامج في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات كـ"ستيم" التي تستهدف الفتيات، ومثل برنامج "Girls Code" الذي يشجع الفتيات على تعلّم البرمجة والمهارات التقنية. 


المبادرات الاجتماعية والسياسية 

تسعى مبادرات عدة إلى تعزيز دور النساء في الحياة السياسية والمجتمعية في لبنان. برغم التحسن التدريجي، لا تزال نسبة تمثيل النساء في البرلمان والحياة السياسية منخفضة. لذلك، تعمل مبادرات مثل: 

- مبادرة "نساء على طاولة القرار" التي تدعم النساء للدخول في السياسة والمشاركة في صنع القرار. تنظم هذه المبادرة ورش عمل وتدريبات من أجل تأهيل النساء لخوض الانتخابات والمشاركة في الحياة العامة. 

- مشروع "تمكين النساء من القيادة" الذي تدعمه الأمم المتحدة، ويهدف إلى زيادة مشاركة النساء في العملية السياسية من خلال توفير تدريبات على القيادة والتفاوض، بالإضافةً إلى برامج التوعية حول حقوق النساء. 


مبادرات لدعم حقوق المرأة 


في ظل التحديات المتعلقة بحقوق المرأة مثل الزواج المبكر والعنف الأسري، أٰطلقت مبادرات عدة تسعى إلى حماية حقوق النساء وتقديم الدعم القانوني والنفسي إليهن: 

- "KAFA" (كفى عنف واستغلال)، منظمة غير حكومية تُعنى بالدفاع عن حقوق النساء وتوفير الحماية لضحايا العنف الأسري. تقدم المنظمة خدمات الدعم النفسي والقانوني وتعمل على توعية المجتمع حول أهمية حماية النساء من العنف. 

- "ABAAD" التي تقدم برامج دعم إلى النساء الناجيات من العنف، وتسعى إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية المساواة بين الجنسين في المجتمع اللبناني. 


مبادرات zonta club Beirut 

كذلك هناك جمعيات متخصصة بمبادرات معيّنة، أو أندية تجمع كل المبادرات التي سبق ذكرها، ومنها جمعية zonta club Beirut. 
وبيّنت رئيسة النادي المحامية نجوى غنام لـ"الصفا نيوز" أنّ "زونتا كلوب بيروت انضمت في العام 2013 إلى منظمة زونتا العالمية التي تأسست في الولايات المتحدة الأميركية عام 1919، ومقرها في ولاية إيلينوي"، وكان شعارها "تمكين المرأة في جميع المجالات والأصعدة". 
من مزايا المنظمة الدولية، بحسب غنّام، أنّ "لها صفة تشاركية واستشارية في مجلس الأمم المتحدة، وفد عيّنت ممثلين لها في الأمم المتحدة في نيويورك وباريس وجنيف وفيينا، إذ لها حق التصويت في مجلس الأمم المتحدة لمناصرة المرأة. وتنتشر المنظمة في حوالى 65 دولة، وتضمّ 31 ألف عضو، وعدداً كبيراً من الأندية في جميع الدول، حتّى أنّ بعض الدول تضمّ أكثر من نادٍ حسب مساحتها. ويعتبر “نادي زونتا بيروت” النادي الوحيد في العالم العربي والشرق الأوسط". 
"يتبع النادي لجدول أعمال المنظمة العالمية في الشؤون الكبيرة"، تقول غنّام، ومن أهم المشاريع التي يعمل عليها النادي في لبنان "تمكين المرأة وتثقيفها وتأهيلها لتكون عضواً صالحاً في المجتمع وقدوة لأطفالها. ومن أبرز أهداف الجمعية، النضال ضد زواج القاصرات، وذلك عبر حملات توعية لتحفيز النساء على عدم الزواج قبل سن الـ18 عاماً، لما تحمله هذه الخطوة من مخاطر تكمن في العنف الجسدي والمعنوي الذي قد يمارس عليهنّ". 

برامج التعليم

أمّا المشروع الثاني التي تعمل عليه الجمعية فهو برنامج تعليم مخصص للشباب والشابات، عبر منح تعليمية، ومساعدتهم بعد التخرج على إيجاد وظيفة. وأضافت "كما نساعد طلابًا من ذوي الحاجات الخاصّة على التعلّم. والمشروع الثالث هو تمكين النساء في القرى النائية ومساعدتهن على تعلّم مهنة توفّر لهن مدخولاً يسمح لهنّ بتأمين حاجاتهن وحاجات أولادهن". وتابعت "وكنّا قد أطلقنا مركزًا لمشروع تعلّم الخياطة في قرية مرستة في منطقة الشوف، ويقدّم المركز دورات متتالية، وتمّ تمويل المشروع من القطاع الرقم 14 في زوتا إنترناشيونال، وهو القطاع الذي ننتمي إليه مع 7 دول أخرى. كذلك أقمنا حفلة gala ginner، عشاء ذهب ريعها لإجراء 26 عملية لترميم سرطان الثدي لدى النساء بعد الاستئصال. وكان عنوان الحملة "كي لا تنقص لغة الجسد أي حرف"، وأعاد هذا المشروع إلى السيدات ثقتهن بأنفسهن". 
وبالنسبة إلى مرضى السرطان، يتعاون النادي مع "جمعية بربرا نصّار" لتأمين الأدوية بصورة مجانية. ويتعاون أيضاً مع جمعيات محلية من خلال المشاركة في الندوات واللقاءات. 

"كما كان لدينا تدخّل طارئ في انفجار 4 آب 2020"، تتابع غنام، "بعدما وصلتنا مساعدات وهبات من عدّة أندية وساعدنا على ترميم حوالى 60 شقة ومحلاً تجاريًا. كذلك قدّم النادي مساعدات إلى سجون النساء، كملابس للمرأة الحامل ومستلزمات للطفل خلال عامه الأول. وكانت لدينا مبادرة موّلها "جمال ترانس بنك" تمثّلت في ترميم غرفة تسمح للأمهات المسجونات بلقاء أولادهن". 



مساعدات على مساحة الوطن 

وجميع المشاريع التي تقوم بها الجمعية تعلن عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها. وهي تشمل جميع المناطق في لبنان. فالجمعية لا تبغي الربح، بحسب غنام، ولا تتعاطى الشأن الديني أو السياسة. ففي طرابلس، على سبيل المثال، وزّعت الكتب المدرسية القرطاسية على الأطفال في الأحياء الفقيرة، والهدايا في الأعياد. أمّا في صيدا، فتعاونت مع جمعية مساواة، وفي النبطية قدّمت مساعدات إلى الدفاع المدني. وفي قرية تنورة تم توفير المساعدات للسيدات كي يؤسسن أعمالهن الشخصية". 
وتطلق زونتا كلوب حملة كلّ عام لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، بعنوان "لا للعنف" على مدى 15 يوماً، من 25 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأول. 
وعن "معرض مغدى مالكوم الفني"، قالت رئيسة الجمعية إنّ "المعرض يندرج تحت عنوان "تمكين المرأة"، فبعدما تعرفنا على الفنانة مغدى مالكوم، والتحديات التي واجهتها في ميدان العمل الفني، قررنا تشجيع المعرض والمشاركة معها، دعماً للنساء في مختلف الميادين، خاصة أن زونتا تقدم جوائز سنوية للنساء في الفن والعلوم والاجتماع". 

في المحصّلة، تبرز هذه المبادرات كوسائل رئيسة لتعزيز مكانة المرأة في لبنان، فهي لا تعمل على تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، بل تسعى إلى تغيير النظرة التقليدية لدور المرأة في المجتمع. من خلال هذه الجهود، يمكن أن تضطلع النساء بدور أكبر في بناء مجتمع متكافئ ومستدام في لبنان، برغم التحديات الكبيرة التي تواجههن.