في خطوة مفاجئة، أصدر وزير التربية اللبناني عباس الحلبي القرار الرقم 680/2024، الذي يفرض مساهمات مالية على أهل الطلاب تراوح بين 50 دولارًا أميركيًا للمرحلة الابتدائية و100 دولار للمرحلة الثانوية. هذا القرار أثار جدلاً واسعًا في الأوساط التربوية والشعبية، لأنّه مخالف للدستور والقوانين التي تكفل التعليم المجاني في المراحل الأساسية. وعارضه سياسيون ونوّاب، في طليعتهم الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي خالف قرار وزيره المقرّب، قائلاً: "قرأت في مكان ما إنّ رسماً بقيمة 50 دولاراً سيُفرض على التلميذ كي يسجّل في المدرسة الرسمية. هذه المقاربة مخالفة للدستور وللحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعية ولمبدأ مجانية التعليم، لذا أرفض هذا الإجراء جملة وتفصيلاً". كذلك طالبت مُفوضية التربية والتعليم في "الحزب التقدمي الاشتراكي" الحلبي، بالعودة عن قرار فرض رسم الـ 50 دولاراً على طلاب المدارس الرسمية. 

مخالفة دستورية وقانونية 

في هذا الإطار، اعتبرت خبيرة الحوكمة والناشطة الحقوقية الدكتورة جوزفين زغيب في حديثها لـ "الصفا نيوز" أنّ "هذا القرار خرق واضح للقوانين المرعية الإجراء. فالتعليم المجاني في المراحل الابتدائية مكرّس منذ عام 1959 بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 134/1959، كما عُدّل القانون عام 2011 لتأكيد مجانية التعليم وإلزاميته في مرحلة التعليم الأساسي حتى الصف التاسع. وبذلك، يُلزم هذا القرار الأهل بدفع مساهمات مالية، مُشكّلًا تضاربًا مع النصوص القانونية التي تنصّ على إعفاء الطلّاب من هذه المساهمات". 

بالإضافة إلى ذلك، أشارت زغيب إلى أنّ "هذا القرار يتناقض مع مواد قانون الموازنة العامة، التي تعفي طلاب التعليم الأساسي من المساهمات المالية في صناديق المدارس الرسمية. هذا الخرق للقوانين يعكس عدم التزام الحكومة حماية حقوق الطلاب في التعليم المجاني، وهو ما يعرّض أكثر الفئات فقرًا لخطر التسرّب المدرسي". 

تأثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية 

إلى ذلك، تشير البيانات الاجتماعية إلى أنّ التعليم الرسمي في لبنان يخدم أكثر الفئات فقرًا وتهميشًا. ومعروف أنّ مناطق مثل بعلبك - الهرمل، وطرابلس، والضنية، وعكار تعتمد بشكل كبير على المدارس الرسمية. ومن المتوقع أن يؤدي فرض هذه الرسوم إلى عجز العديد من العائلات عن دفعها، وهذا ما يهدّد حق هذه الفئات في التعليم.  لا يخفى أن هذا القرار قد يعرّض مستقبل التعليم في لبنان للخطر. 

تشير البيانات الاجتماعية إلى أنّ التعليم الرسمي في لبنان يخدم أكثر الفئات فقرًا وتهميشًا.

الحق مع الوزير أو ضده؟ 


على مقلب آخر، رأت مصادر مطلعة على الملفّ في حديثها لـ "الصفا نيوز" أنّه "قد يكون الهدف من هذا القرار هو الضغط على الجهات الدولية المانحة مثل "اليونيسف" من أجل زيادة دعمها لصناديق المدارس. ورغم أنّ "اليونيسف" قدّمت دعمًا ماليًا سابقًا بقيمة 13.7 مليون دولار إلى صناديق المدارس ورواتب المعلمين، فإنّها حذرت من أنّ التمويل وحده لن يكون كافيًا لمعالجة التحديات التي تهزّ القطاع التعليمي. وتحتاج الحكومة إلى إجراء إصلاحات جوهرية لتحسين كفاءة الإنفاق على التعليم وضمان حقّ الطلاب في الوصول إلى تعليم عالي الجودة". 

في سياق متصل، قالت مصادر مقرّبة من أساتذة التعليم الرسمي لـ"الصفا نيوز" إنّ "المساهمة المالية التي طرحها الوزير ليست بجديدة، فمعظم طلاب التعليم الرسمي كانوا يدفعون مبلغاً رمزياً لدى تسجيلهم، إلاّ أنّ ما اختلف هذه المرّة هو أنّ الوزير شمل أقساماً جديدة من التعليم الرسمي في قراره، إذ إنّ الجهات المانحة كانت تتولّى دفع رسوم تسجيل هؤلاء، ولكن في ظلّ حالة التقشّف الحاصلة، اليوم، وفي غياب الدعم الخارجي، لا حلّ أمام الوزارة إلّا الطلب من الأهالي المساهمة بمبالغ رمزية "، مشدّدة على "أهمية مساهمات الأهل في قطاع التعليم الرسمي ليتمكّن من البقاء صامداً". 

وتوسعت المصادر في الشرح "بعد ثلاث سنوات في الوزارة، اكتشف الحلبي أنّ الوعود السياسية بدعم القطاع التعليمي لم تتحقّق، وأنّ هناك معوقات سياسية وطائفية تعرقل أيّ إصلاح جدّي في هذا المجال. فيما يواجه الوزير تحديات كبيرة مع بدء العام الدراسي، بعد تنصّل الحكومة من التزاماتها بدعم التعليم، بينما يعاني المعلّمون من هزال الأجور ويهددون بالمقاطعة. أمّا الدول المانحة، التي كانت تساعد في السنوات السابقة، فتوقفت عن تقديم المساعدات، فزاد ذلك من تعقيد الأوضاع". 

وختمت المصادر "يبدو أنّ الحلبي يتجه إلى الاستقالة بسبب ما يراه تآمراً على التربية من قبل القوى السياسية التي تهتم بمصالحها الخاصة، مع غياب دعم حكومي حقيقي للتعليم الرسمي". 

مستقبل قاتم للتعليم 

يتزامن هذا القرار مع أزمة أكبر تعصف بالقطاع التعليمي، سواء في المدارس الرسمية أو في المدارس الخاصة. فوقت يعاني المعلّمون من تدهور أوضاعهم المالية، ترتفع أقساط المدارس الخاصة بشكل غير مسبوق، وهذا ما يجعل التعليم يواجه مستقبلًا قاتمًا. إذا استمرت هذه السياسات فقد نجد أنفسنا أمام جيل يعاني نقصًا في التعليم يمهّد لعودة مشكلات الأمّية والتسرّب المدرسي على نطاق واسع. 

إنّ قرار وزير التربية فرض مساهمات مالية على الأهل ليس مخالفة قانونية ودستورية فحسب، بل هو أيضًا خطوة تعمّق أزمة التعليم في لبنان. في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يجب على الحكومة إعادة النظر في هذا القرار وضمان حقّ الطلاب في التعليم المجاني، وتحمّل مسؤولياتها تجاه وزارة التربية، والسعي إلى تأمين تمويل يدعم مؤسسات التعليم الرسمي ويساعدها على الصمود.