بيضاء أم هجينة؟

أسخف ما سمعت وأسمع، تعبير "اللغة البيضاء" التي يستعملها، بخاصة، المذيعون والمذيعات والمغنون والمغنيات. إنها خليط من بعض العربية، وقليل من اللبنانية، و"شويَّة" من المصرية، مطعَّمة ببعض الخليجية... لتبدو، في النهاية، مخلوقًا بشعًا هجينًا، قريبًا من المسخ.

إذا كان الهدف من استخدام هذه "اللغة" أن يفهمها العرب، جميعًا، أليست اللغة العربية الفصحى هي ما يجب أن يجمعهم وتكون وسيلة المخاطبة في ما بينهم؟ فلنُذع ولنغنِّ بها. إلَّا إذا أصبحت عصيَّة على الفهم، على عباد الله "المحشورين" بين المحيط والخليج، و"المشرورين" في المهاجر.

في هذه "اللغة" تخلٍّ عن بساطة اللُّغة المحكيَّة وصدقها وعفويتها، إلى أيِّ دولة انتمت، وبالتالي تشويهٌ مقصود للجمال.

ما أعرفه أنَّ أغاني فيروز التي صاغ شعرها الأخوان رحباني، بلغة لبنانيَّة صافية، يغنيها حتَّى الموريتاني ويفهمها، مثلما يردِّد اللبناني ويفهم أغنياتٍ باللُّغة الصَّعيديَّة المصريَّة أو اليمنيَّة أو الجزائريَّة... وفهمكم كفاية.  

     

نوستالجيا

حرمتني الكتابة على الكومبيوتر، بعد سنين طويلة من علاقة حميمة مع القلم والورقة، لذَّة التأمُّل بالمسودَّة. مسودَّة كان يُعمل فيها القلم تصحيحًا وإضافات، تتعرَّض للتَّمزيق أحيانًا، أو "تتجعلك" أحيانًا أخرى، بعد أن تجول على زوايا البيت أو المكتب جميعًا، قبل أن تُحوَّل على علاتها الشكلية إلى قسم التنضيد، أو تنضمَّ إلى دُرج الأوراق الخاصة. لذَّة أن تستعيد، وأنت تنظر إلى المسودَّة، كيف تطورت الفكرة

أو الرأي. كيف خرجت إلى النور، ومن أيِّ رحم. كيف نهاك رقيبك الداخليُّ عن قول، أو دفعتك حماستك إلى قول آخر. كيف استنبطت النهاية أو بيت القصيد، وفي أيِّ وقت. وكيف تبدَّل خطك من فَرِحٍ إلى مُتعَب...

لذَّة لا مكان لها على شاشة كومبيوتر حيث الصفحة أنيقة مرتبة واضحة... لا غبار يعلوها، ولا شائبة تشوبها، ومكانها محفوظ في الذاكرة الإلكترونيَّة، كما في ذاكرتك.

لذَّة أضحِّي بها من أجل التطوُّر والتقدُّم، لضرورات العمل. لكنَّني أتقصَّد استرجاعها، بين حين وحين، كمن يعيش في غربته نوستالجياه إلى وطنه. فوطني الأول والثاني والثالث... والدائم، يبقى الورق والحبر والكلمة، مهما اتسعت الجغرافيا وعمق التاريخ وطالت الغربة.   

سبحانَ خالقِهم

قرأت هذه الأرقام، ذات يوم غير بعيد، وأدعو القارئ العزيز إلى التمعُّن في قراءتها، ومشاركتي التَّعليق عليها إذا رغب.

إجماليُّ دخل 22 دولة عربية مجتمعة أقلُّ من دخل الدولة الإسبانية وحدها. ويحك يا نفط!

40 في المئة من العرب، أي نحو 65 مليون عربي، أمِّيُّون. أبجد هوَّز...

ثلثُ العرب يعيش الفرد الواحد منهم على أقلَّ من دولارين في اليوم. بوظة، علكة، كرابيج...

51 في المئة من الشباب العربي يرغبون في الهجرة. بلاد الله واسعة.

25 في المئة من الشباب الجامعي العربي هاجروا بالفعل. عفارم!

عدد الكتب المترجمة إلى اللُّغة اليونانية يفوق خمسة أضعاف ما يُترجم إلى اللغة العربية... "يا خاراي" باليونانيَّة تعني: في صحَّتكم أو "كاسكم".

قال الشَّاعر عمر أبو ريشة، في المسؤولين العرب يومًا، ونقول معه كل يوم:

"عَلَى أَرَائِكِهِمْ، سُبْحَانَ خَالِقِهِمْ

عَاشُوا وَمَا شَعَرُوا، مَاتُوا وَمَا قُبِرُوا".

هذا أوَّل تعليق. ونزيد عليه آخر: وا عرباه!!!

بالعربي الفصيح

وقفَ الشَّعبُ على رأيِ "المسؤولِ"، في أمرٍ مصيريٍّ! فتركَ عليْهِ حذاءَه وآثرَ أنْ يمضيَ بقيَّةَ حياتِه... حافيًا!

***

أبلغَ فعلُ "زحفَ" إِلى أئمَّةِ اللُّغةِ بخاصَّةٍ، وكلِّ مَن كتبَ بعامَّةٍ، رفضَه التَّامَ سوءَ استعمالِه، ماضيًا وحاضرًا وربَّما مستقبلًا! فهو وُجدَ للزَّواحفِ منَ الحيوانِ، وهذا موضعُ فخارِه، لا للبشرِ، ولا سيَّما منهمُ السِّياسيُّون (أو السِّياسيِّين)!

***

غالِبِيَّةُ أَنظِمَةِ الحُكْمِ في العالَمِ، يتوَلَّاها حُكَّامٌ مُعَرَّفونَ بـ"أَل" الدَّمِ، أَو "أَل" الكَذِب! وَعَلَيْهِ تكونُ الشُّعوبُ دائِمًا "نَكِرَةً"... مَسْحوقَة!

***

ألنَّاسُ كمثلِ بعضِ بحورِ الشَّعرِ: فمِنْهُم "الوافرُ" غنًى، "الطَّويلُ" رقمُ حسابِه في المصرفِ، شبهُ "الكاملِ" مركزًا وصدارةً؛ ومنهمُ "البسيطُ" المعشرِ، "الخفيفُ" العقلِ؛ ومنهمُ "السَّريعُ"، "المتقارَبُ" من حيثُ يشتمُّ رائحةَ القرش؛ ومنهمُ الَّذي "تداركَه" القدرُ ليُكملَ لوحةَ الحياةِ بهِ، وتَراه دائمًا "مقتضبَةً" حياتُه، "مجتثًّا" فرحُه، يعدو "خببًا" وراءَ لقمةِ عيشِه!

***

أللهُ، إلى ما هو، شاعر. الكونُ، عنوانُ ديوانِه. السَّمواتُ والأرضُ، اليابساتُ والمحيطاتُ، النُّجومُ والكواكبُ، العواصفُ والنَّسائمُ، الشَّوكُ والأزاهيرُ، الحياةُ والموتُ، الشَّوقُ والعطرُ، الملائكةُ والجمالُ، الغلالُ والعطاءُ... قصائدُه. وأحلاها، بين هلالينِ (القمرِ والشَّمسِ)... قصيدةُ الأرض. لكنَّ أحلى الأحلى... قصيدةُ إنسانِ تلك الأرض.