مع اقتراب العام الدراسي في لبنان وتفاقم الأوضاع الأمنية في البلدات والقرى الحدودية الجنوبية، يواجه الطلّاب والأهالي تحدّيات كبيرة تهدّد استمرار العملية التعليمية. إذ لا تزال تلك البلدات والقرى عُرضة لقصف يومي وغارات إسرائيلية متكرّرة تدفع الجميع إلى التساؤل عن مصير العام الدراسي.

مصير العام الدراسي مجهول 

التقى "الصفا نيوز" عدداً من أهالي القرى الحدودية في الجنوب، فعبّر بعضهم عن قلق كبير حيال صعوبة العودة إلى مقاعد الدراسة، بعدما تضرّرت أكثر من 42 مدرسةرسمية وخاصة. فيما يخشى آخرون تكرار سيناريو الامتحانات الرسمية، الذي عاش فيه أولادهم حالة رعب حقيقية مع كلّ يوم "تقديم"، إذ كانوا يذهبون إلى امتحاناتهم تحت أصوات القذائف ودويّ جدار الصوت، بسبب "عناد وزير التربية ورفضه منح طلاب الجنوب عفواً"، على حدّ تعبيرهم. 

ورغم الظروف القاسية، لا يزال الطلاب متمسّكين بالأمل في تحقيق التفوق. فقد حصل عدد منهم على مراتب متقدمة في الامتحانات الرسمية الأخيرة، مثل ليال جواد من عيتا الشعب وعلي حمدان من شبعا.

هذا الوضع دفع وزارة التربية والتعليم العالي إلى البحث عن حلول عاجلة تضمن استمرار التعليم وتجنّب تعطيل المناهج الدراسية. ورغم محاولات الوزارة اجتراح الحلول، فإنّ الواقع يشير إلى أنّ أكثر من 7 آلاف طالب قد لا يتمكّنون من الالتحاق بمدارسهم، بالإضافة إلى 3 آلاف أستاذ اضطروا للخروج من مناطقهم بسبب القصف. 

إلى ذلك، قالت مصادر مقرّبة من وزارة التربية لـ "الصفا نيوز" إنّ "وزير التربية عباس الحلبي يواجه موقفاً معقّداً، وهو يبحث مع مسؤولي الوزارة خيارات مختلفة تهدف إلى تأمين استمرار التعليم للتلاميذ النازحين من مناطقهم. أحد هذه  السيناريوهات المطروحة هو نقل المدارس الواقعة في مناطق الخطر إلى مناطق أكثر أمناً، لكنّ هذا الحلّ يواجه صعوبات لوجستية لتباعد مناطق النزوح وصعوبة جمع الطلاب في مكان واحد". 

وأضافت المصادر "مراعاةً لرغبات الأهالي الذين يرفضون ترك قراهم وتسجيل أبنائهم في مدارس بعيدة، تتجه وزارة التربية إلى تفعيل التعليم عن بعد (أونلاين) كحلّ مؤقّت. هذا الخيار، الذي يعكس مرونة الوزارة في التعامل مع الأزمة، قد يكون الأنسب لضمان استمرار التعليم، خصوصاً أنّ عدد الطلاب في بعض المدارس الحدودية تقلّص بشكل كبير". 

ولكنّ هذا الحل يواجه تحدّيات كبيرة، خاصّة في ظلّ أزمة الكهرباء. فكيف يمكن تطبيق التعليم الإلكتروني في غياب الكهرباء؟ 

في سياق متصل، أشارت مصادر مقربة من رابطة معلّمي التعليم الأساسي إلى أنّ "التعليم عن بُعد قد يكون آخر حلّ يمكن أن تلجأ إليه الوزارة"، معترفة بصعوبة تنفيذه بسبب "الأوضاع الحالية". كما شددت على ضرورة المحافظة على حقوق المعلمين الذين اختاروا البقاء في مناطقهم. 

النزوح وتحديات التعليم 

وتوقّعت المصادر أن "يزداد نزوح الطلّاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة. فالعديد منهم تركوا وأهاليهم منازلهم في الجنوب وانتقلوا إلى مناطق آمنة مثل بيروت وجبل لبنان والبقاع. هذا النزوح قلّل عدد الطلاب في الكثير من المدارس والثانويات، وشكّل ضغطاً على مدارس أخرى في مناطق تعتبر نسبياً أكثر "أمانا". 

لهذه الأسباب وجّه عدد من الأهالي، خاصة أولئك الذين تدمرت بيوتهم وأرزاقهم، نداءً عبر "الصفا نيوز"، طالبوا فيه "بإعفاء الطلّاب النازحين من الرسوم المدرسية وتأمين اللوازم التعليمية مثل الحواسيب والقرطاسية". 

الحاجة إلى حلول عاجلة 

هذه الأزمة تضع وزارة التربية أمام مسؤولية ضخمة لضمان حقّ هؤلاء الطلاب في التعليم في ظل ّظروف بالغة الصعوبة. 

وعلى الرغم من التحديات التي تفرضها الحرب، نجحت الوزارة في توزيع جزء من الطلاب على مدارس في مناطق أكثر أمناً مثل صور والنبطية وصيدا، وفي بيروت وجبل لبنان والبقاع، حيث تمّ استيعابهم ضمن الجهاز التعليمي المتاح. كما أنّ التحسن في مستوى التعليم الرسمي وتوقف الإضرابات ساهما في تقليل المخاوف بشأن استمرار العام الدراسي. 

من جهة أخرى، يواصل المسؤولون التربويون في الجنوب متابعة الوضع عن كثب، بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تطيير العام الدراسي. ووفقًا لرئيس المنطقة التربوية في جنوب لبنان، أحمد صالح، فإنّ مشكلة توفير الأمان هي التحدّي الأكبر، لأنّ العديد من المناطق الجنوبية ليست آمنة بسبب الغارات الإسرائيلية. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على قدرة وزارة التربية على توفير الدعم اللازم للطلّاب النازحين عبر تزويدهم بالأجهزة الإلكترونية والمواد الدراسية الضرورية، وتأمين التعليم عن بعد. 

يذكر أنّ وزارة التربية والتعليم العالي كانت قد وزعت خلال العام الماضي أكثر من 6 آلاف جهاز "تابلت" و"لابتوب" لتمكين الطلاب النازحين من متابعة دروسهم عن بُعد. ولكن مع استمرار التدهور الأمني والاقتصادي، يبقى السؤال هل هذه الحلول كافية لمواجهة التحديات التي تنتظر العام الدراسي الجديد. 

في المحصّلة، لا يزال مصير العام الدراسي لطلّاب الجنوب اللبناني مجهولًا في ظلّ الحرب التي تعصف بهذه المناطق. تحتاج الحكومة ووزارة التربية إلى اتخاذ إجراءات سريعة وعمليّة لضمان حقّ الطلاب في التعليم، خاصّة تحت وطأة الظروف الأمنية والمعيشية الحرجة. ومع اقتراب موعد العودة إلى المدارس، يزداد الضغط والمسؤولية على وزارة التربية من أجل تأمين حلول سريعة تضمن أن يحظى الطلاب بعام دراسي غير ناقص أو متأخر مثلهم مثل أي طالب لبناني آخر.