على مسافة سبعة وستين يوما من الانتخابات الأميركية انتقلت الحملتان الانتخابيتان الديمقراطية والجمهورية إلى سرعة أعلى مع مع اقتراب خط النهاية.

المرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس كملا هاريس وضعت حملتها تحت عنوانَي "الدفاع عن الديمقراطية" و"شق طريق جديد إلى الأمام" فيما يواصل ترامب رفع شعار "أميركا أولا" و "أنا الحل والموجودون الآن فاشلون."

اين يقف ترامب وهاريس اليوم قبل أقلّ من أسبوعين من مناظرتهما الأولى التي تستضيفها شبكة ِABC في العاشر من أيلول المقبل؟ في الشهر الذي فصل بين المؤتمرين الوطنيين، أظهرت استطلاعات الرأي أن ترامب لم يستطع الاستفادة من التعاطف الشعبي الذي خلقته محاولة اغتياله الفاشلة والتأييد الضخم الذي حصل عليه من المؤتمر.

مقارنة بسيطة بين خطابَي ترامب وهاريس حين قبلا ترشيح حزبيهما تبرز الفوارق الجوهرية في الموقف والأسلوب وبرامج الحكم. خطاب ترامب في ختام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي كان مزيجا معقدا من السرد الشخصي والدعوة إلى الوحدة والعودة إلى المظالم السياسية المألوفة.

سرد ترامب بالتفاصيل المملّة محاولة الاغتيال واصفا كيف أخطأته رصاصة بقدرة "العناية الإلهية،" وهو ما أثار ردود فعل عاطفية من الجمهور.

ودعا ترامب في خطابه إلى الوحدة الوطنية مؤكدا نيته في الحكم من أجل "كل أميركا ، وليس نصف أميركا." ومع ذلك ، فإن دعوته للوحدة لم تؤخذ بجدّيّة بسبب تكرار تظلّمه بما في ذلك مزاعم تزوير الانتخابات وتوجيه اتهامات وشتائم إلى شخصيات ديمقراطية بارزة مثل الرئيس بايدن ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي.

وأرفق ترامب دعوته الأميركيين إلى الوحدة بدعوة الإدارة الحالية إلى "التخلي عن الدعاوى" المقامة ضده "وعدم استخدام وزارة العدل سلاحا ضد خصومها،" وهو ما زاد الشك في صدق نواياه والخشية من أن تكون الدعوة إلى الوحدة مجرّد كلام فارغ المحتوى. وقال إن المسؤولين الحاليين لا يتمتعون بالكفاءة مستدلا على ذلك بالقول إنهم لم يتمكنوا من منع وقوع حربَين وأنه لو كان رئيسا، لما حدثت الحرب بين روسيا وأوكرانيا ولا وقعت الحرب بين إسرائيل وحماس.

وتضمن الخطاب أيضا إشارات إلى سياسة الهجرة: "اليوم، يتدفق المهاجرون غير الشرعيين إلى مدننا، وهؤلاء يستولون على فرص عمل الأميركيين." واسترسل ترامب في وصفه المهاجرين غير الشرعيين بالمجرمين والمهربين ومرتكبي كل أنواع الموبقات ووعد بخطة "ترحيل ضخمة،" مضيفا: "سأنهي أزمة الهجرة غير الشرعية بإغلاق حدودنا وإكمال بناء الجدار". ولم يشر ترامب إلى طلبه من المشرعين الجمهوريين في الكونغرس قتل مشروع قانون لتنظيم وضع الحدود تقدموا به وحصلوا فيه على تأييد الديمقراطيين، فقط لأنه سيحسّن صورة الإدارة الحالية.

أما بالنسبة لهاريس، فقد سردت قليلا من قصتها الشخصية في خطابها وغرست فيه إحساسا عميقا بالوطنية وأعربت عن فخرها بالقيم الديمقراطية وهو ما أثار الحماس ولقي صدى لدى الجمهور.

صاغت هاريس حملتها على أنها معركة ضد قوى الانقسام والاستبداد ، ووضعت نفسها حامية للديمقراطية والحقوق المدنية، داعية الأميركيين إلى المشاركة في العملية الانتخابية والنضال من أجل حقوقهم.

خصصت هاريس جزءا كبيرا من خطابها لمقارنة رؤيتها برؤية ترامب. ورسمت صورة صارخة للمخاطر التي تشكلها رئاسة ثانية محتملة لترامب ، محذرة من عودة السياسات والخطابات "القاتمة" التي تشوّه سمعة الأمة. صاغت هاريس حملتها على أنها معركة ضد قوى الانقسام والاستبداد ، ووضعت نفسها حامية للديمقراطية والحقوق المدنية، داعية الأميركيين إلى المشاركة في العملية الانتخابية والنضال من أجل حقوقهم.

واستمرت هاريس في التركيز على هذا الخطاب ولا سيّما في المقابلة التلفزيونية الأولى التي أجرتها مع شبكة CNN فجر اليوم الجمعة خارج إطار جولات الحملة. فقد أشادت بالرئيس بايدن وتعاطفه مع الناس وتقديمه المصلحة الوطنية على مصلحته الشخصية مضيفة أن "كل هذه الصفات ليست موجودة لدى الرئيس السابق."

وتطرقت هاريس أيضا إلى السياسة الخارجية، مؤكدة التزامها بالحفاظ على قوة أميركا في العالم. ووعدت بضمان بقاء الولايات المتحدة رائدة في الشؤون الدولية، لا سيما في مواجهة التحديات من دول مثل الصين. وكررت التزام الولايات المتحدة بمساعدة أوكرانيا على صد الغزو الروسي. أعادت تأكيد الالتزام بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها دانت قتل المدنيين في غزة ودعت إلى حل الدولتين، حيث للفلسطينيين الحق في تقرير المصير والحكم الذاتي.

تمكنت هاريس في المؤتمر الوطني الديمقراطي من أن تروي سرديتها الخاصة فلم تترك غيرها يرويها عنها. وخلقت أملا من خلال خطاب سياسي بعيد عن الاتهامات والرؤية السوداوية. ولذلك تبدو اليوم متقدمة في استطلاعات الرأي على ترامب بثلاث نقاط (49-46). وتظهر بيانات الاستطلاعات تحولات في ميول شرائح ديمغرافية من المرجّح أن تؤثر في نتائج الانتخاب. فهاريس تتقدم بتسع نفاط لدى الناخبين ما دون الثلاثين. وتتقدّم تقدما طفيفا على ترامب لدى الناخبين المستقلين، إضافة إلى انّ الناخبين السود أعلنوا رغبة في الإقبال على صناديق الاقتراع لإعطائها أصواتهم.

وتقول شبكة NPR الإذاعية إن آخر نتائج استطلاعاتها أظهرت أن هاريس تمكنت من إزالة تقدّم ترامب في الولايات المتأرجحة.

لكنّ هذا لا يعني الكثير اليوم. فدقّة الاستطلاعات تكبر مع اقتراب موعد الانتخاب، فيما العديد من العوامل السياسية والاقتصادية لا يزال قادرا على التأثير في النتيجة.

ثم إن الانتصار لن يكون فقط في الفوز بالرئاسة، بل يكتمل بتحقيق الأغلبية في الكونغرس ليتمكن الرئيس المنتخب من إقرار القوانين التي تقدّمها إدارته.

في النهاية، سيُختصَر الأمر بموقف الناخبين من وضع الاقتصاد والتضخم وقدرة المرشحِين على إقناع مناصريهم بالتوجه إلى الصناديق.