فجر الأحد، 25 آب 2024 ردّت المقاومة الإسلامية على اغتيال قائدها العسكري السيد فؤاد شكر (محسن) باستهداف قاعدة غليلوت التابعة للاستخبارات العسكرية (أمان)، والتي تتبع لها الوحدة 8200 المسؤولة عن حروب الذكاء الاصطناعي وتشغيل المسيّرات التي نفّذت اغتيال شكر.

وفي تفاصيل العملية أنّ المقاومة شنّت هجوماً من مرحلتين، الأولى تضمّنت إطلاق 340 صاروخاً على إحدى عشرة قاعدة عسكرية إسرائيلية في الجليل والجولان السوري المحتل، دافعة جيش الاحتلال إلى استنزاف قبّته الحديدية في محاولة صدّها، لتمرّ بعدها أعداد غير محدّدة من المسيّرات باتجاه قاعدة غليلوت التابعة للاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال، والتي تبعد 1.5 كيلومتر من تل أبيب، واستهداف قاعدة "عين شيما" ضمن دائرة الاستهداف، وهي تبعد 75 كيلومتراً عن لبنان و 40 كيلومتراً عن تل أبيب. بذا، فإنّ العملية شكّلت بذاتها وفاء بتعهّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنّ الردّ على أيّ عدوان على الضاحية سيكون باستهداف تل أبيب، وتحديداً هدف عسكري متورّط في عملية اغتيال شكر.

إضافة إلى ذلك، جاء ردّ الحزب منفصلاً عن الردّ الإيراني المرتقب على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" اسماعيل هنية في طهران، وهو ما يثبت توقّعاتنا بأنّ إيران ستفصل ردّها عن ردود فصائل المقاومة، حتّى تثبت قدرتها على الردّ وحدها على العدوان الإسرائيلي، وحتّى لا تعطي خصوم فصائل المقاومة، ومنها حزب الله، فرصة لوصفها بأنّها مجرّد أدوات بيد طهران. وقد أعلن السيد نصر الله أنّ ما حصل يلبّي شروط المقاومة بالردّ على العدوان الإسرائيلي، رابطاً إيّاه بالنتائج المترتّبة على ردّ المقاومة، دافعاً بالتالي العدو الصهيوني إلى الإعلان عن خسائره، وإلّا فإنّ الحزب سيستكمل الردّ.

وبناء على ما حصل، فإنّ الحزب تمكّن من إعادة الإمساك بزمام المبادرة في مواجهة العدو الذي كانت ردوده مرتبكة وبياناته متضاربة في شأن ما حدث، زاعماً أنّه استطاع إحباط هجوم المقاومة، ومعلّقاً بأنّ الأمر الآن يعود إلى الحزب في ما إذا أراد مزيداً من التصعيد، وهذا ما يفيد أيضاً بأنّ العدو لن يردّ على ردّ المقاومة كما هوّل هو وعدد كبير من الموفدين الغربيين إلى بيروت، ومعهم عدد من خصوم المقاومة في لبنان، الذين ثابروا خلال الأسابيع الماضية على التهويل من أنّ إسرائيل ستشنّ حرباً مدمّرة على لبنان إذا ردّ الحزب على اغتيال السيد فؤاد شكر.

الحزب تمكّن من إعادة الإمساك بزمام المبادرة في مواجهة العدو...

وإنّ نجاح الضربة المنسّقة بين سلاحي الصواريخ والمسيّرات، وردّ الفعل الإسرائيلي العاجز قد يشكّلان أنموذجاً يمكن أن تستفيد منه إيران في إعداد ردّها على اغتيال السيد هنية، مع توقّع عجز إسرائيلي عن الرد وفشلها في دفع الأمور إلى مواجهة إقليمية واسعة في المنطقة. وفي هذا الإطار، برز تصريح لوزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي خلال محادثة مع نظيره الإيطالي انطونيو تاجاني حين أكّد أنّ ردّ إيران على مقتل زعيم "حماس" في طهران آت لا محالة، وسيكون "محددًا ومحسوبًا". وأكّد عراقجي أنّ إيران، وإن كانت لا تسعى إلى زيادة التوترات في المنطقة، ليست خائفة من ذلك في حال حدوثها.

والجدير ذكره أنّ الردّ الإيراني المرتقب، كما ردّ حزب الله، تأخّر نتيجة عدّة أسباب. السبب الأول هو أنّ عملية اغتيال هنية حصلت أثناء مراسم تولّي رئيس جديد مقاليد السلطة في البلاد، بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث سقوط طائرته المروحية قبل شهرين تقريباً. السبب الثاني هو أن إيران كانت في وضع دقيق إذ كان عليها أن تستكمل عملية تشكيل الحكومة التي تأثّرت تركيبتها بعملية الاغتيال، فغلب على أعضائها العنصر المحافظ في الوقت الذي كان كثيرون يتوقعون أن تكون غالبية الوزراء من الإصلاحيين على صورة الرئيس، وهذا ما أحرج وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف وأخرجه من تركيبة السلطة الحالية في إيران.

أمّا السبب الثالث فهو أنّ إيران كان عليها أن تعدّ ردّاً يعادل حجم الضرر الذي حصل. علماً بأنّ اغتيال هنية شكّل خرقاً لسيادتها من جهة، ولأمنها القومي من جهة أخرى. فمن يستطيع أن يغتال ضيفاً للدولة أثناء مراسم تنصيب رئيس يمكنه اغتيال أيّة شخصية قيادية في البلاد. من هذا المنطلق، كان على إيران استباق أيّة عملية بسدّ الثغرات الأمنية التي نفذت منها إسرائيل لتنفيذ عملية الاغتيال. وفي هذا الإطار، قُبض على عدد كبير من المشتبه بهم في التعامل مع إسرائيل والاستخبارات الغربية. كذلك فإنّ جزءاً من الردّ يجب أن يخدم فكرة استعادة الشرف الإيراني الذي مُسّ على حد تعبير الأمين العام لحزب الله باغتيال ضيف إيران. هذه الاعتبارات كلها جعلت الرد الإيراني يتأخّر إلى ما بعد رد حزب الله، ويكون منفصلاً عنه. وهو آت لا محالة، وسيتّخذ من رد حزب الله من حيث الشكل والأسلوب أنموذجاً يحتذى، مع التقدير أنّ حجم الضربة سيكون أكبر وسيشمل أهدافاً أكثر مع توقّعات بأن تعضّ إسرائيل على جرحها في حالة الرد الإيراني كما عضّت على جرحها في حالة ردّ حزب الله.