في السنوات الأخيرة، بدأت الأمراض الفيروسية المتنقّلة، مثل جدري القرود، تثير قلقًا متزايدًا في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان، حيث رصدت وزارة الصحة اللبنانيّة إصابتين في آذار الماضي، وبعد تشخيصهما، تبيّن أنّهما تحملان السلالة الجديدة من "جدري القرود". 

ما هو جدري القرود؟ 

هو مرض فيروسي نادر ينتقل من الحيوانات إلى البشر، وينتمي إلى عائلة الفيروس المسبّب لمرض الجدري العادي. ورغم أنّه أقلّ خطورة من الجدري التقليدي الذي قُضي عليه عالميًا، لا يزال يمثّل تهديدًا للصحّة العامّة، خاصّة في مناطق معيّنة من العالم. 

الفيروس الذي يسبّب جدري القرود ينتمي إلى عائلة "فيروسات الجدري" (Poxviridae)، ويُعتقد أنّ الفيروس ينتقل من الحيوانات البرية إلى البشر، كما أنّ انتقال العدوى من شخص إلى آخر ممكن أيضًا، لا سيما من خلال الاتصال الوثيق أو عبر السوائل الجسدية. 

كيف بدأ جدري القرود؟ 

اُكتُشف جدري القرود أول مرة في العام 1958 في مستعمرات القرود التي كانت تُستخدم في البحوث العلمية، ومن هنا جاء الاسم "جدري القرود". ومع ذلك، لا تعتبر القرود المصدر الرئيسي للمرض، إذ يُعتقد أنّ القوارض والحيوانات البرية هي الأكثر احتمالًا لنقل الفيروس إلى البشر. 

أوّل إصابة موثّقة لحقت بإنسان في العام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنذ ذلك الحين تمّ الإبلاغ عن حالات متفرّقة في أجزاء من وسط أفريقيا وغربها، خاصة في المناطق النائية. وفي السنوات الأخيرة، شهد العالم انتشارًا أوسع للفيروس خارج أفريقيا، ممّا زاد المخاوف من احتمال تفشّيه عالميًا. 

ما هي الأعراض التي تظهر لدى المصاب بهذا الفيروس؟ يقول لـ "الصفا نيوز"  الاختصاصي في الأمراض المعدية، النائب الدكتور عبد الرحمن البزري "تظهر أعراض جدري القردة عادةً بعد فترة حضانة تراوح بين خمسة أيام وعشرين يوماً من التعرّض للفيروس، وقد تستمرّ هذه الأعراض أربعة أسابيع. ينتقل الفيروس المسبّب للمرض من الحيوانات إلى البشر عن طريق التلامس المباشر مع سوائل الجسم أو الآفات الجلدية للحيوانات المصابة، أو عن طريق تناول اللحوم غير المطهوة جيدًا. يحدث انتقال عدوى جدري القردة بين البشر بشكل رئيسي من خلال الاتصال الجسدي الوثيق مع الأشخاص المصابين، إذ ينتشر الفيروس عن طريق ملامسة الطفح الجلدي أو سوائل الجسم. كما يمكن أن ينتقل الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين، أو من خلال التلامس المباشر بين المولود الجديد والوالد المصاب". 

جدري القرود في لبنان 

سجّلت وزارة الصحة اللبنانية أول حالة إصابة بجدري القرود في حزيران 2022، بعد ظهور حالات مشابهة في أوروبا والولايات المتحدة. المصاب، وهو مواطن لبناني، كان قد سافر إلى الخارج، وتمّ تشخيص حالته فور عودته. سرعان ما اتخذت السلطات الصحية الإجراءات اللازمة لعزله وتتبّع الأشخاص الذين خالطهم بهدف منع انتشار الفيروس. 

وحذّر البذري من تفشّي سريع لـ"جدري القردة" بطفرات جديدة، مشيراً إلى أنّها "قد تؤدي إلى الوفاة". وكشف عن تسجيل 30 إصابة في العام 2022، مؤكّداً أنّ "العدوى تنتقل عبر العلاقات الحميمة فيما الاصابات تحتاج إلى ثلاثة أسابيع للتعافي التام". 

في ما يتعلّق بالجهوزية الطبية في لبنان لمواجهة هذا الوباء، أكّد البزري أنّه "لا يوجد حاليًا دواء محدّد لعلاج جدري القردة، وأنّ العلاج يركّز على تخفيف الأعراض. كما شدّد على أهمية يقظة الأطباء والممرضين في الخطوط الأمامية، والعمل على عزل الحالات المصابة بسرعة لمنع انتشار العدوى". 

أسباب انتشار جدري القرود 

علمًا بأن أسباب انتشار الفيروس متنوعة، وتعتمد بشكل كبير على ظروف الشخص المصاب والمجتمع الذي يعيش فيه. في ما يلي بعض الأسباب الرئيسية: 

1. الاتصال المباشر بالحيوانات المصابة: مثل لمس الحيوان المصاب أو التعامل مع دم أو سوائل الحيوانات المصابة، خاصة القوارض البرية. 

2. الاتصال المباشر بين البشر: يمكن أن ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر عبر الاتصال الوثيق، مثل العناق أو ملامسة سوائل الجسم المصاب. 

3. التنقل الدولي: أحد الأسباب الرئيسية لظهور الفيروس في لبنان وأماكن أخرى خارج أفريقيا هو التنقل الدولي. السفر إلى المناطق الموبوءة يزيد من احتمال انتشار الفيروس إلى مناطق جديدة. 

4. العادات الصحية الضعيفة: في بعض الحالات، يؤدي ضعف الإجراءات الوقائية، مثل عدم غسل اليدين بانتظام أو استخدام الأقنعة، إلى تفاقم انتشار المرض. 

أعراض المرض 

تشمل الأعراض المبكرة لجدري القرود الحمى، والصداع، وآلام العضلات، والإرهاق. بعد عدة أيام، يظهر طفح جلدي يشبه الحبوب أو البثور، ويبدأ عادة على الوجه ثم ينتشر في أجزاء أخرى من الجسم. قد يتطور الطفح إلى حبوب صغيرة ملأى بالسوائل التي قد تتكوّن قشورًا مع الوقت.  

في سياق متصل، أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيراً عاجلاً بشأن تفشي مرض جدري القرود، معلنةً حالة طوارئ صحية عالمية بسبب تزايد عدد الحالات المصابة في صفوف الأطفال والبالغين في نحو 12 دولة، وظهور سلالة جديدة من الفيروس. وفي الإطار عينه، أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا حالة طوارئ صحية عامة نتيجة تفشي المرض، وتسببه في وفاة أكثر من 500 شخص، وهذا ما يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً للسيطرة على الوباء. 

طرائق العلاج والوقاية 

في الوقت الحالي، ليس هنالك علاج محدد ومعتمد عالميًا لجدري القرود. العلاج الأساسي يعتمد على تخفيف الأعراض والراحة. ومع ذلك، ثمة بعض الخيارات العلاجية الممكنة: 

1. الراحة والعناية الذاتية: يجب على المصاب بجدري القرود الحصول على الراحة الكافية والبقاء في عزلة لتجنب نشر العدوى. 

2. العلاج بالأدوية المضادة للفيروسات: في بعض الحالات، يمكن استخدام أدوية مضادة للفيروسات لتخفيف الأعراض ومنع تفاقم المرض. 

3. اللقاحات: يُعتبر لقاح الجدري فعّالًا جزئيًا ضد جدري القرود، إذ يوفر الحماية بنسبة كبيرة. وقد بدأت بعض الدول في تقديم اللقاح إلى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة. 

الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية 

  واكبت وزارة الصحة اللبنانية بسرعة الحالة الأولى المبلّغ عنها من خلال: 

1. عزل المصاب: تم عزل المصاب ووضعه تحت المراقبة الطبية حتى تعافيه. 

2. تتبّع المخالطين: سعت الوزارة إلى تحديد جميع الأشخاص الذين خالطوا المصاب واتخذت الإجراءات الوقائية الضرورية. 

3. توعية الجمهور: أطلقت السلطات حملات توعية عامة حول جدري القرود، وأعراضه، وطرائق الوقاية منه بهدف زيادة الوعي بين المواطنين. 

4. التنسيق مع المنظمات الصحية العالمية: للحفاظ على اليقظة ومتابعة أيّ تطورات أو مستجدات تتعلّق بالمرض على الصعيد الدولي. 

ورغم كون جدري القرود مرضًا نادرًا نسبيًا في لبنان، يستوجب اليقظة والحذر. ومع انتشاره في بعض الدول خارج أفريقيا، من المهم أن تبقى الحكومات والمؤسسات الصحية مستعدّة للتعامل مع أيّ حالة إصابة محتملة. فالتوعية والوقاية تبقيان أفضل السبل للحدّ من انتشار هذا الفيروس وضمان سلامة المواطنين.