يبدو أنّ محادثات الدوحة لوقف إطلاق بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لا تبشّر بالخير، وهذا ما دفع بالبعض إلى حدّ إعلان فشلها، وحدا وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن على التوجه إلى تل ابيب.

إنّ توجّه بلينكن إلى تل أبيب يشكّل بذاته مؤشّراً إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو معرقل التقدم في المفاوضات. فقد اعتبر المسؤول الإعلامي لحركة "حماس" في لبنان وليد الكيلاني أنّ ما طرحه الجانب الإسرائيلي في مفاوضات الدوحة لا يحقّق تطلّعات الشعب الفلسطيني. وأشار في حديث إذاعي إلى "أنّ البيان المصري القطري الأميركي المشترك الذي صدر في ختام جولة المباحثات في الدوحة لا يعكس ما تعهده الجانب الأميركي، بحسب ما جاء في مبادرة الرئيس جو بايدن، وفقاً لصيغته التي قبلتها الحركة في 2 أيار الماضي، ومن ضمنها انسحاب القوات الصهيونية من معبري رفح ونتساريم". وصدرت بيانات من عدد من قادة حركة "حماس" تؤكّد عدم رضا الحركة عمّا صدر عن محادثات الدوحة، التي لم تشارك فيها، بل اعتمدت على المفاوضين القطريين في نقل مطالبها، محمّلةً الجانب الإسرائيلي مسؤولية فشل المحادثات.

كذلك أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً علّق فيه على محادثات الدوحة، معلناً تقديره "للجهود التي تبذلها أميركا والوسطاء لثني "حماس" عن رفضها صفقة إطلاق سراح المحتجزين"، معتبراً أنّ "المبادئ الأساسية لإسرائيل معروفة جيداً لدى الوسطاء وأميركا، وتأمل إسرائيل أن تؤدّي الضغوط إلى دفع "حماس" إلى قبول مبادئ 27 أيار الماضي، حتى يتسنّى تنفيذ تفاصيل الاتفاق". علماً بأنّ من ضمن مبادىء نسخة 27 أيار من الاتفاق مطالبة إسرائيل بإبقاء سيطرتها على المعابر، واشتراط العودة إلى القتال عند الاقتضاء، وهو ما ترفضه "حماس".

وبات من الجلي أنّ نتنياهو لا يريد وقفاً لإطلاق النار عبر مطالبته بتعديلات على مبادرة بايدن، وهذا ما جعل الأخير يلومه علناً على عرقلة المفاوضات، وفي تصريح رسمي قبيل توجه بلينكن إلى تل أبيب. ويبدو أنّ هنالك سببين يجعلان نتنياهو يماطل في التوصل إلى اتفاق، أولهما خوفه من إطلاق الأسرى الإسرائيليين، لأنّ ذلك سيكشف أنّ أربعين منهم قضوا بنيران الجيش الإسرائيلي خلال هجومه على رفح، وسيفاقم، تالياً، سخط أهاليهم ضد نتنياهو. لهذا السبب يصرّ نتنياهو على إطلاق جميع الأسرى دفعة واحدة وليس على مراحل تبدأ بتسليم جثث القتلى أولًا حتى يغطي بالرهائن الأحياء جثث الأسرى الذين قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي. وتُظهر معلومات عن مخاوف نتيناهو من أن يتعرّض للاغتيال على يد أحد أهالي الأسرى القتلى، على غرار اغتيال اسحق رابين في العام 1995.

ثمة سبب ثانٍ يدفع نتنياهو الى عرقلة المفاوضات، هو رغبته في إطالة أمد الحرب حتى الانتخابات الأميركية المقبلة، على أمل انتخاب صديقه دونالد ترامب الذي تبشر تصريحاته بنيّته تصعيد المواجهة مع إيران وزيادة الدعم لإسرائيل. ومن تصريحات ترامب الداعية إلى التفاؤل في نظر نتنياهو تصريح قال فيه إنّ مساحة إسرائيل ضيّقة، ملمّحاً إلى دعمه فكرة توسعها جغرافياً. وتساءل ترامب في كلمته أمام الجالية اليهودية في مناسبة إطلاق تحالف "أصوات يهودية من أجل ترامب" في أميركا، هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضي لإسرائيل، لأنّها "صغيرة" على الخريطة مقارنةً بالدول الأخرى في الشرق الأوسط.

لا يريد نتنياهو أن يوقف إطلاق النار، بل يريد أن يمدّ أجل المواجهة العسكرية مع "حماس" 

وسبق أن انتقد ترامب خلال فعالية لمكافحة معاداة السامية، دعوات الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، المرشحة للانتخابات الرئاسية في مواجهة ترامب، إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقال ترامب إنّ هاريس تسعى إلى تكبيل يد إسرائيل عبر مطالبتها بوقف إطلاق النار الذي من شأنه "أن يمنح "حماس" الفرصة لإعادة جمع صفوفها وشنّ هجوم جديد ضد إسرائيل على غرار ما حدث في السابع من تشرين الأول 2023.". وأكد ترامب أنّه إذا وصل إلى البيت الأبيض فسيقدّم إلى إسرائيل الدعم الذي تحتاج إليه لتحقيق الانتصار، بشرط أن تفعل ذلك بسرعة. وكان ترامب قد أطلق هذا الموقف في مرّة سابقة في أثناء لقائه نتنياهو خلال زيارة الأخير واشنطن.

إضافة إلى ذلك، فإنّ ترامب كان قد تجاوب مع المزاعم الإسرائيلية التي اتهمت إيران بالوقوف وراء محاولة اغتياله قبل شهرين، وأعلن وقتذاك أنّه إذا كانت إيران فعلاً هي المتورطة في الحادث فعلى الولايات المتحدة توجيه ضربة إليها.

من هذا المنطلق، لا يريد نتنياهو أن يوقف إطلاق النار، بل يريد أن يمدّ أجل المواجهة العسكرية مع "حماس" حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، آملاً أنّ ردّ إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، وردّ حزب الله على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، سيعطيانه الفرصة للتصعيد ضدّ إيران والدفع باتجاه حرب عليها تتورط فيها الولايات المتحدة فتوجّه ضربة قاصمة إلى الجمهورية الإسلامية في ظلّ المخاوف من أنّ طهران حقّقت تقدماً كبيراً في برنامجها النووي يؤهّلها لصنع قنبلة نووية خلال أسابيع قليلة. هذا هو السبب الذي جعل المصريين يبلّغون رئيس مجلس النواب نبيه بري والطرف الإيراني بضرورة التروّي في الردّ حتّى لا يمنحا نتنياهو ما يريده.