متى يحين موعد "الضربة"؟ هل تكون متزامنة من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق واليمن وغزة؟ هل تستهدف مناطق مدنية أم تركز على أهداف عسكرية إستراتيجية؟ أيمكن أن تكون رمزية بعد تهيئة الأجواء لها من أجل امتصاصها أم بمستوى الفعل، أي استهداف أعلى قيادة سياسية في حماس وأعلى قيادة عسكرية في حزب الله؟ هل تردّ إسرائيل على الرد بإعلان حرب شاملة أم يكون ردّها شبيهاً بردّها السابق على طهران التي أشعلت سماءها ذات ليلة رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا؟ هل يتوسّع الردّ الإسرائيلي ويتصاعد بلوغاً إلى عمق الأراضي اللبنانية ليتخطّى بيروت أو يشملها؟ وماذا عن أميركا وأساطيلها التي هبّت لنجدة إسرائيل؟ هل تنقذ واشنطن تل أبيب من نفسها أم من الآخرين؟ أين تقف روسيا من كلّ ما يحصل؟ هذه الأسئلة وغيرها تطالعك أينما ذهبت، ويجهد كثيرون محاولين الإجابة عنها، مع العلم المسبق أنّ أحداً لا يملك الجواب الشافي. فالمسألة رهن الميدان، الكلّ في انتظار الردّ وحجمه والردّ على الردّ وأهدافه من دون إغفال دور المنخرطين فيه.

أقدمت إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، في خطوة متزامنة نسبياً، وعقب زيارة قام بها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأميركية واشنطن، حيث تمّ الاحتفاء به وبإنجازاته في جلسة خاصّة أمام الكونغرس الذي صفّق له أعضاؤه بحرارة منقطعة النظير. الرجل الذي رفض الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف إسرائيل لهجومها على رفح والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة المنكوب. نتنياهو هذا هو نفسه الذي رفض دعوات واشنطن ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف بناء المستوطنات، معتبراً أنّ "الشعب اليهودي ليس محتلّا لأرضه، ولا لعاصمتنا الأبدية القدس ولا لأرض أجدادنا في يهودا والسامرة". إذاً هو رأس السلطة الإسرائيلية الرافض مشروع حلّ الدولتين الذي رعته واشنطن وسوّقت له، وإذ بأعضاء مجلسي نوابها وشيوخها يصفقون له، بل يثنون على ما يقوم به من رذل لمبادرتهم للحلّ.

هذه الحفاوة التي وجدها نتنياهو زائر العاصمة الأميركية بعد 10 أشهر من المجازر المتواصلة التي يرتكبها جيشه ضد المدنيين في قطاع غزة، صوّرت للرجل أنّه فوق المساءلة. رأى نفسه ودولته وجهين لعملة واحدة. دولة قائمة على نكبة ونكسة واستمرّت بين احتلال وجرائم تطهير عرقي، تتمتّع بدعم مفتوح من الولايات المتحدة الأميركية التي ترى فيها دوراً ومهمة، وبإحساس بالذنب وطلب مغفرة وسماح تشعر به الدول الأوروبية حيال اليهود في محاولة للتكفير عن ذنب يتم تحميل المسؤولية عنه لشعوب المنطقة حيث اختاروا لإسرائيل أن تقوم وتكون.

قامت إسرائيل على فكرة اغتصاب الأرض، وها هي اليوم تستمر في فعل اغتصاب أهل هذه الأرض وأبنائها.

قامت إسرائيل على فكرة اغتصاب الأرض، وها هي اليوم تستمر في فعل اغتصاب أهل هذه الأرض وأبنائها. كيان غاصب أريد له أن يكون الشرطي الغربي في المنطقة. وهو الدور الذي يفاخر به نتنياهو القائل "نحن لا نحمي أنفسنا فقط من إيران بل نحميكم أنتم أيضاً"، معتبراً "أنّ الولايات المتحدة ستكون الهدف التالي إذا تم تقييد يد إسرائيل"، ومؤكّداً أنّ إسرائيل ستظلّ الحليف الذي لا يمكن الولايات المتحدة الاستغناء عنه".

إسرائيل التي تحذّر العالم من سعي إيران إلى امتلاك السلاح النووي كانت موضع مساءلة في عهد الرئيس الأميركي جون كينيدي الذي طرح في العام 1961 موضوع مفاعل ديمونا الذي كانت تل أبيب تدّعي حينذاك أنه لأغراض سلمية. ونشبت أزمة بين إسرائيل وأميركا زمنذاك، إذ حذّر كينيدي المسؤولين الإسرائيليين في رسالة مؤرخة في 15 حزيران 1963، جاء فيها "إن عدم حصول واشنطن على المعلومات الموثوق بها عن مفاعل ديمونا يشكّل خطراً ملموساً على التزام الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل". اغتيل كينيدي الذي وقف في وجه النووي الإسرائيلي في 22 تشرين الثاني 1963. ومن جريمة اغتيال كينيدي إلى جرائم اغتيال العلماء الإيرانيين الذين كانوا يجهدون لتطوير برنامج طهران النووي. هو المشروع النووي الإسرائيلي الذي يقع بين اغتيال كينيدي واغتيال العلماء الإيرانيين إذاً.

قامت إسرائيل فوق مقابر جماعية. كثيرون كانوا يقرأون عن الإبادة العرقية التي ارتكبتها العصابات الإسرائيلية في حقّ الفلسطينيين أصحاب الأرض. بعضهم يصدق وبعضهم يشكّك. اليوم، لا ضرورة للقراءة، ولا ضرورة للبحث في الأرشيف والوثائق، إذ لا يحتاج الأمر إلّا إلى أن نفتح أعيننا. المشاهد الآتية من غزة توثّق بالصوت والصورة، وأحياناً بالبث الحيّ، ما يرتكبه الاحتلال من مجازر في حق المدنيين، وأغلبهم من الأطفال والنساء والعجائز.

كيف يحصل سلام مع دولة تعلن أنّها تريد القضاء على شعب بأكمله، وتتطلع إلى اجتثاثه من أرضه، وتجاهر بأنها تسعى إلى تسيّد المنطقة بالقوة؟ أيجوز إطلاق حوار حول مستقبلٍ لهذا الكيان في المنطقة وصراخ الجرحى والثكلى والأيتام في غزة يصمّ الآذان؟

إسرائيل مشروع يقع بين اغتيال الحق من جهة واغتيال أهله من جهة أخرى. هل تقع إسرائيل أم ينهض مشروع القاتل؟