بات واضحاً أن اسرائيل اختارت التصعيد مع لبنان من خلال استهدافها عمق العاصمة اللبنانية بيروت في عدوان واضح وصريح رغم محاولات الإيحاء بأن ما جرى هو الرد على مجزرة مجدل شمس. بهذه الخطوة، تكون إسرائيل قد اختارت الحرب الواسعة ضد المقاومة في لبنان، خصوصاً أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان قد ركّز في بعض خطبه منذ ما بعد 8 تشرين الأول الفائت على أنّ أيّ خرق أو توسيع لقواعد الاشتباك سيقابله توسيع مماثل، وكلّ الاجراءات التي اتخذها العدو منذ زمن سبق الغارة على الضاحية الجنوبية، في عمق تل أبيب من تأهب للقبة الحديدة وفتح ملاجئ، تشي بذلك.

لا مصادر ولا تأويل من المحيطين في فلك حزب الله قادرة على تحديد حجم الرد وكثافته، إلّا أنّ لدى الحزب منذ الـ8 من تشرين الأول الفائت خشية من ألّا يستوعب العدو الإسرائيلي حجم القدرة النارية لدى المقاومة في حال اتخاذه خيار الحرب المفتوحة على جبهته الشمالية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ ما استخدمه حزب الله طوال أشهر الحرب من أسلحة لا يعتبر نسبياً 1% من مقدراته وقدراته الكبيرة.

وفي السياق نفسه، لا أحد يستطيع التنبّؤ بما ستؤول إليه الأوضاع، فلبنان دخل كما المنطقة، مساء أمس، في الـ30 من تموز 2024، منعطفاً لا يشبه أيّ حقبة منذ بداية الصراع العربي-الإسرائيلي. وفي إطار زيادة التهويل، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن بوارج تابعة إلى الجيش الأميركي اتجهت نحو الساحل اللبناني، بينما اعتبرت بلومبرغ أن لا خطط إسرائيلية لشن المزيد من الضربات الفورية على لبنان.

هذا ما أرادت إسرائيل قوله من خلال استهداف شكر

من جهته، فضل حزب الله حتى وقت متقدم من ليل أمس، التريث في إصدار بيان حول مصير القائد الميداني الذي أعلنت اسرائيل استهدافه، فضلاً عن قرار الرد، ولا شك أنّ في ذلك حكمة ما، بغض النظر عن مصير شكر، حكمة تفيد بأن تبقي العدو الاسرائيلي متأهباً من دون الاستناد إلى معلومات حول ما اذا اتخذ القرار بالرد أولاً، وثانياً ليكون للمقاومة وحدها الكلمة الفصل في توقيت الرد وحجمه بناءً على بنك الأهداف الذي تملكه في تل أبيب ومحيطها.

ومن دون شك، أرادت إسرائيل من خلال استهداف شكر التأكيد على المنطق نفسه الذي اعتمده رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو تحت قبة الكونغرس الأميركي عندما نصب نفسه مدافعاً عن أميركا أولاً في مواجهة إيران وكلّ من يعطّل مصالحها. وفي هذ الإطار أُشيع سريعاً أنّ المستهدف كان أحد أكبر منظمي تفجير عام 1983 لثكنات مشاة البحرية الأميركية في بيروت المارينز، لبنان، والذي أسفر عن مقتل 241 من أفراد الجيش الأميركي.

كذلك، أكدت اسرائيل نفسها التي بثت الكثير من الأخبار عن شخصية شكر الغامضة، انضمامه إلى صفوف الحزب عام 1985 وليس قبل ذلك، أي العام الذي تم فيه استهداف المارينز، وهذا إن دل على شيء فإنّه يدل على التخبط المعلوماتي حول قادة الصف الأول في حزب الله، أو أي من قادة حركات المقاومة في المنطقة، خصوصاً بعد إعلانها قبل فترة وجيزة عن اغتيال الرجل الثاني في حركة حماس محمد الضيف.

وفي السياق نفسه، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، مساء أمس الثلاثاء، بأن "إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة الأميركية طبيعة الهجوم على لبنان".

في حين أفادت "القناة 12" الإسرائيلية بأن "نتنياهو لم يبلغ الحكومة بهجوم ضاحية بيروت لعدم ثقته بوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير".

استشهاد 3 مدنيين بينهم طفلان وجرح 74 شخصاً

واستشهد 3 مدنيين لبنانيين بينهم طفلان، وهما شقيقان، وجرح 74 شخصاً بالعدوان الإسرائيلي الذي استهدف مبنى سكنياً في حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

وأفادت مصادر محلية أن "العدوان نفذته طائرة اسرائيلية أطلقت 3 صواريخ على مبنى سكني بالقرب من مستشفى بهمن"، و"الشهداء الثلاثة هم امراة من آل بيضون من بلدة الشهابية الجنوبية وطفلان سارة (6 أعوام) وحسن فضل الله (10 أعوام) من بلدة عيناثا الجنوبية".

حملة إدانات تعطي المقاومة أحقّية الردّ على الاعتداء الاسرائيلي

حملة ادانات بالجملة أصدرتها غالبية الأحزاب السياسية اللبنانية وعدد كبير من الدول، وقد استنكرت بمجملها همجية العدوان الإسرائيلي على لبنان. ورأت مصادر سياسية أن ضربة كهذه أعادت إلى حزب الله نوعاً من الالتفاف حوله وأعطته الأحقية في الرد على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف عمق العاصمة اللبنانية بيروت، فضلاً عن الالتفاف الشعبي الذي ظهر حول المقاومة في بيئتها فور وقوع الغارة عندما تجمهر المئات بالقرب من المبنى المستهدف مطلقين الهتافات المطالبة بالثأر من العدو الإسرائيلي.

جلسة صباحية لمجلس الوزراء اليوم وشكوى إلى مجلس الأمن

ويعقد مجلس الوزراء، الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم، الأربعاء، الموافق فيه 31/7/2024 جلسة في السراي الحكومي للبحث في المستجدات الطارئة.

وبدوره، دان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العدوان الاسرائيلي السافر على منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي أدّى إلى سقوط العشرات من المواطنين اللبنانيين بين شهيد وجريح.

وقال:" لم تشبع آلة القتل الاسرائيلية من استهداف المناطق اللبنانية في الجنوب والبقاع وصولاً إلى عمق العاصمة بيروت، وعلى بعد أمتار من أحد أكبر المستشفيات في لبنان. هذا العمل الاجرامي الذي حصل الليلة هو حلقة من سلسلة العمليات العدوانية التي تحصد المدنيين في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهو أمر نضعه برسم المجتمع الدولي الذي عليه تحمّل مسؤولياته والضغط بكل قوة لإلزام إسرائيل بوقف عدوانها وتهديداتها وتطبيق القرارات الدولية".

واضاف:" كذلك فإننا سنحتفظ بحقنا الكامل بالقيام بكلّ الإجراءات التي تساهم بردع العدوان الإسرائيلي. وقد دعوت مجلس الوزراء الى الانعقاد غداً وأدعو جميع الوزراء إلى المشاركة".

أما وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بو حبيب، فقال إنَّ الحكومة تندد بالغارة الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، وتعتزم تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بشأنها.

وأضاف في حديث لوكالة "رويترز" أنه"يأمل ألا يؤدي أيّ رد من حزب الله إلى تصعيد".