لا يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العائد من واشنطن إلى ذريعة لتوسعة الحرب في اتجاه لبنان، سواء كانت حادثة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل أو غيرها، ففي إمكانه أن يباشر الحرب بلا مقدّمات أو ذرائع، ويكفي أن يتذرّع فقط بإعادة السكّان إلى مستوطنات الشمال مثلاً. لكن ما حصل قبل حادثة مجدل شمس وخلالها وبعدها يؤكّد أنّه لم يحصل على ضوء أخضر أميركي هدف إليه من زيارته للعاصمة الأميركية، ويمكّنه من توسعة الحرب في اتجاه لبنان، ولكن كيف له أن يوسّعها في الوقت الذي يترقّب ردّاً حوثياً على قصف ميناء الحُديدة على البحر الأحمر، غير معروفة بعد طبيعته وحجمه وكذلك كيف له أن يوسّع الحرب في الوقت الذي أُعلن عن إسقاط طائرة مسيّرة مجهولة المصدر فوق حقل "كاريش" في البحر المتوسط خلال الضجيج الذي أثارته حادثة مجدل شمس، وهذا ما يشير إلى احتمال أن تكون الأهداف في البحر المتوسط ضمن بنك أهداف "المرحلة الخامسة" من المواجهة التي تستعدّ لها حركة أنصار الله الحوثية ضد إسرائيل.

ويقول بعض اللصيقين بالموقف الأميركي الذين واكبوا زيارة نتنياهو إنّ إسرائيل إذا أرادت شنّ حرب على حزب الله فسيكون من الصعب على الإدارة الأميركية الحالية أن تمنعها عنها، خصوصاً إذا اتخذت تل أبيب موقفاً متشدّداً لجهة أن لا يكون لحزب الله وجود في منطقة جنوب الليطاني بموجب القرار الدولي 1701. ويشير هؤلاء إلى أنّ نتنياهو لم يقل في خطابه أمام الكونغرس إنه سيقتل ويدمّر في جنوب لبنان وإن تحدّث عن "اتخاذ إجراءات لحماية حدودنا الشمالية"، مهدّداً بأنّ "كل من يهاجم إسرائيل سيدفع الثمن". ولم يستبعد هؤلاء احتمال إقدام إسرائيل على توسعة نطاق الحرب في خلال أسبوعين أو ثلاثة، مشيرين إلى أنّ جيشها أنهى الأسبوع الماضي "مناورة برّية كبيرة في المنطقة الشمالية تحاكي شن حرب على لبنان".

نتنياهو لم يخرج مرتاحاً من لقاءاته في البيت الأبيض

بيد أن ديبلوماسيين تتبعوا وقائع زيارة نتنياهو لواشنطن يؤكدون أنّه حصل على دعم العسكري الذي طلب، لكنّه لم يحصل على الدعم السياسي الذي يتيح له توسعة الحرب في اتجاه لبنان، خصوصاً أنّ لقاءاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس لم تنته إلى ما يشتهي من تأييد لهذه الحرب، وإنّما دعَواه إلى السير في اقتراح وقف النار في غزة والتزام هدنة لإطلاق الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى سكّان القطاع.

ويقول هؤلاء الديبلوماسيون إنّ نتنياهو لم يخرج مرتاحاً من لقاءاته في البيت الأبيض، خصوصاً من لقائه مع هاريس التي انفردت وحدها بالحديث إلى الإعلام بعد اللقاء بينهما وأدلت بمواقف تعاكس ما ذهب هو من أجله، ودعت إلى وقت إطلاق النار في غزة، منتقدة ما يتعرّض له سكّان القطاع من حصار وداعية إلى وقفه.

وفي اعتقاد الديبلوماسيين أنفسهم أنّ نتنياهو هو أمام احتمالين: إمّا شنّ حرب ضدّ "حزب الله" الآن وقبل حلول الخامس من تشرين الثاني المقبل موعد الانتخابات الأميركية. وإمّا صرف النّظر عن فكرة توسعة الحرب بالوتيرة الحربية السائدة، لأنّ الحرب لن تكون نزهة وستكون لها انعكاسات على إسرائيل. وبالتالي، لن يكون في استطاعته شنّها بعد 5 تشرين الثاني حتّى لو فاز ترامب في الانتخابات.

ويذهب الديبلوماسيون إلى القول إنّ اللقاء بين نتنياهو وهاريس "كان سيئاً جداً" وقالوا إنّه في حال فوز هاريس بالرئاسة الأميركية فإنّ العلاقة بين إدارتها وإسرائيل ستكون في أسوأ حالاتها، وإنّ هذا الاحتمال الذي يأخذه نتنياهو في الحسبان الآن ربما سيكون من الأسباب التي قد تدفعه إلى شنّ الحرب على لبنان بهدف "القضاء" على حزب الله في موازاة حربه على قطاع غزة التي يهدف منها إلى "القضاء" على حركة حماس وأخواتها.

ولذلك يقول الديبلوماسيون: "إمّا أن يشنّ نتنياهو الحرب الآن، وإمّا لن تكون هناك حرب وإنّما محاولات لاغتيال ما أمكن من قيادات حزب الله ومقاتليه في الميدان، وتدمير ما أمكنه من أهداف عسكرية إن اكتشفها، لأنّه بعد الخامس من تشرين الثاني لن يكون في إمكانه شنّ أيّ حرب في ظلّ انغماس الولايات المتحدة الأميركية في تشكيل الإدارة الجديدة التي ستكون للرئيس المقبل سواء كانت هاريس "الديموقراطية" أو ترامب "الجمهوري"، وأيّ منهما لن يقبل أن تكون هذه الحرب بمنزلة "أوّل عبوره شمعة على طوله".

هذا ما يجعل نتنياهو في حيرة من أمره ويمنعه من توسعة الحرب وحتّى من الحسم فيها

ويلفت الديبلوماسيون إلى أنّ المسرحية البكائية التي أرادها نتنياهو لاستدرار العطف والدعم، وهي اللازمة الدائمة لإسرائيل منذ نشوء كيانها، عبّرت عن إفلاس سياسي وعسكري حقيقي لنتنياهو وحكومته، إذ لا يمكن أحداً أن يصدّق روايته نقلاً عن ضابط التقاه عند تفقّده الجيش في رفح من أنّ الجيش الإسرائيلي قتل هناك 1200 مقاتل من حماس وإنّ شخصاً مدنياً واحداً قُتل نتيجة إصابته بشظية قذيفة.

يبقى أنّ الريح العاطفية التي زرعها نتنياهو في واشنطن وتأثّر بها جمهوريو الكونغرس لا الديموقراطيون الذين توزّعوا بين مقاطعين لـ"جلسة الخطاب" وحاضرين لها امتنعوا عن التصفيق له وقوفاً أو جلوساً، يتوقّع أن تحصدها الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية عاصفة ستظهر نتائجها في قابل الأيام والأسابيع الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني المقبل. فرصاصة الاغتيال التي نجا منها ترامب جسدياً وأعطته دفعاً انتخابياً اغتالت بايدن رئاسياً، ولكنها لم تغتَلْ حزبه لا رئاسياً ولا انتخابياً، وهذا ما يجعل نتنياهو في حيرة من أمره ويمنعه من توسعة الحرب وحتّى من الحسم فيها حيث هو الآن...