كان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يعوّل على الدعوة التي وصلته من الرئيس الجمهوري لمجلس النواب، مايكل جونسون (لويزيانا) لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة لمجلسيْ الكونغرس ليبعد عنه بعضاً من ضغوط الحرب ورمي بعض من الأثقال التي يقول إن حكومة الرئيس جو بايدن ألقتها على ظهره.  

وكان جونسون يعوّل على تلبية نتنياهو الدعوة وإلقائه الخطاب فيحرف الأنظار عن المصاعب التي يواجهها في توليه مهامّه في ظل انقسام جذري بين فصائل الحزب المتطرفة وحاجته إلى مساعدة من الأقلية الديمقراطية لإمرار القوانين.   

لكنّ ردود الفعل على خطاب نتنياهو شابهت ردود القعل على الدعوة التي تفرّد بها جونسون على أمل إحراج حكومة بايدن: لا الخطاب لقي صدى إيجابيا خارج إطار أصحاب الدعوة، ولا استطاعت الدعوة أن تغطي الشروخ في الحزب الجمهوري وتحرج الرئيس وإدارته. جلّ ما فعله الخطاب في رأي العديد من المعلقين السياسيين على الشاشات الأميركية أنه أثبت ما لم يعد يحتاج إلى إثبات، وهو التماهي بين أقصى اليمين الإسرائيلي وأقصى اليمين الأميركي. الحزب الجمهوري فضّل نتنياهو على بايدن، ونتنياهو رهن مستقبله لفوز دونالد ترامب.  

وفيما هلل حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي لمضمون الخطاب ولهجته، قال دبلوماسي إسرائيلي سابق إن الخطاب "كان تحفة في فنّ المسرح السياسي. قدّم مشهدية جذابة لكنه كان فارغا من المضمون الجدي ومن رؤية سياسية واضحة أو ايجابية."  وفسّر الدبلوماسي رأيه بالقول إن نتنياهو أراد التشبه بالرؤساء الأميركيين الذين يلقون خطابا سنويا عن حال الأمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس ويدعون أفرادا من عامة الشعب يستخدمونهم لإبراز فكرة أو سياسة أو موقف أو فعل ما. أضاف إن نتنياهو بدا كعضو كونغرس جمهوري يتوجه في هذا الخطاب إلى جمهور معيّن هو المرشح ترامب وإلى الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، رغم أنه خصص بايدن بالشكر على الدعم. 

في هذا الخطاب استهدف نتنياهو إيران ووصفها بأنها أكبر خطر ليس على إسرائيل وحدها بل على العالم الحر. قال إن إسرائيل تحارب إيران حين تقاتل حماس وحزب الله والحوثيين، وهي حين تفعل ذلك فإنما تدافع عن الولايات المتحدة. هاجم منتقدي سياسته في إسرائيل والولايات المتحدة والعالم ووصفهم بأنهم "أغبياء في خدمة إيران."   

ولعلّ تركيز نتنياهو على إيران هدف إلى تثبيتها "بعبعا" في المنطقة تستدعي مواجهته إنشاء حلف شرق أوسطي، قد يساعده على تثبيت كرسيّه المهزوز في إسرائيل ولدى الرأي العام الأميركي.  

 اتفقت مواقف بايدن وهاريس وترامب، كل من جهته، على نهاية سريعة للحرب بالتفاوض، وبعقد اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

في هذا الخطاب خالف نتنياهو الحقيقة وحوّرها في إيراد عدد من الوقائع المغلوطة خدمة لأجندته السياسية:  

أولاً، نِسَب الإصابات: قال أن نسبة إصابات المقاتلين وغير المقاتلين في هذه الحرب كانت أدنى نسبة في التاريخ في حرب مدن. إلا أن الأرقام التي أوردتها وزارة الصحة في غزة تنافي ذلك وتؤكد سقوط نحو أربعين ألف ضحية، معظمها من المدنيين، وإصابة أكثر من سبعين ألفاً.   

ثانياً، حماية المدنيين: قال أن الجيش الإسرائيلي اتخذ "أكبر قدر ممكن من إجراءات الوقاية في تاريخ الحروب لتجنّب إصابة المدنيين." لكن تقارير المنظمات الإنسانية تظهر العكس وتميل إلى تصديق الأرقام الصادرة عن الفلسطينيين.   

ثالثاً، الضحايا المدنية في رفح: قال إن عملية رفح لم ينتج عنها أي خسائر تذكر في صفوف المدنيين، لكنّ التقارير المتعددة المصادر تناقض ذلك.  

رابعاً: الدعم الأميركي لإسرائيل: قال إن معظم الأميركيين يؤيدون إسرائيل فيما لا تزال استطلاعات الرأي تظهر تنامي الخلاف بين الأميركيين على دعم إسرائيل في حربها على غزة، وتنامي معارضتها، لا سيّما في صفوف الشباب. 

وعليه، فإنّ خطاب نتنياهو الذي قاطعه نحو مئة من الأعضاء الديمقراطيين في مجلسيْ النواب والشيوخ، من بينهم نائبة الرئيس والمرشحة المفترضة للرئاسة كامالا هاريس أظهر بداية انقلاب في موقف الحزب الديمقراطي تجاه الحرب التي تخوضها إسرائيل على غزة.  

أمس اجتمع نتنياهو بالرئيس بايدن ثم بالمرشحة هاريس، ويجتمع لاحقا اليوم بالمرشح الجمهوري ترامب. وفيما طالب نتنياهو بمزيد من المساعدات العسكرية لتمكينه من الفوز في الحرب، اتفقت مواقف بايدن وهاريس وترامب، كل من جهته، على نهاية سريعة للحرب بالتفاوض، وبعقد اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.   

قبل ثلاثة أيام تساءل زميلنا الياس الزغبي عما إذا كان نتنياهو "سيلعبها صولد بين إدارتين،" ويبدو أن نتنياهو قد اختار موقعه واصطفّ فيه. ولكن ماذا لو فازت هاريس؟  في الحالتين، يتوقع منتقدو نتنياهو أن يكون هو الضحية المقبلة لسياسة "جز العشب" التي طبّقها على خصومه في إسرائيل وخارجها.