اضطلعت بورصة بيروت بدور مهم في الاقتصاد اللبناني على مدى عقود من الزمن. لكنّها تعاني اليوم أزمة حادّة تعكس الأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة في البلاد، حيث لا يتجاوز عدد الشركات المدرجة فيها الـ11 شركة، معظمها من المصارف، بالإضافة إلى شركة سوليدير.  

لمحة تاريخية  
أُسّست بورصة بيروت في العام 1920 خلال فترة الانتداب الفرنسي، وكانت في  طليعة البورصات في المنطقة العربية. بدأت منصّة لتداول الأسهم والسندات للشركات المحلّية والأجنبية، وسرعان ما أصبحت مركزًا ماليًا بارزًا في الشرق الأوسط.  
قال لـ"الصفا نيوز" أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية د. خليل جبارة: "ترتبط البورصة ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد. فبينما تعكس البورصة حالة الاقتصاد، فإنّ أداء الاقتصاد يؤثّر أيضًا على أداء البورصة. يمكن الحكومات استخدام البورصة كأداة للسياسة الاقتصادية من خلال اتخاذ إجراءات تؤثّر على أسعار الأسهم، مثل تغيير أسعار الفائدة، وهذا يساعد في تحقيق أهداف اقتصادية مثل تحفيز النمو أو كبح التضخم". ولفت إلى أنّه "ليس لدى جميع اقتصادات العالم بورصة. هناك عوامل عديدة تمنع إنشاء بورصات مثل صغر حجم الاقتصاد وطغيان الشركات المتوسّطة والصغيرة وضعف البنية التحتية المالية الضرورية لإنشاء بورصات، وغياب التشريعات المالية والتشريعات التي تعنى بإلزامية الإفصاح عن المعلومات والتنافسية وتضارب المصالح. هناك أيضاً دول تضع قيوداً على تداول الأسهم". 

وأشار جبارة إلى أنّ "امتلاك بورصة يوفّر فوائد عديدة تسهم في تطوير القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات واستيلاد فرص عمل وتطوير القطاع الخاص. تساعد البورصة كذلك في توفير التمويل للقطاع الخاص من خلال إصدار الأسهم والسندات وفي تعزيز حوكمة الشركات وفي زيادة السيولة في السوق وجذب رؤوس الأموال وإطلاق فرص عمل"، وأكّد أنّ "لتوفير التمويل للشركات وتشجيع الاستثمار وتعزيز الشفافية والحوكمة وتنويع مصادر التمويل وجذب الاستثمارات الأجنبية فوائد أساسية على النمو الاقتصادي. وهنا تأتي أهمية البورصات. يمكن أيضاً اعتبار البورصة مؤشّرًا اقتصاديًا مهمًا. فأسعار الأسهم هي انعكاس لحالة الاقتصاد بشكل عام. فالأسعار تتأثّر بالتوقعات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية الحكومية". 

الأهمية الاقتصادية 

وعليه، لعبت بورصة بيروت دوراً رئيساً في الاقتصاد إذ نشّطت الاقتصاد المحلّي عبر تمويل الشركات اللبنانية، مساهمةً في تنمية القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات. وبفضل سمعتها الجيدة واستقرارها النسبي، جذبت مستثمرين من مختلف أنحاء العالم. وساهمت في تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على القروض البنكية التقليدية. 

لعبت بورصة بيروت دوراً رئيساً في الاقتصاد إذ نشّطت الاقتصاد المحلّي عبر تمويل الشركات اللبنانية، مساهمةً في تنمية القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات.

الوضع الحالي  

 تواجه بورصة بيروت حاليًا تحديات كبيرة، تتجلّى في تراجع أحجام التداول وانخفاض قيمة الأسهم. ومن أهمّ المظاهر الحالية للأزمة: 
- انخفاض السيولة: شهدت السوق انخفاضًا حادًا في السيولة، فأدّى ذلك إلى ضعف حركة التداول وصعوبة بيع الأسهم وشرائها. 
- تراجع الثقة: فقد المستثمرون الثقة في البورصة نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية المستمرّة، فأدّى ذلك إلى خروج العديد من المستثمرين الأجانب والمحليين. 
- تقييد رأس المال: القيود الصارمة على رأس المال والتحويلات المالية تجعل من الصعب على المستثمرين تحويل الأموال إلى الخارج، وهذا ما يزيد من عزوفهم عن الاستثمار في البورصة. 

أسباب الضعف 

قال جبارة إنّ "أبرز أسباب ضعف بورصة بيروت قبل الانهيار الاقتصادي في تشرين الأول 2019 كان طبيعة النظام الاقتصادي المعتمد بشكل مفرط على جذب الودائع المصرفية بأسعار فائدة عالية، والتي استُثمرت في شراء سندات خزينة أو شهادات إيداع. أضعف هذا النموذج قدرة القطاع الخاص على جذب الاستثمارات اللازمة لتطوير أعماله، خاصة أنّ الحكومة ومصرف لبنان كانا يتنافسان مع القطاع الخاص على جذب الاستثمارات، في ما يُعرف بظاهرة (Crowding Out Effect). لذلك حجم التداول كان محدوداً".

وأضاف "لم يكن تطوير بورصة بيروت أولويةً في مرحلة ما قبل الأزمة، مثلما لم يكن تعزيز حوكمة الشركات والتنافسية أولوية. كذلك لم يتمّ تطوير القوانين المالية التي ترعى تطوير أسواق المال والبورصة وحوكمة الشركات وتعزيز التنافسية. واستحوذت المصارف الخاصّة على نحو 50 في المئة من حجم التداول في بورصة بيروت، بينما استحوذت شركة سوليدير على الحجم المتبقّي". 

وتابع جبارة "أدّت الأزمة المصرفية إلى انهيار قيمة أسهم المصارف الخاصة، فأثّر ذلك بشكل كبير على بورصة بيروت، بالإضافة إلى الفرق في التسعير بين الدولار النقدي والدولار المصرفي. حاول العديد من المودعين سحب ودائعهم من المصارف من خلال الاكتتاب في أسهم سوليدير، ولكن حجم التداول انخفض بشكل كبير بسبب فرق التسعير. أثّرت الأزمة الاقتصادية أيضًا على موظفي بورصة بيروت، فاستقال العديد منهم من العمل". 

الحلول الممكنة 

إزاء هذا الواقع القاتم الذي تعيشه بورصة بيروت، تظهر جملة من الحلول التي يمكن اعتمادها، منها: 
1- تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية: تطبيق إصلاحات جذرية لتحسين الاقتصاد واستعادة الثقة في النظام المالي. 
2- تعزيز الشفافية: زيادة الشفافية في العمليات المالية والإدارية للبورصة لجذب المستثمرين. 
3- تحسين البيئة الاستثمارية: إنشاء بيئة استثمارية جاذبة من خلال تخفيف القيود على رأس المال وتحسين القوانين المالية. 
4- دعم القطاع المصرفي: إعادة هيكلة القطاع المصرفي وضمان استقراره لتأمين التدفّقات المالية اللازمة. 

وبرأي جبارة "يمكن اعتبار عدم الاستقرار السياسي وانهيار الاقتصاد المصرفي وسيطرة اقتصاد الكاش أهمّ التحديات التي يواجهها هدف إعادة النهوض ببورصة بيروت. فلا يمكن تقوية البورصة من دون استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني من خلال إصلاحات هيكلية وقانون جديد للمصارف والسيطرة على الاقتصاد النقدي ومحاربة غسيل الأموال. كذلك هناك حاجة إلى توحيد التسعير (بين الدولار المصرفي والدولار النقدي) وتحديث الأنظمة والقوانين لتعزيز حماية المستثمرين وتسهيل إدراج الشركات وحوكمتها". 

إنّ بورصة بيروت تمرّ بواحدة من أصعب الفترات في تاريخها، إذ تواجه مشكلات متعدّدة تتطلّب حلولاً جذرية وتعاوناً بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. ورغم التحديات الكبيرة، لم يضؤل الأمل في استعادة دورها كمنصّة رئيسة لدعم الاقتصاد اللبناني وجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة.