وبين هبَّة تفاؤل وهبَّة تشاؤم؛ بين عقدة داخليَّة وأخرى خارجيَّة؛ بين حركة لهذا وحراك لذاك؛ بين مصدر من هنا، مطَّلع كالعادة، وآخر من هناك، عليم، وربُّك عليم، وثالث من هنالك، موثوقة به كلُّ تقارير السَّفارات والاستخبارات والمجالس بالأمانات؛ بين كتل نيابية، غالبيتها لا تدري ما تريد... يطول أمد الفراغ الرئاسي الحاكم بأمره.  

كأنَّنا، والله، في حفلة طرب لسيِّدته الرَّاحلة أمِّ كلثوم. مقدِّمة موسيقيَّة طويلة، ثمَّ بضع آهات وليال وعيون (جمع يا ليل يا عين)، ثمَّ مثلًا: يا حبيبي، وما زالت الوصلة في بدايتها، بعد سنة وسبعة أشهر على الفراغ.

لماذا لا يلجأ فخامة الرَّئيس الفراغ إلى تأليف حكومة من الآلات الموسيقيَّة، ولكلٍّ منها حقيبة، بما يناسب واقع الحال، بدلًا من تلك القائمة؟

وبما أنَّ الطَّربَ دائر، وكمالُ الأوصافِ من صُلبِه، وبما أنَّ كلًّا من الأفرقاء يرى في نفسه ربَّ البيت، وربُّ البيت بالدَّفِّ مولعٌ، سألت مصادر ثقة مطَّلعة وعليمة وفهيمة وعارفة ومراقبة ومتابعة – وما حدا أحسن من حدا في عالم المصادر هذا وعلمها العصيِّ على أيِّ فهم -، ولكي يكتمل النَّقل بالزَّعرور، ويتكامل التَّخت الشَّرقيُّ مع الأوركسترا الغربيَّة: لماذا لا يلجأ فخامة الرَّئيس الفراغ إلى تأليف حكومة من الآلات الموسيقيَّة، ولكلٍّ منها حقيبة، بما يناسب واقع الحال، بدلًا من تلك القائمة؟   

ولنساعده في مهمَّته السَّامية، نقترح عليه المرسوم الآتي:

بناء على المزاج الطَّربيِّ السَّائد ليس إلَّا:  

* المادَّة الأولى - تؤلَّف الحكومة من السَّادة:  

- الكمان: رئيسًا للحكومة. فهو الآلة الرَّئيسة في أيِّ فرقة. وكم يستأهل المنصب، خصوصًا إذا استلهمنا وضع الَّذي ما زال مالكًا "سعيدًا" في السَّرايا حتَّى الآن، وإن على سفر دائم، وكذلك وضع الواقف على عتبتها، ليعيدها كمان وكمان.

- التشيللو: نائبًا لرئيس الحكومة. فهو من فصيلة الكمان، ودوره مُكْمِل، إن لم يكن مجرَّدَ ضيفِ شرف.

- العود: وزيرًا للدَّاخليَّة. فهو سيِّد الطَّرب، و"السَّاحة له"، ومنه العود والقضيب والهراوة وخرطوم الماء وعَقِبُ البندقيَّة.

- النَّاي: وزيرًا للمال. فهو كما خزينتُنا، لا يستقرُّ فيه الماء إذا مرَّ به، أمَّا هي فلا يستقرُّ فيها المال. وعلى معاليه أن يعيِّن مستشارين له: المجوز والقرنيطة والعنيِّق والرِّكوردر والفلوت...

- الطَّبل: وزيرًا للخارجيَّة. فهو قوَّة صوت على الفاضي، وصدًى لأصوات أخرى.

- الرِّقُّ: وزيرًا للعمل. فاسمه منه وفيه، خير شاهد على وضع العامل اللُّبنانيِّ.

- البوق: وزيرًا للإعلام. مثلما هي وزارات إعلام الأمَّة العربيَّة، أبواق للأنظمة ليس إلَّا.

- الكونترباس: وزيرًا للاقتصاد... حتَّى إذا سُدَّت السُّبلُ في وجهنا، وَجِعْنا، يكفينا خشبُه لإشباعنا. ما كلُّنا ثلاثة ملايين.

- القانون: وزيرًا للإصلاح. فهو الأساس. اسمٌ على مسمَّى على الورق، ولا يبقى سوى التَّطبيق.

- الرَّبابة: وزيرةً للعدل. أهل العدل يشكون من استهدافهم بالحملات. والمستهدفون يشكون ظلم السُّلطة ووضع القضاء. شكوى بشكوى، والمناحة قائمة، ومَنْ غيرُ الرَّبابة لمصاحبةِ موقفٍ كهذا؟ أكثِروا من استعمال محارم الورق.

- البيانو: وزيرًا لحقوق الإنسان. فهو غيرُ عنصريٍّ، لا يفرِّق بين أسود وأبيض، وابن طبقة عالية أو طبقة دنيا. الجميع عنده سواسية.

- الأكُّورديون: وزيرًا للرِّياضة والشَّباب. فهو في تحرُّكه جيئةً وذَهابًا، أكثر مَن يمارس الرِّياضة، والأخبر في شؤونها وشجونها. والرِّياضة للشباب. جِدْ لي شابًّا بعد، خارج محيط السَّفارات، وخذ ما يدهش العالم.

- الكيبورد: وزيرًا للتكنولوجيا والعلوم. فهو فرقة موسيقيَّة قائمة في ذاتها.

- الدّرامز: وزيرًا للدِّفاع. قليلة كم هو ذو هيبة حين يملأ المسرح؟ تكفي نظرة إليه ليرتدع ألف عدوٍّ وعدوٍّ.

- الغيتار الكهربائيُّ: وزيرًا للطَّاقة. فهو على الأقلِّ وإذا انقطع التَّيَّار، يظلُّ يصدر صوتًا. احتياطُه منه وفيه، وبلا جَميل الفيول والغاز ومؤسَّسة الكهرباء.

- الدِّربكَّة: وزيرة للسِّياحة. بما أنَّ السِّياحة عندنا أن تُبْهِرَنا دشداشةٌ في الدَّاون تاون، أو نَفَسُ نارجيلة في بحمدون، وكبَّة نيئة وتبُّولة في أيِّ مطعم، فإن الدِّربكَّة هي أفضل مَن يواكب هذه الحركة السِّياحيَّة النَّشطة.

- الكاتم: وزيرًا للأمن. فهو يفعل فعلته على السكَّيت، ولا من شاف ولا من دري.

- البزق: وزيرًا للمغتربين والمهجَّرين. فهو آلة المشرَّدين في الأرض. ومَن مثلُ مغتربينا ومهجَّرينا تليق بهم صفة المشرَّدين؟

- السِّيتار الهنديُّ: وزيرًا للأشغال العامَّة. فهو ورشة قائمة بخشبه وأوتاره، مثل حال الأشغال العامَّة في لبنان، حيث يتطلَّب إنجاز جسر بسيط تدخُّل أعلى المراجع، أكثر من مرَّة!

- آلات النَّفخ النُّحاسيَّة: وزيرة للصِّحَّة العامَّة. فهي تتطلَّب مجهودًا مضاعفًا للنَّفخ فيها، وتوحي أنَّ من يعزف عليها، وقد تضخَّمت وجنتاه، أنَّ صحة البلد بألف خير. وهي قادرة إذا فُكِّكَتْ على صنع آلاف الأسرَّة وبناء مئات المستشفيات لتطبيب الشَّعب اللُّبنانيِّ مجَّانًا.

- الآلات الفولكلوريَّة: وزيرة للثَّقافة. الفولكلور والتُّراث جزء من ثقافة أيِّ شعب. فتكون الفرصة سانحة للتَّعرُّف إلى مختلف الثَّقافات وتفاعلها على أرضنا، ردًّا على صراع الحضارات.

- "أورغ" جان ميشال جار العملاق: وزيرًا للصِّناعة. فهو مصنع ضخم يفوق إنتاجه الموسيقيُّ ومردوده الماليُّ على صاحبه، كلَّ ما تنتجه مصانعنا اللُّبنانيَّة الَّتي تفلس، واأسفاه، تباعًا.

- آلات البركيشن الأفريقيَّة والأميركيَّة اللَّاتينيَّة: وزيرة للزِّراعة. لأنَّ في ديكورها على المسرح من الأشجار والنَّباتات والأعشاب، ما يملأ سهل البقاع ويزيد.

- الدّيابازون: وزيرًا للتَّربية. فعليه تدوزَن الآلات الموسيقيَّة جميعًا. لا يخطئ، فيُكتب التَّاريخ وتُعدُّ المناهج وسبل التَّعليم ووسائله، في مختلف المراحل، وفقًا للأصول.

- الباغلاماس والدُّودوك: وزيرين للأقلِّيَّات. فقلَّة، عندنا، تعرف ما هما هاتان الآلتان... ومن لا يعرف الباغلاماس، ليقصد تركيَّا، "ماشٍ" سوقها هذه الأيَّام. أمَّا الدُّودوك فما زال يذرف الحزن على الإبادة الأرمنيَّة الَّتي ارتكبها أجداد الأتراك، ما غيرهم، أي بنو عثمان، قبل أقلَّ من قرن.

- الكزيلوفون والكلافسان والتِّيمباني والهارب: وزراء دولة. فهذه الآلات الأربع ضيفة شرف على فرقنا الموسيقيَّة، كما هي حال وزراء الدَّولة عندنا. تنفيعة من أجل اصطلاح التَّوازن الطَّائفيِّ.

* المادة الثَّانية:

مرسوم يبلَّغ ولا ينفَّذ، ولو دعت الحاجة. صدر في بيروت عن مزاجنا الشَّخصيِّ، مذيًّلًا بتوقيع: "عاش الطَّرب وأهلُ الطَّرب". مع تحذير بأنَّ حقوق المؤلِّف محفوظة جميعًا... وعن بَكْرَةِ أبيها.