تعدّ العلاقة بين المنظومتين الأمنية والسياسية من القضايا الحيوية والأساسية في بناء الدولة الحديثة. فالمنظومة الأمنية تمثّل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها استقرار الدولة، في حين تمثّل المنظومة السياسية الآلية التي من خلالها يتم اتخاذ القرارات وتوفير المظلّة لقيام المنظومة الأمنية بعملها المتصل بتنفيذ القانون وترسيخ قواعده. هاتان المنظومتان متداخلتان ومترابطتان بشكل كبير، إذ تعتمد كلّ منهما على الأخرى لتحقيق أهدافها.
مفهوم الأمن وأهميته
الأمن في سياقه الواسع يشمل جوانب متعدّدة، منها الأمن الداخلي ومتشعّباته، والأمن الخارجي ومندرجاته. فإذا كان الأمن الداخلي يتعلّق بحماية الدولة من التهديدات الداخلية التي تتمثل بمخالفة القانون أو ارتكاب الجرائم الفردية والمنظمة والتمردات الداخلية، فإنّ الأمن الخارجي يرتبط بحماية الدولة من التهديدات الحدودية أو العدوان العسكري والتجسس الدولي.
يعدّ استتباب الأمن أحد الشروط الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ يوفّر البيئة المستقرّة التي تشجع على الاستثمار وتساهم في تحسين جودة الحياة.
دور السياسة في تحقيق الأمن
تلعب السياسة دوراً مركزياً في تحقيق الأمن من خلال مزيج متنوع من الإجراءات، كإعداد السياسات العامة لتحديد الأولويات الأمنية ولتوفير الموارد اللازمة من أجل تحقيقها، بالإضافة إلى سنّ التشريعات والقوانين الأساسية التي تُسهم في تنظيم عمل الأجهزة الأمنية لضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
إضافة إلى ذلك، تعتبر السياسة الخارجية جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الوطني. فالدبلوماسية والتحالفات الدولية يمكن أن تسهم بشكل كبير في تعزيز أمن الدولة، وذلك من خلال بناء علاقات دولية مستقرة والعمل على تقليل احتمالات النزاعات والخلافات.
تأثير الأمن على السياسة
يؤثر الأمن بشكل مباشر على السياسة وصنع القرار. في ظلّ تهديدات أمنية محدقة، قد تتجه الحكومات إلى تبّني سياسات استثنائية يمكن أن تتضمّن تقييد بعض الحريات المدنية وتعزيز سلطات الأجهزة الأمنية. هذا التوجه يمكن أن يثير جدلاً حول التوازن بين الحرّية والأمن، إذ يتطلّب الأمر مقاربة دقيقة لضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان بحجّة الأمن.
في السياق الدولي، يؤثر الأمن على تشكيل السياسات الخارجية والعلاقات الدولية، فالدول غالباً ما تبني تحالفاتها وسياستها الخارجية بناءً على مصالحها الأمنية. أمّا التحديات الأمنية، مثل الإرهاب الدولي وانتشار الأسلحة النووية، فهي تدفع بالدول إلى التعاون في إطار المنظمات الدولية والإقليمية لتعزيز الأمن الجَماعي.
الأمن السياسي
من جانب آخر، يمثّل الأمن السياسي جزءاً مهماً من مفهوم الأمن الشامل. يتعلق الأمن السياسي بحماية النظام السياسي من التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تسعى إلى تغيير النظام القائم أو زعزعته. يشمل ذلك حماية المؤسسات الخاصة والعامة وضمان حقوق المشاركة السياسية ومنع التمييز والقمع السياسي.
الأمن الاستباقي
من المعروف أن الأجهزة الأمنية تلاحق المشتبه بهم بعد وقوع الجريمة أو ارتكاب مخالفة ما ، وذلك استناداً إلى القوانين المرعية الاجراء. ولكن الأمن الاستباقي هو ما تسعى الأجهزة الأمنية إلى تعزيزه على نحو يحول دون وقوع الجرائم ويتيح القبض على مرتكبيها بالسرعة القصوى في حال حصولها. وما الأمن الاستباقي سوى تلك العلاقة السوية بين مختلف الأجهزة والمؤسسات والمواطنين بحيث يسهم الجميع بتحصين الجبهة الداخلية من أيّ اختراق خارجي أو جنوح داخلي.
إنّ بناء دولة مستقرة وقوية يتطلّب تكاملاً فعّالاً بين الأمن والسياسة، إذ يجب أن تكون السياسة موجّهة إلى تحقيق أمن شامل يحترم حقوق الإنسان لتعزيز التنمية المستدامة...
تحدّيات العلاقة بين الأمن والسياسة
تواجه العلاقة بين الأمن والسياسة عدة تحديات، من أبرزها:
1- التوازن بين الحرّية والأمن: كيفية تحقيق الأمن دون المساس بالحريات المدنية والحقوق الأساسية.
2- الفساد: قد يؤدي الفساد داخل الأجهزة الأمنية والسياسية إلى تقويض الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار.
3- التنسيق بين الجهات المختلفة: ضرورة وجود تنسيق فعّال بين الأجهزة الأمنية المختلفة بشكل تعاوني تكاملي وبينها وبين المنظومة السياسية لتحقيق الأهداف المشتركة.
4- التغييرات الدولية: تتأثّر سياسات الأمن الوطني بالتغيّرات في النظام الدولي وبروز تهديدات جديدة مثل الجرائم السيبرانية.
في الختام، إنّ بناء دولة مستقرة وقوية يتطلّب تكاملاً فعّالاً بين الأمن والسياسة، إذ يجب أن تكون السياسة موجّهة إلى تحقيق أمن شامل يحترم حقوق الإنسان لتعزيز التنمية المستدامة. ومن جهة أخرى، يتطلّب تحقيق الأمن دعماً سياسياً قوياً وإرادة حقيقية لتطبيق القوانين والأنظمة بشكل عادل وشفاف. ولا يمكن الحديث عن السياسة والأمن من دون الإشارة إلى الدور الحاسم الذي يلعبه في هذا المجال تقبّل الشعب للسلطتين السياسية والأمنية، وإيمانه بأنّ هاتين السلطتين تقومان بدورهما لما فيه مصلحته والمصلحة العليا للبلاد، وليس لمكاسب ومنافع شخصية أو حزبية أو ما شابه. وهكذا يمكن تفهّم تقبّل بعض الشعوب إجراءات أمنية مشدّدة تؤمن أنّها لمصلحتها، ورفض بعض الشعوب إجراءات أمنية عادية، أحياناً، إذ تشتمّ منها منفعة أو مصلحة خاصّة.
من خلال هذا التكامل وحده يمكن الدولة أن تواجه التحدّيات المعاصرة وتتخطاها وتبنّي مستقبلاً مستداماً وآمناً لمواطنيها.