شنّت القوات المسلحة الأوكرانية هجوماً على مدينة سيفاستوبول في جمهورية القرم بخمسة صواريخ اتاكمز أميركية الصنع. وقد تمكّنت الدفاعات الجوية الروسية من إسقاط أربعة منها، فيما سقط الخامس في منطقة مكتظّة، فأدّى ذلك إلى سقوط نحو أربعة مدنيين روس وجرح أكثر من 155 آخرين.

اعتبر بعض المراقبين أنّ هذا الهجوم، والهجمات الأوكرانية الأخرى التي استهدفت منطقة بلغورود، ردّ على النكسات التي تتعرّض لها القوات الأوكرانية في الجبهة، خصوصاً في منطقة خاركوف. فقد أفاد الضابط والمحلّل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لاري جونسون بأنّ القوات المسلحة الأوكرانية تتكبد خسائر كارثية، مؤكّداً أنّ أوكرانيا لن تصمد طويلاً بسبب هذا الحجم من الخسائر، خصوصًا أنّها لا تملك عدداً كبيراً من الجنود المدرّبين على القتال، عدا أنّ الإمدادات الغربية التي تصل إليها محدودة مقارنةً بحاجات قواتها لمواجهة القوات الروسية الأكثر عدداً والأقوى تسلّحا وتدريباً. وكان وزير الدفاع الروسي أندريه بلاوسوف قد ذكر في نهاية الشهر الماضي أنّ أوكرانيا فقدت أكثر من 35 ألف عسكري، وأضاف أن خسائر القوات الأوكرانية خلال شهر أيار بلغت قرابة 35 ألف عسكري ونحو 2700 آلية، بما في ذلك 4 دبابات "أبرامز" و7 "ليوبارد".

الطّرف الروسي ربط بين الهجمات التي استهدفت منطقة بلغورود، وآخرها هجمة سيفاستوبول وإعلان الدول الغربية عن سماحها لأوكرانيا باستخدام السلاح الغربي لاستهداف الأراضي الروسية. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ القوات الأوكرانية تمكّنت من إطلاق الصواريخ المتطوّرة بمساعدة خبراء أميركيين، وبالاستناد إلى بيانات استخبارية تمّ الحصول عليها من الأقمار الصناعية الأميركية. وقد حمّلت وزارة الدفاع الروسية واشنطن مسؤولية الهجوم في سيفاستوبول وذلك لتزويدها أوكرانيا هذا السلاح، ولما سبق أن أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن عن أن الولايات المتحدة قد تسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية لاستهداف الأراضي الروسية بعمق 200 ميل، علماً بأنّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو ينس ستولتنبرغ كان قد أعلن أيضاً أن الحلف يسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية لاستهداف الأراضي الروسية.

وبحسب الخبراء، فإنّ ما يعزز فرضية أنّ الهجمات الأوكرانية تأتي في سياق تصعيد غربي، هو القلق الأميركي من إعلان روسيا أنّها تزمع تغيير عقيدتها العسكرية، خصوصاً في ما يخص استخدام الأسلحة النووية. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي، خلال زيارته كوريا الشمالية وفيتنام، أنّ روسيا قد تُدخل تغييرات إلى عقيدتها النووية وسط مناقشات بشأن إمكان خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، علماً بأنّ العقيدة العسكرية الروسية الحالية تقوم على استخدام السلاح النووي في حال تعرّض روسيا لخطر وجودي. ووفقاً لبوتين، فإنّ القوات الروسية تطوّر أجهزة نووية متفجّرة ذات طاقة منخفضة للغاية لاستخدامها في الحروب المختلفة، معلناً أنّ "هناك أفكاراً بشأن إمكان استخدام مثل هذه الأسلحة، وليس هنالك شيء فظيع في هذا الأمر".

في سياق متصل، أكّد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أنّ روسيا لم تغيّر عقيدتها النووية، لكنّه حذّر "من أنّ سياسات التصعيد الغربية قد تجعل موسكو مضطرة إلى تحسين إجراءات ردعها النووي". كذلك أكّد رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي "الدوما" أندريه كارتابولوف أنّ تغيير العقيدة النووية الروسية قد يحدث "إذا زادت التحديات والتهديدات تجاه روسيا، وقد يتغير وقت اتخاذ قرار بشأن استخدام الأسلحة النووية." ولفت إلى أنّ كلّ شيء يعتمد على الوضعيْن العسكري والسياسي.

كذلك، فإنّ الولايات المتحدة قلقة من الدينامية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي قادت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى زيارة كوريا الشمالية وفيتنام لتجديد العلاقة الإستراتيجية مع هذين البلدين اللذين كانا يرتبطان بعلاقات وثيقة جداً مع موسكو زمن الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة. فقد أراد بوتين من هذه الجولة الشرق آسيوية أن يوجّه تحذيراً إلى كوريا الجنوبية التي نقلت معدات عسكرية إلى أوكرانيا، كما أراد توجيه رسالة تحذير إلى اليابان التي باتت تتجه أكثر فأكثر نحو العسكرة لتأدية الدور المطلوب منها أميركياً في شرق أسيا لمواجهة الصين وروسيا. كما هدف من وراء زيارته فيتنام إلى تأكيد الحضور الروسي في جنوب شرقي آسيا بالقرب من مضيق ملقا الإستراتيجي الذي يشكّل همزة وصل بين المحيط الهادىء عبر بحر الصين الجنوبي من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى، واحتواء فيتنام ومنعها من الاندفاع نحو الغرب على أثر خصومتها مع الصين.

أراد بوتين من هذه الجولة الشرق آسيوية أن يوجّه تحذيراً إلى كوريا الجنوبية...

رداً على ذلك، توجهت حاملة الطائرات الأميركية العاملة على الطاقة النووية "يو إس إس ثيودور روزفلت" إلى ميناء في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية ترافقها المدمّرتان الأميركيتان "هالسي" و"دانيال إينوي" لإجراء تدريبات مع اليابان وكوريا الجنوبية خلال الأسبوع الجاري. وأوضح مراقبون أن هذا "يمثّل أول وصول لحاملة طائرات أميركية إلى كوريا الجنوبية، منذ سبعة أشهر، كما أنّها تمثّل أول زيارة لميناء بوسان من قبل السفينة الحربية "يو إس إس ثيودور روزفلت". وأفاد المراقبون بأنّ إرسال الأسطول الأميركي جاء على خلفية المخاوف الغربية من تعزيز التعاون بين بيونغ يانغ وموسكو، بعد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين كوريا الشمالية، وبعدما وقّع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس بوتين اتفاقية دفاع مشترك في حال وقوع حرب.

وقد أصدرت البحرية الأميركية بياناً أشارت فيه إلى أنّ إرسال الأسطول يأتي لتأكيد الالتزام الصارم للولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان، وردع تهديدات كوريا الشمالية التي تمتلك قدرات عسكرية متطوّرة جداً، بما فيها القوة النووية.

والجدير ذكره أنّ جولة الرئيس بوتين الشرق آسيوية تزامنت مع إرسال أسطول روسي إلى كوبا للمشاركة في تدريبات مع البحرية الكوبية في البحر الكاريبي، الذي تعتبره الولايات المتحدة منطقة حساسة لأمنها القومي، كما أنّه أتى بالتزامن مع استعار التنافس بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وفرنسا من جهة أخرى على النفوذ في غرب إفريقيا.