تتسارع وتيرة الحوادث والمواقف والتسريبات التي تعبّئ المناخ العسكري والسياسي والإعلامي أكثر فأكثر، وتنذر بتوسعة الحرب القائمة بين "حزب الله" وإسرائيل، فتصبح بإيقاع أسرع وحجم أكبر وبامتداد أشمل. فما كادت تمضي 24 ساعة على ما نقلته الـCNN عن أنّ "الولايات المتحدة تؤكّد لإسرائيل أنّها مستعدة لتقديم الدعم الكامل في حال اندلاع حرب شاملة مع "حزب الله" خلال اللقاءات الأخيرة التي عقدها الوفد الإسرائيلي في واشنطن، حتى استفاق اللبنانيون على خبر نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية، ومفاده أنّ "حزب الله" يدخل كمّيات هائلة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات الإيرانية عبر المطار الرئيس في بيروت ويخزّنها فيه. الصحيفة التي نسبت إلى عامليْن في المطار هذه المعلومات، نقلت عن مصدر أمني في الاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA "كنّا على علم بهذا منذ أعوام، لكنّنا غير قادرين على فعل أيّ شيء من دون اتخاذ إجراءات قانونية دولية، فأيدينا مقيّدة في ما يتعلق بما نودّ أن نفعله حقاً، وهو إغلاق المطار وإزالة جميع الأسلحة والمتفجرات". قبل أن تنفي "إياتا" وجود مصادر لديها ويُسحب هذا الجزء من المقال.
بالطبع، ليس توقيت نشر هذا الخبر بريئاً بل هو مرتبط بالحرب القائمة التي لا تقتصر على الميدان العسكري بل تشمل الحرب النفسية والدعاية الإعلامية. فبينما أدرجه بعضهم في سياق الردّ على عملية "الهدهد" أو تهديد الجزيرة القبرصية، اعتبر كثيرون أنّه قد يكون ذريعة تبرّر لإسرائيل ضرب لبنان. كأنّ إسرائيل بحاجة إلى ذرائع لتنفيذ أيّ ضربة إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، أو تأبه للرأي العام الدولي للبحث عن أعذار تخفيفية لإجرامها و"تراجيديا غزة" وردّ فعل المجتمع الدولي المخزي جاثمان أمامنا".
كأنّ إسرائيل بحاجة إلى ذرائع لتنفيذ أيّ ضربة إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، أو تأبه للرأي العام الدولي للبحث عن أعذار تخفيفية لإجرامه
عدوانية إسرائيل مسلّم بها "بلا جميلة المطار" ورواية صحيفة "تلغراف" البريطانية. كما من البديهي أن يكون المطار ضمن بنك أهدافها، فهي اعتادت استهدافه في التاريخين البعيد والقريب أكان 28/12/1968 حين دمّرت وحدة كوماندوس بقيادة رفائيل إيتان 12 أو 13 طائرة ركاب وطائرة شحن واحدة جميعها تتبع إلى شركة طيران الشرق الأوسط MEA وذلك في 28 كانون أول 1968، رداً على هجوم العال-رحلة 253 الإسرائيلية والتي نفّذتها قبل ذاك التاريخ يومين "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي كانت تنشط من لبنان. وأيضاً خلال "حرب تموز" عام 2006 حين قصفت المدرج الشرقي وخزانات الوقود في المطار.
كما أنّ مسارعة وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية إلى نفي ما ورد في الصحيفة البريطانية، والإعلان أنّ الدولة اللبنانية في طور إعداد دعوى قضائية ضدّها ودعوته كلّ وسائل الإعلام والسفراء إلى جولة ميدانية في كلّ مرافق مطار بيروت أمر منطقي.
كذلك، فإنّ حديث "تلغراف" عن أنّ مسؤول الأمن والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا يتفقّد عمليات إدخال الأسلحة وتخزينها في المطار لا يعزّز روايتها لأن لا حاجة إلى حضوره شخصياً، فملائكة "الحزب" حاضرة بقوة. عدا أن تخزين الذخائر خصوصاً الكبيرة منها مستبعد في المطار إذ ليس هنالك عنابر ومخازن كافية.
لكنّ "سياسة النعامة" لا تجدي نفعاً، وثمّة حقائق لا مفرّ منها تجعل من مطار بيروت وكلّ لبنان هدفاً للعدو:
1-إن كان "حزب الله" يصنع بعض الأسلحة أو يجمعها محلّياً، فإنّ معظم أسلحته وذخائره مستوردة عبر الحدود مع سوريا أو عبر المعابر الشرعية من برية وبحرية وجوية.
2- المطار نقطة حيوية لـ"الحزب" يمسك بمفاصله بشكل أو بآخر، فقرار الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة في 6 أيار 2008 نقل العميد وفيق شقير من موقعه كقائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي وموضوع الكاميرات لمراقبة المدرج، والتي قيل إنّ حزب الله هو الذي نصبها، كانا، إضافة إلى شبكة اتصالاته السلكية، في عداد الأسباب التي استدعت أن يتورّط "الحزب" في استخدام سلاحه في الداخل وينفّذ "7 أيار".
3- إذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أعلن عقب فتح "حزب الله" جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول 2023 أنّ الدولة اللبنانية لا تملك قرار الحرب والسلم، فكيف لها أن تمتلك السيطرة على استيراد أسلحة هذه الحرب؟
4-في معظم المعابر الشرعية اللبنانية الـ"سكنر" معطّل إن وجد.
من هنا، نجد كلّ يوم أخباراً على شاكلة خبر "التلغراف"، لكن كيف لنا أن نقطع الشك باليقين ما دام في لبنان فصيل يحارب، وهو حتماً بحاجة إلى السلاح؟ وفي الأساس، هل المشكلة تكمن في احتمال تخزين أسلحة في حرم المطار أم مجرّد وجود مخازن أسلحة على أرض لبنان وشحنات تعبر طرقه وتشكّل هدفاً دائماً لضربات العدو الإسرائيلي؟