حركة بوارج حربية تشهدها كوبا، أكبر جزيرة في البحر الكاريبي، هي الأكثر كثافة منذ الحرب الباردة. ففي الوقت الذي توجهت فيه قطعات حربية روسية إلى ميناء هافانا لإجراء مناورات مشتركة مع البحرية الكوبية في البحر الكاريبي، فإنّ كندا، حليفة الولايات المتحدة، أرسلت سفينة حربية صغيرة إلى ميناء هافانا. في موازاة ذلك أرسلت واشنطن غواصة حربية إلى قاعدة غوانتنامو.

فقد أعلنت القيادة الجنوبية الأميركية أنّ الغواصة الهجومية السريعة يو إس إس هيلينا، التي تعمل على الطاقة النووية، "وصلت إلى قاعدة غوانتنامو البحرية"، وهي قاعدة بحرية أميركية تقع على طرف الجزيرة على بعد حوالى 850 كيلومتراً جنوب شرقي هافانا، في استعراض للقوّة رداً على وصول القطعات البحرية الروسية، في وقت تقوم سفن أميركية أخرى بتتبع التدريبات الروسية، على الرغم من تأكيد وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون أنّها لا تشعر بالتهديد من وجود القطعات البحرية الروسية في الكاريبي.

وقد أعربت وزارة الخارجية الكوبية عن استيائها من وصول الغواصة الأميركية إلى المياه الإقليمية الكوبية. وهي أعلنت أنّها أُبلغت بوصول الغواصة الأميركية لكنها لم تكن سعيدة بذلك. وقال نائب وزير الخارجية كارلوس فرنانديز دي كوسيو إنّ "الزيارات البحرية لدولة ما كثيراً ما تكون نتيجة دعوة، وهو ما لا ينطبق على حالة الغواصة الأميركية،" وأضاف "من الواضح أنّنا لا نحب وجود غواصة على أراضينا تابعة لقوة تنتهج سياسة رسمية وعملية معادية لكوبا" في إشارة إلى الولايات المتحدة. بعد ساعات من ذلك، أبحرت سفينة حربية صغيرة تابعة للبحرية الكندية إلى هافانا. وأعلنت قيادة العمليات المشتركة الكندية أنّ السفينة دخلت ميناء هافانا في زيارة دورية للميناء "في سياق العلاقات الثنائية الودية والوطيدة بين كندا وكوبا". ووصف دبلوماسي كندي وصول السفينة مارغريت بروك بأنّه "روتيني وجزء من تعاون طويل الأمد بين بلدينا"، مضيفاً "لا علاقة له بوجود السفن الروسية".

وفي خطوة تحدٍّ مرّت وحدات الأسطول الروسي على بعد 30 ميلاً من السواحل الأميركية الجنوبية...

وشكّل التقاء السفن الروسية والكندية والأميركية في كوبا، التي تبعد 145 كيلومتراً جنوب فلوريدا، مشهداً يذكّر بالتوتر في البحر الكاريبي خلال الحرب الباردة. وعلى الرّغم من محاولات الولايات المتحدة التقليل من شأن انتشار الوحدات البحرية الروسية بالقرب من سواحلها الجنوبية، فإنّ المسألة تكمن في توقيت وصول الوحدات البحرية الروسية إلى هافانا. فالتدريبات المشتركة مع الأسطول الكوبي تأتي بعد أقلّ من أسبوعين من سماح الرئيس جو بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي قدّمتها الولايات المتحدة إليها من أجل ضرب العمق الروسي، ردّاً على التقدّم الذي تحقّقه القوات الروسية في محيط مدينة خاركوف، وهي ثانية أكبر المدن في أوكرانيا وغالبية سكّانها من الروس الذين يطالبون بالانضمام إلى روسيا. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن أنّ بلاده ستردّ "بخطوات في أماكن أخرى حول العالم"، وهذا الرد تلاه إرسال الأسطول إلى كوبا. وقد أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أنّ الفرقاطة "الأميرال جورشكوف" والغواصة "كازان" التي تعمل على الطاقة النووية، وناقلة الإمداد "أكاديميك باشين" وسفينة الإنقاذ البحرية "نيكولاي شيكر" وغواصتين أخريين تعملان على الطاقة النووية، أبحرت إلى ميناء هافانا بعد إجراء تدريب على "أسلحة صاروخية عالية الدقة" في المحيط الأطلسي.

وفي خطوة تحدٍّ مرّت وحدات الأسطول الروسي على بعد 30 ميلاً من السواحل الأميركية الجنوبية، وأفادت وسائل إعلام أميركية بأنّ سكّان مدينة فلوريدا الساحلية تابعوا عن كثب مرور مجموعة السفن التابعة للأسطول الشمالي الروسي خلال إبحارها إلى كوبا. وأضافت وسائل الإعلام أنّه كان بالإمكان رؤية السفن الروسية بالعين المجرّدة ومن دون الاستعانة بمناظير. وتشعر واشنطن بالقلق من تعزيز العلاقات الروسية الكوبية. فمن شأن ذلك أن يمنح موسكو قاعدة في منطقة الكاريبي التي تعتبرها الولايات المتحدة جزءاً من أمنها القومي، وهذا ما يجعل موسكو قادرة على الرد على التهديد الأميركي لها في أوكرانيا عبر توجيه تهديد لواشنطن عبر كوبا. ومن شأن ذلك أيضاً أن يكسر الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على الجزيرة منذ سبعة عقود والذي اشتد على هافانا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991.

ويتوقّع المسؤولون الأميركيون أن تبقى السفن الروسية في المنطقة خلال فصل الصيف، وربما تتوقف أيضًا في فنزويلا التي تجمعها بروسيا علاقات وطيدة، حيث تقوم سفنها الحربية وطائراتها بمناورات دورية في منطقة البحر الكاريبي. والجدير ذكره أنّ السفن الحربية الروسية عاودت زياراتها إلى هافانا في العام 2008 بعد انقطاع عقدين من الزمن. وكانت كوبا قد وثّقت علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي في الستينيات من القرن الماضي رداً على التهديدات الأميركية باجتياحها بعد انتصار الثورة التي قادها فيدل كاسترو في كانون الثاني 1959 وتأميمه الأراضي الزراعية، التي كانت تحتكرها شركة يونايتد فروت كومباني التي كان يملكها وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون فوستر دالاس مع أخيه آلان دالاس الذي كان يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي أي". وكاد التوتر حول الجزيرة يوصل العالم إلى حافة الحرب النووية بعدما نشر الاتحاد السوفياتي في العام 1962 صواريخ باليستية نووية في الجزيرة، رداً على نشر الولايات المتحدة صواريخ نووية في تركيا.