يتمّ تناقل أخبار في الأوساط الصحفية عن أنّ اللبنانيين المُصنّفين PEPs سيتلقّون مُعايدة آخر هذا العام من المصارف الأجنبية حيث يودعون أموالهم. هذه المُعايدة تحوي تمنّيات بعام سعيد يليها طلبٌ آخر سنكشف عنه وعن تداعياته الكبيرة في هذه العجالة.
عمد الكثير من اللبنانيين إلى فتح حسابات في الخارج من منطلق طبيعة تعاملاتهم التجارية أو غير التجارية. وعند استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الأول من العام 2017، خرج من لبنان نحو ستة مليارات دولار أميركي إلى حسابات مُنتشرة في أقاصي المسكونة مع تركيز على القارّة العجوز. واستمرّت هذه الموجة في العام 2018، خصوصًا بعد التعقيدات التي شملت تشكيل الحكومة عقب الانتخابات النيابية في العام 2018. وشهد العام 2019 ارتفاعًا في وتيرة التحاويل بعد تلقّي العديد من أصحاب النفوذ أو ما يُعرف بالـ Politically Exposed Persons تحذيرات من إمكان اندلاع أزمة مصرفية على خلفية مُخالفة قانون قيصر في ما يخصّ استيراد المحروقات. الجدير ذكره أنه في الأشهر الستة الأولى من العام 2019، تمّ استيراد محروقات بقيمة توازي قيمة ما استورده لبنان في العام 2018 كله، وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى مساءلة المصارف اللبنانية عن كيفية تمويل هذه العمليات.
الـ Peps أو الأشخاص المكشوفين سياسيًا هم الأفراد الذين يشغلون منصبًا عامًا بارزًا، من سياسيين، ومسؤولين حكوميين، وضبّاط عسكريين، وقضاة، وكبار المسؤولين، والمديرين التنفيذيين في الشركات المملوكة من الدولة
بالطبع، تمكّن عددٌ من أصحاب النفوذ من إرسال أموال إلى الخارج خلال الأزمة، وهو ما أثار موجة غضب عارمة لدى المودعين من استنسابية المصارف في تحويل الأموال، إلّا أنّ هذه الاستنسابية ليست ما يُقلق السلطات في الدول الغربية التي تهتم أكثر بمصدر الأموال التي حُوّلت من لبنان، وخصوصًا أنها تقبع في مصارف هذه الدول، وهذا ما يعني أنّ هذه المصارف تحوي أموالًا مشبوهة (إذا لم يكن هناك من تبرير لمصادرها) وهو ما لا يُمكن قبوله في النظام المالي العالمي لتداعياته على العمليات المالية التي يفوق عددها الأصفار التسعة خلال سنة.
وبحسب الأخبار المُتداولة، فإنّ التقارير الصحفية الكثيرة حول موضوع مصدر هذه الأموال، والتي ملأت وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية، بالإضافة إلى الإطار السياسي والعسكري الحالي القائم في لبنان، أسهمت بشكل كبير في دفع الدول الأجنبية إلى أخذ القرار بالقيام بإجراءات متشددة تمنع ضرب النظام المالي العالمي وزعزعة الثقة به من الباب اللبناني. ولعلّ الإجراء الأهمّ – بحسب هذه الأخبار – هو ما طلبته حكومات هذه الدول من المصارف عبر الجهات الرقابية، إذ من المتوقّع إرسال كتاب معايدة إلى كل مودع من الـ Peps (اللبنانيين) من مصرفه الأجنبي يُعايده فيه ويطلب منه "تبريرات تتصل بمصادر الأموال التي حُوّلت إلى الحساب". كذلك تقول الأخبار إنّ هناك إرادة غربية واضحة بتجميد الأموال إلى حين جلاء الصورة بشكلٍ واضح، بغضّ النّظر عن طبيعة الردّ الذي سيقوم به أصحاب الحسابات المصرفية.
وعن معنى "جلاء الصورة بشكلٍ واضح"، تقول الأخبار إنّ هذا الأمر يشمل معرفة أين صُرفت أموال المودعين، والتدقيق في الإنفاق العام في مرحلة ما بعد العام 2011 (بدء الحرب السورية)، وأيضًا الوضع السياسي الراهن، مُشيرة إلى أنّ مُصادرة الأموال في حال عدم قدرة أصحابها على تبرير المصادر، هو أمرٌ وارد نظرًا إلى الإمكانية التي تُتيحها القوانين المرعية الإجراء في هذه البلدان.
وعن هوية من ستشملهم الرسائل، تقول الأخبار إنّهم الأشخاص الذين تسلّموا مناصب في الدولة اللبنانية، ويمتلكون حسابات في المصارف الخارجية تم تحويل أموال إليها بعد العام 2011 من لبنان أو من حسابات أخرى في الخارج. إلّا أنّ هذه اللائحة قد تتسع لتشمل الشركات الخاصّة التي تتعامل مع الدولة بشكلٍ أو بآخر، وتلك التي تتلقى أو تلقّت أموالًا من الدولة اللبنانية ورجال الأعمال الذين تعاطوا مع الدولة اللبنانية، في حال بروز مؤشّرات تُنبئ بوجود عمليات مشبوهة. وفي ما يتعلق بحجم الأموال التي هي موضوع التبرير، لم تأتِ الأخبار المُتداولة على ذكر رقم دقيق. ولكن التقديرات المطروحة تشير إلى نحو عشرة مليارات دولار أميركي!
الجدير ذكره أنّ الـ Peps أو الأشخاص المكشوفين سياسيًا هم الأفراد الذين يشغلون منصبًا عامًا بارزًا، من سياسيين، ومسؤولين حكوميين، وضبّاط عسكريين، وقضاة، وكبار المسؤولين، والمديرين التنفيذيين في الشركات المملوكة من الدولة (State Owned Enterprises). ويُعتبر هؤلاء، نظرًا إلى مواقع السلطة والنفوذ التي يتمتّعون بها، وبسبب القرارات التي اتخذوها أو قد يتخذونها، وقدرة وصولهم إلى الموارد المالية العامّة، هدفًا للرشوة والفساد من قبل القطاع الخاص. من هذا المُنطلق، تُعتبر عملية تحديد هذه الفئة من الأشخاص أمرًا ضروريًا وإلزاميًا في المصارف من أجل الامتثال لقوانين مكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب العالمية.
إذًا، فإنّ لبنان – بحسب الأخبار المُتداولة في الأروقة الصحافية – على موعد مع حدثٍ مُهم في نهاية هذا العام. فإذا صدقت هذه الأخبار، فقد يُشكّل العام 2025 نقطة تحوّل في تاريخ لبنان الحديث، خصوصًا على الصعيد المالي والاقتصادي والتنموي والنقدي. إذ من المتوقع أن يتراجع سعر صرف الدولار إلى مستويات منخفضة مقابل الليرة اللبنانية.