بعد تأخير نحو ثمانية أشهر، أقرّ مجلس النواب الأميركي بأغلبية كبيرة (311-112) عزّزها الأعضاء الديمقراطيون، حزمة مساعدات مالية وعسكرية بمبلغ خمسة وتسعين مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان. ولن يتأخر مجلس الشيوخ في التصويت عليها. حصة أوكرانيا من هذه الحزمة واحد وستون ملياراً، ثمانية وأربعون ملياراً منها ستبقى داخل الولايات المتحدة إذ ستُدفَع للشركات المصنّعة ثمناً للأسلحة والذخائر التي تحتاجها اوكرانيا، سواء تلك التي دُمِّرت في الحرب أو تلك الجديدة المطلوبة، والتي قد يؤدّي تأخّر وصولها إلى تفكك الجبهات الأوكرانية أمام روسيا في الجنوب والشرق والشمال.
أول رد فعل روسي جاء من نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دْمتري ميدفيديف الذي قال إن إقرار الحزمة يعبّر عن "كره للروس" و"سيؤدي إلى مقتل مزيد من الأوكران." أضاف أنه بكل صراحة لا يمكنه "ألا يتمنى أن تغرق الولايات المتحدة في حرب أهلية في أسرع وقت ممكن." أما الناطق باسم الرئاسة الروسية دْميتري بيسكوف فقال إن الحزمة "ستجعل الولايات المتحدة أكثر ثراء وستمعن في دمار أوكرانيا ومقتل مزيد من الأوكران الذين يتحمّل مسؤولية مقتلهم نظام كييف."
في مقابلة مع محطة إخبارية فرنسية، قال قائد سابق للقوات الأميركية في أوروبا إن روسيا مستاءة وإنّ استياءها من تصويت مجلس النواب الأميركي على هذه الحزمة يعود إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يسيطر على الحزب الجمهوري، وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأنه لن يدع النوّاب الجمهوريين يصوّتون لإمرار الحزمة، لكنّه لم يفِ بهذا الوعد إذ نحا الجمهوريون في المجلس بقيادة رئيسه مايك جونسون منحى آخر وتضامن مئة وستة منهم مع الديمقراطيين للتصويت على الحزمة، فعبرت المجلس بأغلبية 311-112. وهذا عند الروس غير مطمْئن ويشير إلى "تراجع سطوة ترامب" على الجمهوريين.
لكن هناك رواية ثانية تقول إن جونسون توجه بداية الأسبوع الماضي إلى فلوريدا لمقابلة ترامب بعدما استشعر ترامب تغيّراً في مزاج الحزب الجمهوري من سياسة "الاستكانة تجاه روسيا" وحجب المساعدات عن أوكرانيا. ومع ذلك، وفقاً للرواية، صوتت أغلبية النواب الجمهوريين (112) ضد الحزمة.
المهمّ في نظر الأوكران أن تصل المساعدات سريعاً بعدما أجبرهم النقص الحاد في الذخيرة، خصوصا قذائف المدفعية والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، على عدم الرد على القصف الروسي إلا رمزيا بقذيفة أو قذيفتين. وستتضمن الحزمة أنظمة دفاع جوي لكن ليس معروفاً إن كانت ستتضمّن مثلا أنظمة صاروخية تطال العمق الروسي.
في مطلق الأحوال، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي، الذي عبّر عن ارتياحه لإمرار المساعدات، لم يخفِ رغبته في الحصول على أسلحة أكثر تطورا من تلك التي طلبتها بلاده، خصوصاً بعدما رأى الدفاعات الإسرائيلية والأطلسية تعمل ضد الصواريخ والمسيّرات الإيرانية.
بسبب نقص الأسلحة والذخيرة، اضطرت القوات الأوكرانية إلى التراجع في أكثر من جبهة لتجنّب محاصرتها ومن ثم استسلامها. أما الروس، الذين يعانون هم أيضاً من نقص في الذخيرة والمسيّرات، فقد حلّوا مشكلتهم موقتاً بالتوجه إلى إيران لاستيراد المسيّرات وإلى كوريا الشمالية لاستيراد قذائف المدفعية، فيما اكتفت الصين بالتأييد السياسي. في المقابل خصصت موسكو اربعين في المئة من موازنتها البالغة مئة واثني عشر مليار روبل للمجهود الحربي على حساب كثير من البرامج الاجتماعية. وقد لا تكون إيران مستعدة لبيع مزيد من المسيّرات لروسيا مع فتح حلقة جديدة من مسلسل مواجهتها مع إسرائيل.
المهمّ في نظر الأوكران أن تصل المساعدات سريعاً بعدما أجبرهم النقص الحاد في الذخيرة، خصوصا قذائف المدفعية والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، على عدم الرد على القصف الروسي
يقول خبراء عسكريون غربيون، بينهم فرنسيون، إن وصول المساعدات العسكرية الأميركية، المنتظر أن يبدأ الأسبوع المقبل ويستغرق عدة أشهر، من شأنه أن يفتح شهية أوكرانيا على شنّ حملة مضادة في الصيف لاستعادة أراضيَ تحتلها روسيا حاليا، لتحسين وضعها التفاوضي. ويقول مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي إن الوضع في أوكرانيا يتطلب أن تقدّم روسيا وأوكرانيا وسائر دول أوروبا المعنية رؤية واضحة لليوم التالي. فلا يمكن أن تستمرّ الحرب إلى ما لا نهاية رغم تعهّد الولايات المتحدة باستمرار الدعم.
حتى الآن لا يزال اليوم التالي غير وارد في حسابات الرئيس الروسي إذ أنه لا يزال يصرّ على تحقيق الأهداف التي جعلته يبدأ الحرب. واليوم التالي عنده هو تغيير الطاقم الحاكم في أوكرانيا لمصلحة نظام صديق لموسكو.
بالنسبة إلى أوكرانيا يتمثل اليوم التالي بنصر عسكري تستعيد فيه كييف الأراضي التي تحتلها موسكو منذ عشر سنوات.
والرؤيتان في نظر الأميركيين غير واقعيتين. فاليوم التالي يفرض "جلوس الطرفين إلى طاولة مفاوضات يعرف كل منهما فيها أنه لن يحصل على كل مطالبه،" ومع ذلك عليهما التعايش سلميا متجاورَين.
ولفت مسؤول أوكراني سابق إلى المفاوضات التي أجراها الطرفان في بداية الحرب، أولا في مينسك بمبادرة من رئيس بيلاروسيا ثم في أنقرة بوساطة من الرئيس التركي. وقد أفضت المفاوضات إلى ورقة عمل كتبها الأوكران ووافق على معظمها الروس، لكنها اصطدمت بحائط مسدود إذ اعتقد الأوكران أن فشل الهجوم الروسي في أيامه الأولى سيساعدهم في تحقيق مطالبهم مثلما اعتقد الروس أن الكفة ستكون راجحة لمصلحتهم على المدى الطويل. ولعلّ الصيغة التي يُعمَل عليها الآن صيغة تغطّي خسارة كلا الطرفين، خصوصاً بعدما أعلن زلنسكي مساء الاثنين أنه لا يمانع عقد مفاوضات أوكرانية روسية على أعلى مستوى.