بدأت يوم الاثنين الماضي إجراءات محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب في دعوى جزائية مرفوعة ضدّه تتضمّن أربعاً وثلاثين تهمة بتزوير والتلاعب بوثائق تعود لشركاته وأعماله للتغطية على مبلغ مئة وثلاثين ألف دولار دفعه نقداً إلى ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز بواسطة محاميه السابق مايكل كوهن في بداية حملته الانتخابية عام 2016 ثمناً لسكوتها عن علاقة جنسية أقامها معها. والآن تحوّل كوهن إلى شاهد رئيسي في هذه الدعوى ضد ترامب.
يرأس المحاكمة عضو المحكمة العليا لولاية نيويورك خوان مرشان الذي قال في بحر هذا الأسبوع إنّه مهتمّ بالإسراع في هذه المحاكمة بالنظر إلى أن ثلاث دعاوى جزائية أخرى مرفوعة على ترامب تتزاحم لتحديد موعد لبدئها قبل انتخابات تشرين الثاني المقبل فيما يحاول محامو ترامب تأخيرها إلى ما بعد الانتخابات، علّ وعسى!!
أشرف القاضي مرشان هذا الأسبوع على اختيار هيئة محلّفين من اثني عشر عضواً هم سبعة رجال وخمس نساء، إضافة إلى ستة أعضاء بديلين. يوم الاثنين الفائت، اعتذر أكثر من خمسين محلّفا محتملا عن القيام بهذا الواجب، بحجج كثيرة، أبرزها أن لهم موقفاً من ترامب وسياساته ولا يستطيعون أن يكونوا "متجردين ومنصفين" في هذه المحاكمة. يوم الثلاثاء وافق القاضي ومحامو الطرفين على سبعة محلّفين. إلا أنّ واحدة من المحلّفين الذين اختيروا الثلاثاء طلبت من القاضي يوم الخميس الانسحاب لأنّ الناس في محيطها استنتجوا مما نشر في وسائل الإعلام عنها وعن مهنتها أنّها ستكون في عداد هيئة المحلّفين، وهو ما جعلها تعيش في قلق من الضغط المحتمل عليها، فيما تفضّل أن تبقى هوّيّتها بعيدا عن وسائل الإعلام. ويوم الخميس أيضاً وافق القاضي مرشان على طلب محلّف آخر الانسحاب، لكنّ اليوم انتهى باختيار اثني عشر محلّفا أصيلين ومحلّف واحد بديل. وستبدأ المحاكمة بالمرافعتين الافتتاحيتين واستدعاء الشهود اليوم الاثنين.
ويُعتبر اختيار هيئة المحلّفين اختصاصاً بحدّ ذاته وقد يستغرق وقتا طويلاً بحسب المحاكمة والمتّهمين فيها والأسئلة التي يطرحها محامو كلّ طرف وطريقة طرحها ونبش تاريخ المحلّفين المحتملين. فالقانون يفرض أن تكون المحاكمة "منصفة وعادلة" على يد "هيئة محلّفين من أقران المتّهم" عليهم أن يقرّروا في نهاية المطاف مصيره إدانةً أو تبرئة. مثل هذا القرار يجب أن تأخذه الهيئة بالإجماع وإلا فليس أمام القاضي سوى إعلان بطلان المحاكمة. والصعوبة في قضية ترامب تكمن في إيجاد أشخاص لا يعرفون من هو، وإن كانوا يعلمون، لا موقف لهم منه بالسلب أو بالإيجاب أو يمكن أن يتخطّوا مواقفهم الشخصية منه وحصر رأيهم في معطيات الدعوى.
وستعرقل هذه المحاكمة حملة ترامب الانتخابية إذ أنّ القاضي فرض عليه أن يكون حاضراً كلّ أيام الجلسات. وعليه، سيغيب ترامب عن الظهور شخصياً في أنشطة حملته الانتخابية طوال المحاكمة إلا أيام الأربعاء حين تكون المحكمة منشغلة بترتيب القضايا الإدارية للدعوى.
ستعرقل هذه المحاكمة حملة ترامب الانتخابية إذ أنّ القاضي فرض عليه أن يكون حاضراً كلّ أيام الجلسات
ويواجه مرشان صعوبة أخرى بعدما أعلمه الادّعاء العام بأنّ ترامب انتهك سبع مرات جديدة أمراً بالتكتّم فرضته عليه المحكمة، إذ كان القاضي قد أمره بعدم التعرّض لأي من الشهود أو المحلّفين المحتملين أو موظّفي المحكمة مباشرة أو عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وتكمن الصعوبة في أن مرشان يمكن أن يغرّم ترامب على مخالفاته أو حتى يأمر بحجزه احتياطيا إذا استمرّ في تحدّي قرارات المحكمة. لكن في المقابل، وخصوصاً في القضايا الجزائية، يحفظ القانون للمتّهَم حق حضور الجلسات، علما بأنّ قاضيين آخرين في دعويين سابقتين رفعتا على ترامب طلبا من محاميه أن يضبط تصرفاته تجنّباً لتعليقات مهينة للمحكمة أو من شأنها التأثير في الشهود والمحلّفين.
وقد بدأ الأسبوع الماضي أيضا بجلسة للمحكمة العليا الفدرالية، ويشكل فيها القضاة الذين عيّنهم رؤساء جمهوريون أغلبيّة الثلثين (6-3)، استمعت إلى مرافعات في دعوى وصلت إليها يطالب فيها المدّعي، وهو من أنصار ترامب المحكومين في قضية اقتحام الكونغرس، إبطال تهمة "عرقلة أعمال الكونغرس" المستندة إلى قانون صدر في بداية الألفية لمنع وقوع أعمال احتيال وتزوير واختلاس وإتلاف وثائق كتلك التي ارتكبتها شركة الطاقة والخدمات والتجارة العملاقة إنرون في تكساس والتي أدّت إلى إفلاسها.
وبحسب الخبراء القانونيين الذين يتابعون نشاط المحكمة العليا، كشفت أسئلة أعضائها عن انقسام بينهم. وإذا أخذت المحكمة بحجة المدّعي القانونية، القائلة بأنّ الادعاء توسّع في تفسير القانون وأنّه لا ينطبق على حالته، فسيؤدي ذلك إلى تعديل كثير من الأحكام التي صدرت إلى الآن على مئات من الذين شاركوا في اقتحام الكونغرس في السادس من كانون الثاني 2021 وقد يؤدي إلى إلغاء هذه التهمة حين سيمثل ترامب للمحاكمة في هذا القضية.
وستستمع المحكمة الفدرالية العليا هذا الأسبوع إلى مرافعات في موضوع يُطرَح عليها للمرة الأولى وهو موضوع حصانة الرئيس سواء في أثناء ولايته أو بعد انتهائها. وهو استئناف قدّمه محامو ترامب إلى المحكمة العليا لإعلان بطلان كلّ القضايا المرفوعة ضده بحجة أنّ الدستور يمنحه حصانة كاملة شاملة تمنع محاكمته بعد انتهاء عهده عن أفعال ارتكبها في خلاله. وقد أسقطت محاكم البداية والاستئناف الفدرالية هذه الحجة قائلة أنّ حصانة الرئيس لا يمكن أن تكون شاملة، إلّا أنّ فريق ترامب القانوني رفعها إلى المحكمة العليا.
قرار المحكمة العليا في هذا القضية متوقّع أواخر حزيران. وإذا جاء القرار لمصلحة ترامب فستسقط كل الدعاوى المرفوعة عليه. حينئذ يكرَّس رئيسُ الولايات المتحدة، أيُّ رئيس، حاكماً مطلقاً غير قابل للمساءلة والمحاسبة، وهذا بالضبط ما أراد الآباء المؤسسون لأميركا منع حدوثه.