مستبقاً الانتخابات النيابية، شرع التيار الوطني الحر في مراجعة نقدية تعيد التأكيد على الثوابت والأهداف، وفق ما تتطلّبه دقة المرحلة والظروف الصعبة التي يعيشها البلد. حلقة نقاش حيوي طرح خلالها محازبو التيار هواجسهم ونظرتهم إلى الأمور، التي تدخل ضمنها التحالفات والسلطة والعلاقة مع الشريك والسلاح.
في حلقة حوار نظّمتها منسقية بيروت الأولى في التيار الوطني الحر مع منتسبين ومناصرين حول شؤون لبنانية وتطورات الساعة، طرح المشاركون الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي كانت موضع نقاش مع مستشار رئيس التيار للشؤون السياسية انطوان قسطنطين الذي فنّد التحدّيات والمخاطر والأهداف التي يعمل من أجلها التيار طارحاً جملة عناوين تشكّل مدخلاً للحل.
توقّف قسطنطين عند المخاطر المحدقة بلبنان، والتي تهدّد سلمه الأهلي ووضعه الأمني، ومن أهم تلك المخاطر:
- خطاب الفتنة والتحدي والتحريض والاستعلاء "الذي من شأنه أن يؤدّي إلى حروب أهلية ويخدم مصلحة إسرائيل، المتضرّر الأكبر حتى لا أقول الوحيد، من وجود لبنان كدولة موحّدة ومجتمع متنوّع".
- النزوح السوري المتأتّي من مخطّط، إسرائيل ليست بعيدة عنه"، وهو تفكيك النّسيج الاجتماعي في سوريا وضرب الحياة المشتركة في مجتمعاتنا المشرقية لتبرير مشروع الدول الدينية أو العرقية، وهذا يخرّب دول المشرق لمصلحة الأطماع الإسرائيلية والهيمنة الاقتصادية الخارجية على مواردنا وثرواتنا .
- تحلّل مؤسسات الدولة. تخوّف قسطنطين من وجود فئة "تراهن على انهيار شامل للدولة وعلى الفوضى ليكرّر تجارب مدمّرة ومشاريع وهمية نتيجتها هزيمة مضمونة ودمار وتهجير ويأس يقضي على لبنان وعلى المسيحيين بالدرجة الأولى". معتبراً أنّ "المطلوب وقف الانهيار وإعادة تكوين السلطة بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية واستعادة ثقة الناس بالدولة، وإثبات الشراكة المتوازنة" .
- استمرار نموذج الفساد وانعدام المحاسبة ومنع الانخراط بالمسار الإصلاحي المالي والاقتصادي. هذا كله يُعدّ خطراً وجودياً يستوجب حماية على مستوى المخاطر الأربعة المذكورة آنفاً.
ثم دار نقاش محوره شعار حماية لبنان، ومن يحمي لبنان واللبنانيين وكيف، وهل يكون ذلك بالانزلاق الغرائزي للفتنة أو بقطع رأسها؟ بالصدام أو بالحوار مع من نختلف؟
وخلُص قسطنطين إلى القول إنّ "حماية الوحدة الوطنية تكون أولًا بحماية الشراكة الفعلية والمتوازنة التي دفعنا ثمنَها شُهداء ونفياً واضطهاداً". وقال إنّ التيار الذي قاوم في زمن المقاومة صالح وتفاهم في زمن المصالحات والتفاهمات. واجه ويواجه مشاريع ضرب الدولة أكان بأوهام التقسيم أو بالتقاسم بين من تقاتلوا وتسامحوا وتحاصَصوا على حساب الدولة".
بصريح العبارة قال قسطنطين إن "لبنان ليس ملكاً لأي طرف أو حزب حتى يتصرّف بمساحته أو بتاريخه أو بأمنه". متسائلاً "مِن اللبنانيين مَن يريد اليوم رفض لبنان أو لا يعتبره وطناً نهائياً، إن وُجد فليقدم مشروعه دون خجل ولا خوف، وخلّينا ساعتها نروح على استفتاء شعبي عام" . وشدد على أنّ "لا وطن من دون مساواة بين مكوناته، وإلاّ شو يعني الميثاق؟ وأضاف "الأمن هو أمن سياسي واجتماعي بالدرجة الأولى، يعني العدالة والحق أولاً، لا القمع ولا التراضي. ويلّي بيخرّب بتردعه القوة يلي بتمارسها الدولة باسم الشعب".
الفكرة الأكثر جدلاً كانت حول تفاهمات التيار وتحالفاته السياسية والانتخابية، وهنا كان التركيز على اقتناع التيار بما أنجز من تفاهمات لا يزال يضعها في إطار التفاهمات التي حقّقت منذ العام 2005 أهدافاً وطنية، تبيّن انها مرحلية وغير كافية لتحقيق الإصلاحات في الدولة"، أمّا اليوم، وبعد "الإفقار المتعمَّد للناس بسياسات متهوّرة وممارسات شاذة على مدى ثلاثين سنة، و بعد انهيار الدولة مالياً وإدارياً،
وبسبب المخاطر الوجودية الكبرى من حروب المنطقة ونزوح ولجوء وانقسامات، فقد صارت الحاجة حتمية إلى تفاهم وطني يجمع كلَّ التفاهمات، وهذا تحدٍّ مطروح على كلّ اللبنانيين وليس على التيار وحده".
في جلسة النقاش، كان تذكير باقتراحات القوانين التي قدمها التيار بهدف تطوير الدولة، ومنها الدفع باتجاه لامركزية إنمائية ذات قدرة مالية وصلاحيات موسّعة، تأتي في إطار إشراك المواطنين مباشرةً في إنماء مناطقهم وتسيير شؤون حياتهم حتى ينتهي عصرَ إذلال المواطن واستغلاله بالخدمات. إلغاء الطائفية كنظام في السياسة والادارة والاقتصاد والتعليم. استقلالية القضاء لأنّ العدالة المتأخّرة نوع من الظلم وأمامنا قضيّة انفجار المرفأ وسرقة الودائع". داعياً إلى محاسبة "كلّ من ارتكب الجريمة المالية أو غطّاها أو تغاضى عنها".
ويدخل ضمن خطاب التيار وعمله الدؤوب استرجاع "الودائع المشروعة لأصحابها، وعودة الشفافية إلى المالية العامة للدولة وضبط التهرّبِ الجمركي. وإعداد نظام ضرائبي تصاعدي حيوي وعادل يساهم في التنمية المتوازنة ويحدُّ من التهرّب الضريبي".
ويؤكد مستشار رئيس التيار أنّ السلطة وسيلة وليست هدفاً "فينا نكون خارجَها بس ما فينا نكون خارج الدولة. وأنّ حماية لبنان من إسرائيل ومن أيّ خطر خارجي يتمّ بالاتفاق بين اللبنانيين على تحديد الخطر وطرق الحماية".
ويعدّد التيار المخاطر والأهداف متوقّفاً على موضوعات يجب مناقشتها وهي:
1- الاتفاق على إستراتيجية دفاعية وطنية تحفظ جميع عناصر قوّة لبنان وتجمعها تحت مرجعية الدولة.
2 - تحييد لبنان عن كلّ صراع ليس له مصلحة فيه ولا قدرة على تحمّل انعكاساته من دون أن يكون المقصود الوقوف على الحياد بين الحقّ والباطل .
يؤكّد التيار أنّ لبنان معني مباشرة بالقضية الفلسطينية، لذا يدعو إلى تطبيق القرارات الدولية التي تضمن حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة، كما يطالب بتطبيق حقّ العودة للاجئين الفلسطينين وباستعادة جميع الأراضي اللبنانية المحتلة وحماية حقوق لبنان بالنفط والغاز والمياه". أمّا موضوع السلام فهو ء"يلتزم ما يجمع عليه العرب".
بخصوص مقاربة العلاقة مع سوريا، يعتبر التيار أنّ "للبنان مصلحة في أن تكون سوريا آمنة ومستقرّة ومزدهرة، نتعاون معها إلى أقصى الحدود، ونحترم سيادتها على أن تحترم هي سيادة بلدنا، لا تتدخل بشؤوننا ولا نتدخل بشؤونها".
ولأجل ما تقدم، كان تأكيد الحاضرين على التواصل مع الناس والدفاع عن حقوقهم والفوز بتحقيقها "الناس هنّي الأساس ومصالحهم بتحكم سلوكنا. منعمل تسوية لمّا بتكون مفيدة للناس من دون أيّ مساومة لا على حقوق ولا على دستور. منوازن المبدأ والواقعية، الصلابة والمرونة"، يقول قسطنيطين.
ويختم "نحاور، لا نتعنّت ولا ندّعي امتلاك الحقيقة المطلقة ولا نستسلم ولا ننكفئ ولا يأس في قاموسنا .خطابنا يجب أن يكون خطاب العقل والإقناع والتوازن والانفتاح وفهم الآخرين وطرح الحلول" .
1