تزداد مشاعر الصين بالقلق من التحالف الهندي الأميركي، في إطار جهود واشنطن لمحاصرة الصين من الجنوب، ومنعها من الوصول بحرّية إلى طرق الملاحة في المحيط الهندي باتجاه إفريقيا. الأميركيون يلعبون على وتر سعي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي المتشدد الحاكم في الهند إلى دور مهيمن في جنوب آسيا من أجل وضع نيودلهي في مواجهة مع بكين، بحسب ما يرى الصينيون.
من هنا، فإنّ الشعور بالقلق من إمكان عرقلة الهند وصول الصين إلى طرق الملاحة البحرية في المحيط الهندي، دفع بكين إلى تعميق علاقاتها بدول في جنوب شرقي آسيا، ومن ضمنها كمبوديا التي تجمعها مع الصين علاقات قوية منذ سبعينيات القرن الماضي، وبنغلادش التي تشعر بقلق متزايد من توجهات جارتها الهند المعادية للاسلام في ظلّ حكم حزب بهاراتيا جاناتا.
رشحت أنباء عن بناء الصين سرًا قواعد بحرية في كمبوديا وبنغلاديش، وهذا ما أثار مخاوف واشنطن ونيودلهي
وترى الصين في العلاقة مع الدولتين المذكورتين آنفًا مسألة حيوية بالنسبة إليها، إذ أنّهما تؤمّنان لها إطلالة على شواطئ المحيط الهندي على نحو يجعلها تتجاوز مضيق ملقة الواقع تحت الهيمنة الأميركية وأرخبيل الجزر الهندية القريب من ملقة، والذي يمكن أن تعرقل نيودلهي من خلاله انطلاق البحرية الصينية من بحر الصين الجنوبي باتجاه المحيط الهندي.
في هذا الاطار، رشحت أنباء عن بناء الصين سرًا قواعد بحرية في كمبوديا وبنغلاديش، وهذا ما أثار مخاوف واشنطن ونيودلهي. ويرى المحللون العسكريون أنّ هذه الأنباء منطقية، خصوصًا أنّها تأتي في سياق إستراتيجية عقد اللؤلؤ التي تعتمدها الصين والقاضية بنشر عدد كبير من القواعد البحرية في بحر الصين الجنوبي وحوض المحيط الهندي لتأمين ملاحتها البحرية بعيدًا من الهيمنة الأميركية.
ومن هذه القواعد، قاعدة ريام البحرية في كمبوديا، والتي قالت واشنطن إنّها باتت قاعدة بحرية صينية برغم نفي كمبوديا والصين ذلك. والجدير ذكره أنّ هنالك علاقات تعاون وثيقة بين بكين وبنوم بنه في ظلّ أنباء عن مرابطة سفينتين حربيتين صينيتين في ريام. وتشير معلومات الاستخبارات الأميركية إلى أعمال بناء في القاعدة الكمبودية على نحو يُنبئ بأنها تعدّ لاستقبال سفن حربية من الحجم الكبير، علمًا أنّ القاعدة القريبة من خليج تايلند تسمح للصين بالوصول إلى بحر الصين الجنوبي، وأماكن أخرى في الجزء الشرقي من المحيط الهندي من دون المرور بمضيق ملقة، والتي من المتوقع أن تكون بمنزلة نقطة اختناق حاسمة في حالة نشوب صراع بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. لذا، لم يعد سرًّا أنّ أعمال التوسعة والتحديث في القاعدة تتم بتمويل صيني.
في موازاة ذلك، فإنّ الصينيين ينشئون قاعدة بحرية أخرى في جنوب آسيا، وتحديدًا في بنغلادش على حدود الهند. وقد أفاد مراقبون عسكريون بأنّ الصين توسّع قاعدة الغواصات في بنغلاديش وبناء رصيف جاف طوله 135 مترًا وعرضه 30 مترًا لصيانة الغواصات في القاعدة.
وحذر خبراء عسكريون غربيون من أنّ الغواصات الصينية يمكن أن ترسو في "ميناء بنجلاديش للتجديد والخدمة، وأنّ هذا يأتي في سياق ما سمّوه "دبلوماسية الغواصات" التي تنتهجها الصين. واعتبروا أنّ حصول الصين على موطئ قدم في خليج البنغال من شأنه أن يزيد بشكل كبير من قدرة جيش التحرير الشعبي على العمل بعيدًا من شواطئ الصين، وأن يستولد تحديات جديدة للهند والولايات المتحدة وحلفائهما في جنوب آسيا.
والجدير ذكره أنّ القاعدة التي تبلغ مساحتها نحو كيلومترين مربّعين سُمّيت "قاعدة الشيخة حسينة البحرية" على اسم رئيسة حكومة بنغلاديش الحالية، وقد افتُتِحت في آذار 2023 بحضور عدد كبير من المسؤولين وضباط البحرية الصينيين. والقاعدة قادرة على استيعاب ست غواصات وثماني سفن حربية في الوقت نفسه. وقد أشارت رئيسة الوزراء البنغلادشية الشيخة حسينة إلى أنّه يمكن استخدام المنشأة "كنقطة خدمة للسفن التي تبحر في خليج البنغال"، وهذا ما اعتبر تلميحًا لإمكان استخدام جيش التحرير الشعبي الصيني للقاعدة في المستقبل لأعماله الحربية والأمنية. وبرغم عدم وجود تفصيل دقيقة حول القاعدة، فإنّ الخبراء الغربيين يشعرون بالقلق من أنّ الصين تتوسع تحت غطاء المساعدة لبناء منشآت بحرية حميدة وغير ضارة. إضافة إلى ذلك، طلبت بنغلاديش شراء غواصتين من الصين في إطار تعزيز قوتها البحرية في مواجهة الهند ضمن خطة 2030 لتحديث القوات البنغلادشية.
وفي ظلّ غياب شبكة عالمية واسعة من القواعد والدعم اللوجستي التي يمكن أن تستخدمها الصين، فإنّ إنشاء هذه المرافق يعدّ أمرًا ضروريًا لتحقيق هدف بكين المتمثل في إنشاء قوة بحرية للمياه الزرقاء قادرة على القيام بعمليات بحرية في أنحاء العالم، خصوصًا أنّها تحوّلت قوةً كبرى عالمية. ويعتبر الخبراء العسكريون أنّه عبر ذلك يمكن بكين إبراز قوتها البحرية بشكل أفضل في جميع أنحاء منطقة المحيط الهادئ الهندية وخارجها، وهذا ما يمنح بحرية جيش التحرير الشعبي قدرًا أكبر من الاستقلالية وسهولة في إجراء العمليات في المياه الدولية.
وترى الهند في هذا التطور تهديدًا لأمنها القومي، كما ترى الولايات المتحدة فيه ضربًا قويًا لإستراتيجيتها في منع الصين من الوصول بحرّية إلى المحيط الهندي. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد حذّرت من أنّ بنغلاديش وميانمار هما من البلدان التي تسعى بكين لإنشاء قواعد بحرية فيها.