مساء الثلاثاء الماضي استضاف الرئيس جو بايدن ما كان يريده أن يكون إفطارا رمضانياً حاشداً كما فعل العام الماضي، حين هتف له الحضور الكثيف لممثلي الجاليات العربية والإسلامية. لكنّ الحدث هذا العام اقتصر على اجتماع تشاوري وإفطار حضره موظفون رسميون رفيعون في الإدارة الأميركية من الطوائف الإسلامية، بمن فيهم النائبتان في الكونغرس الأميركي إلهان عمر، وهي من أصل صومالي والأميركية الفلسطينية رشيدة طليب. وكلتا النائبتين من الحزب الديمقراطي ومن أشد منتقدي مواقف بايدن من الحرب الإسرائيلية التدميرية في غزة.
وقد اعتذر معظم المدعوّين من قادة الجاليات العربية والإسلامية عن عدم تلبية الدعوة إذ رأوا أنها لا تتناسب مع مواقفهم ولا تدعم موقفاً رسمياً أميركياً جدّيّا "لوقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تدفعها رغبة بالانتقام وطرد الفلسطينيين من ديارهم،" وفق ما قاله أحد المدعوّين الذي لبّى دعوة الإفطار العام الفائت واعتذر عن عدم تلبيتها هذا العام.
وصفُ البيت الأبيض لما جرى كان "عموميا" و"لم يتناول شيئا يوحي أن الرئيس بايدن راغب في أو قادر على لجم رئيس وزراء إسرائيل،" وفق ما صرّح به أحد الذين لبّوا الدعوة وأعربوا بعدها عن خيبة أملهم. ولم تخف النائبتان الديمقراطيتان أسفهما على تلبيتهما الدعوة لافتتين إلى أن الحكومة الأميركية أنهت ترتيبات إرسال أسلحة وذخائر إلى إسرائيل في يوم إفطار البيت الأبيض نفسه.
ونقل عن طليب قولها إن الرئيس بايدن يعرف أنه خسر الصوت العربي والصوت المسلم وهو يحاول استعادته "لكنّ ما يفعله حتى الآن لا يشي بأي تغيير في الموقف."
بايدن يبحث عن إنجاز والواضح أنه يريد هذا الإنجاز في الشرق الأوسط
آخر استطلاعات الرأي – وهي كثيرة هذه الأيام – يشير إلى أنّ الصوت المسلم والصوت العربي ليس الصوت الوحيد الذي خسره بايدن، بل خسر أيضاً صوت أجيال ما تحت الأربعين لأن أبناء هذه الأجيال "لا يؤيدون الحرب ولا القتل الجماعي ولا تمويل الحروب من أموال ضرائبهم، وهم يفضَلون حل النزاعات بالوسائل السلمية وإنفاق أموال الضرائب على الداخل الأميركي.
الواضح أن نشاط الرئيس بايدن ونشاط خصمه المفترض دونالد ترامب يركّزان على توظيف كل شيء لخدمة الحملة الانتخابية. ترامب يركّز على مهاجمة الهجرة والمهاجرين وينعتهم بالحيوانات والمجرمين، ويركّز أبضا على التضخم. أما بايدن فيرد بتأكيد متانة الاقتصاد وبالدفاع عن "حق المرأة في تقرير صحتها الإنجابية" – أو بكلام أوضح عن الإجهاض.
الافتراق بين الحملتين واقع أيضاً في السياسة الخارجية. يمكن توقع الخطوط العريضة لسياسة خارجية يعتنقها ترامب قوامها سحب معظم الجنود الأميركيين المنتشرين حاليا في مناطق النزاع، ووقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا والتشدد في موضوع الهجرة واستمرار اعتبار الصين الخصم الحقيقي سواء في الأمور العسكرية أو التجارية أو التكنولوجية.
أما بايدن فعلى غرار كثير من أسلافه ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، يريد إنقاذ إسرائيل "رغما عنها،" ويبدأ هذا في مفهومه بإنقاذها من رئيس وزرائها الحالي. وهو في مسعاه هذا يحاذر الضغط كثيرا على إسرائيل لئلا يفقد الصوت اليهودي، ويريد القضاء على حماس ولكن مع وقف القتال في غزة. وعبّر المسؤولون في جهاز الأمن القومي في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية أيضا، عن الاقتناع التام بأن القضاء على حماس ليس ممكنا بالوسائل العسكرية، بل برؤية واضحة ل "اليوم التالي" وبمشروع سياسي مقبول من الفلسطينيين ومصر والأردن ودول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
لكنّ هذا يصطدم بتشدد من رئيس وزراء إسرائيل الذي يقول معارضوه إنه لن يوافق بسرعة على وقف العمليات العسكرية لأنه يعرف أنه أول من سيدفع ثمن الفشل السياسي والعسكري الذي تمثل بهجوم حماس في السابع من تشرين الأول الماضي، ولأنه سيفقد حصانته ويمثل أمام القضاء بتهم فساد قد تودي به إلى السجن.
وفي السياسة الخارجية لن يتخلى بايدن عن مساعدة أوكرانيا ولن يشيح بنظره عن روسيا وسيبقي على سياسة تجاه الصين تعترف بالخلاف والتنافس وتؤكد حماية تايوان دون أن تصل إلى حد المواجهة والقطيعة.
بالعودة إلى الحملتين الانتخابيتين، يشير معظم الاستطلاعات إلى أن ترامب متقدم في خمسة من الولايات الست المتأرجحة التي فاز بها بايدن، لو أجريت الانتخابات الآن. لكن الانتخابات ستجرى بعد سبعة أشهر وسيتغيّر الكثير من المعطيات.
أول هذه المعطيات هو ماذا سيحل بالمرشح المستقل روبرت فرنسيس كينيدي الإبن. ففي نهاية آذار اختار نائبة الرئيس، وهي محامية ثرية لا تزال دون الأربعين. هل سيتمكن من وضع لائحته في الولايات الخمسين؟ هل سيحظى بأكثر من اثنين أو ثلاثة في المئة التي يحصل عليها المرشح المستقل تقليديا في ظل هيمنة الحزبين؟ ومن أصوات من سيأخذ أكثر؟ فكينيدي سليل عائلة عريقة في الحزب الديمقراطي لكنه في السنوات العشر الأخيرة مال نحو الجمهوريين واعتنق نظريات المؤامرة.
ثاني هذه المعطيات ولاية فلوريدا التي لم تخطئ في انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأميركية في السنوات الخمسين الماضية، بمعنى أن المرشّح الرئاسي الذي فاز في فلوريدا هو الذي فاز في الانتخابات.
فلوريدا انتخبت الديمقراطي جيمي كارتر رئيسا في 1976 والجمهوري رونالد ريغان في 1980 و1984 والجمهوري جورح بوش الأب في 1988 والديمقراطي بيل كلنتون في 1992 و1996، والجمهوري جورج بوش الإبن في 2000 و2004، والديمقراطي باراك أوباما، أول رئيس أسود للدولة، في 2008 و2012 فالجمهوري دونالد ترامب في 2016، وأخيرا الديمقراطي بايدن في 2020.
المعطى الثالث هو مصير الدعاوى المقامة ضد ترامب في العاصمة واشنطن وولايتي جورجيا وفلوريدا ومصير المراجعة أمام المحكمة العليا المتعلقة بالحصانة الكاملة التي يطالب بها ترامب.
لا شك في أن الرئيس بايدن يبحث عن إنجاز، والواضح أنه يريد هذا الإنجاز في الشرق الأوسط. هل هذا ممكن؟ متى؟ وكيف؟