أرخت الحرب القائمة جنوباً بثقلها على طلّاب قرى الشريط الحدودي، بعد اضطرار أكثر من 25 ألف عائلة إلى النزوح منها منذ بدء اندلاع المواجهات. وهذا ما جعل مصير نحو 15 ألف طالب في خطر عقب تعليق مدارسهم العمل حتى إشعار آخر، فهدّد ذلك مستقبل عامهم الدراسي، بحسب ما صرّح به الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، لـ "الصفا نيوز".
وإلى ذلك، يستبيح العدو الاسرائيلي كلّ القيم والقواعد التي تحكم الحرب والسلم، باستهدافه المدنيين الأبرياء، إذ خطفت نيران الحرب الإسرائيلية حياة الطلاب والأساتذة على السواء، ولا يكاد يمرّ أسبوع، إلا ونسمع فيه بموت طالب في الجنوب أو أستاذ. وآخر هذه الأحداث المأسوية، سقوط أربع شهيدات بينهن ثلاث تلميذات صغيرات، وجرح آخرين من مدرسة القلبين الأقدسين عين إبل، وأستاذ مادة الكيمياء في ثانوية بنت جبيل الرسمية، علي سعد، الذي قضى شهيدًا جرّاء غارة استهدفت مدينة بنت جبيل.
معاناة طلاب الجنوب وحلول "التربية"
وفي ظلّ الحرب القائمة جنوباً، اضطرّت المدارس في القرى الحدودية إلى الإقفال قسراً، ما أدّى إلى حرمان الطلّاب من أبسط حقوقهم في التعليم. من جهتها، بادرت وزارة التربية إلى طرح الحلول الممكنة حتّى لا يخسر الطلّاب عامهم الدراسي. ففتحت الوزارة 10 مراكز في مناطق آمنة، لأنّ هناك عددًا كبيرًا من العائلات التي أجبرت على النزوح من قراها، وفتحت 10 مراكز أيضًا للتعليم المهني في مراكز أكثر أمانًا في الجنوب.
التحق عدد كبير من الطلاب بهذه المراكز المؤقتّة، ومُنحوا حرّية اختيار المدرسة الأقرب إلى مكان انتقالهم- أي حيث السكن المؤقت- في حين عمد عدد من الطلاب إلى البقاء في قراهم كما حصل مع طلاب بلدة رميش الحدوديّة، حيث سمحت الوزارة لـ 1500 طالب بالتعلّم عن بعد.
ولنجاح هذه العملية، تواصلت وزارة التربية مع عدد من المسؤولين والجهات المانحة لتأمين الكهرباء والبنى التحتية والاتصالات والإنترنت، وتولّت تأمين بعض الحاجات، فوزّعت 3200 جهاز حاسوب للأساتذة، وأمّنت 3000 جهاز “تابلت” للطلاب، مع توفير تدريب مكثّف للأساتذة حول التعليم من بعد بالتنسيق مع المركز التربوي للبحوث والإنماء والمكتب الإقليمي للـUNESCO.
إلّا أنّ تطبيق الحلول لم يصل إلى معالجة الضغوط التي يعيشها طلاب الجنوب، والتي تقف حاجزاً أمام قدرتهم على مواكبة مسيرتهم التعليمة وذلك لأسباب عديدة، أهمّها اعتماد التعليم عن بعد للطلاب عموماً، وللذين لم يتمكّنوا من مغادرة قراهم على وجه الخصوص، علمًا أن هذه الوسيلة دون جدوى، لرداءة خدمة الانترنت على جميع الأراضي اللبنانية عموماً، وفي مناطق الجنوب خصوصاً، فضلًا عن التشويش الحاصل نتيجة القذائف، لتصبح المناطق الحدودية في هذه المرحلة بلا انترنت ولا اتصالات.
ثمة نسبة ليست بالقليلة من الطلّاب لم يتركوا قراهم لضيق السبل أمامهم وعدم قدرتهم على تأمين مأوى او لضيق أوضاعهم المعيشية. أما الذين تمكنوا من النزوح القسري، فيعيش معظمهم في بيوتٍ جماعية مع الأهل والأقارب وعائلاتهم الكبيرة والصغيرة حيث لا إمكانية للتركيز والتعلّم، عدا التوتر الذي يعيشه الطالب نتيجة الأحداث اليومية التي تتسبب في الكثير من العنف والقلق لأهلهم وأقاربهم.
كذلك لم يتمكّن جميع الطلاب من الالتحاق بمدارس أخرى (بسبب القدرة المالية الضعيفة وتوقف أهلهم عن العمل، وبُعد المسافات، والحالة النفسية...) أضف إلى ذلك أنّ مدارس عدة لم تتمكن من استقبال الطلاب النازحين عن قراهم، بسبب الأعداد الكبيرة الموجودة في صفوفهم ولا سيّما في المدارس الخاصة.
وعن ضعف الاتصالات والإنترنت جنوبًا، كان قد كشف وزير التربية عباس الحلبي أنّه تواصل مع وزير الاتصالات جوني القرم وأنّه "سيتمّ تأمين بطاقات إنترنت خاصة بطلاب الجنوب قريبًا عبر شركتي الخلوي ألفا وتاتش". إلّا أنّ هذه الخطوة لا تحلّ مشكلة التشويش على شبكة الاتصالات.
إلغاء شهادة "البروفيه" ودورة استثنائية لطلاب الجنوب؟
وعن مصير الشهادات الرسمية لطلاب الجنوب، قال الحلبي: "سنأخذ في الحسبان الضغط النفسي والخوف اللذين يعيشهما طلاب الجنوب والأساتذة والأهالي في أحوال صعبة لا تسمح بالتعامل معهم وفقًا للمعايير الطبيعية، لذلك ندرس الموضوع جدّيًا لمعاملتهم بشكل استثنائيّ، كيلا نحرمهم من الامتحانات ولا نظلمهم في امتحانات عادية ستُجرى في باقي المناطق". ورجَّح أن: "تُقام دورة استثنائية خاصة بطلاب الجنوب للشهادة الثانوية بكل فروعها".
وعن احتمال إلغاء عدد من المواد أو تقليصها، ردّ الحلبي بشكل مقتضب: "المركز التربوي يدرس جميع الاحتمالات بالتعاون مع المديرية العامة للتربية، مع الأخذ في الاعتبار معايير المناهج".
وأعلن الحلبي إلغاء الشهادة المتوسطة بدورتيها العادية الأولى والثانية استثنائيًا هذا العام، لكن الشهادة الثانوية والمهنية، في نظره، هي أكثر من ضروريّة للطلاب.
اقتراح قانون قد ينقذ تعليم الطلاب
ومع توسعة العدو الإسرائيلي رقعة القصف، التي امتدت إلى منطقة بعلبك، والبقاع الأوسط، يتخوّف بعض طلاب تلك المناطق من تطيير عامهم الدراسي.
وفي هذا الإطار، قال لـ"الصفا نيوز" عضو لجنة التربية والثقافة والتعليم العالي النيابية، النائب إدغار طرابلسي: "الخوف الذي يعيشه أبناء الجنوب اليوم، يشبه الخوف الذي عاشه جيلنا في زمن الحرب في مناطقنا حيث كنّا نذهب يوماً إلى المدرسة ونعطّل في اليوم الثاني".
وعن مصير العام الدراسي للطلاب، أوضح أن "استمرار المدارس في البقاع الأوسط والشمالي مضمون، أمّا المشكلة الفعلية فتكمن لدى معظم طلاب الشريط الحدودي الذين لم يجدوا مدارس آمنة تستقبلهم، فضلاً عن التشويش الحاصل على شبكات الاتصالات والانترنت، ما يؤكّد وجود استحالة لمتابعة العام الدراسي، في قرى الشريط الحدودي".
وذكّر طرابلسي بالاقتراح الذي كان قد تقدّم به خلال أزمة كورونا، أي قبل أكثر من 3 سنوات، ولم يُعمل به، وهو قد يكون حلاً فعلياً لأزمة الطلاب، اليوم، وهو اقتراح قانون التدريس "أونلاين"، حيث تكون المواد والحصص الدراسية مسجّلة سلفاً، وموضوعة على موقع offline ويمكن الاطلاع عليها عندما تكون شبكة الانترنت جيدة، ويمكن الطلاب تنزيل هذه الصفوف والمواد لمراجعتها في غياب الشبكة. منتقداً طريقة التدريس الحالية، "فالتدريس عبر اتصال صوت وصورة ليس تدريساً أونلاين".
واعتبر أنّ "من لم يتعلّم المنهج، لا يمكن ترفيعه، وفي حال صدور قرار من وزارة التعليم بالترفيع التلقائي، لن تلتزم المدارس الخاصة هذا القرار على عكس المدارس الرسمية، لأنّه يضرّ بالمستوى التعليمي".
أما عقبة مصير طلاب الشهادات الرسمية، فرأى طرابلسي أنّ لها حلّين "الأوّل تقليص المنهاج تقليصًا يناسب ما تعلّمه الطلاب قبل اندلاع الحرب، وهو أمر صعب، أمّا الحلّ الثاني فهو تكرار سيناريو الـ75 أو الـ 76، أي دمج عامين دراسيين لتصبح السنة سنتين. ويمكن تطبيق هذا الحلّ عبر المدرسة الصيفية أو عبر تقسيم العامين الدراسين إلى فصلين، الأوّل يبدأ من أيلول إلى عيد الميلاد، والثاني يبدأ مباشرة بعد عطلة العيد. وطبعًا هذا الحلّ يطبق حصراً في منطقة التوتر في الشريط الحدودي".
اقتراحات عدّة لرابطة التعليم الثانوي
في سياق متصل، كشفت مصادر مقربة من رابطة أساتذة التعليم الثانوي لـ"الصفا نيوز" عن "اقتراحات عدّة تقدّمت بها الرابطة، منها: تقديم امتحان رسمي يناسب ما تعلّمه الطلاب في صفوف الأونلاين، أو إجراء امتحان وطني خاص بعد العودة إلى المدارس، أو إعطاء طلاب الجنوب إفادات، إلاّ أن اقتراح الإفادات قد يولّد مشكلة".
وعن عدم اعتراف غالبية الجامعات الأجنبية بالإفادات، أجابت المصادر نفسها: "موضوع عدم الاعتراف بالشهادة ليس كلاماً دقيقاً، فوزارة التربية ومجلس البحوث أعطيا إفادات، وجرى تعديل بعض المواد وإكمال النقص في الجامعات الأجنبية عبر امتحانات خاصّة". ولفتت إلى أنّ "وزارة التربية تجري حالياً، عملية إحصاء لتبيان عدد لطلاب المتابعين وعدد الذين لم يتمكنوا من المتابعة".
واعتبرت المصادر نفسها أنّ هناك "طروحات أخرى يمكن اللجوء إليها، منها حلّ وسطي للجميع يقوم على خفض المناهج على نحو يناسب وضع طلّاب الجنوب ولا يضرّ بالآخرين، وتأجيل موعد امتحانات طلاب الجنوب مدة قصيرة لا تستفيد منها باقي الفئات، ثم يذهبون إلى امتحان رسمي ومواد اختيارية. ويبقى اقتراح الإفادات العامّة لكل طلاب لبنان قائم، ولو أنّ احتمال الموافقة عليه ضئيل".
1