في مسعى منها للتحوّل إلى قوة عالمية كبرى، تسعى الصين إلى أن تمتلك قدرات بحرية كبرى. ومن أجل تحقيق ذلك تشعر بأن عليها بناء قوة بحرية تضاهي تلك التي تمتلكها سيدة البحار منذ الحرب العالمية الثانية، وهي الولايات المتحدة الأميركية. وبما أنّ السيادة البحرية ارتبطت منذ تلك الحرب بعدد حاملات الطائرات التي يمتلكها أي بلد، فإنّ بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني تنوي زيادة عدد حاملات الطائرات في أسطولها، وتسعى لامتلاك ما بين خمس وستّ حاملات طائرات في العام 2030. وتعتبر بكين أن بناء قوّتها البحرية ضروري من أجل ضمان وصولها إلى طرق الملاحة البحرية في المحيط الهادىء والمحيط الهندي، في وقت تسعى واشنطن إلى منعها من ذلك عبر إقامة حزام عازل حولها، يتشكّل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان واندونيسيا وماليزيا والفليبين واستراليا، إضافة إلى دعمها للهند في مواجهة الصين في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي.
وتبني بحرية جيش التحرير الشعبي أسطولاً من حاملات الطائرات المتطوّرة بشكل متزايد. وبعد حصولها على ثلاث حاملات طائرات وبنائها رابعة تكون الصين في الطريق لردم الهوة بينها وبين الولايات المتحدة التي تمتلك نحو 11 حاملة طائرات. ويعتبر براندون جيه. ويشيرت، وهو موظف سابق في الكونغرس ومحّلل جيوسياسي يكتب في الواشنطن تايمز، وهو مؤلف عدد من الكتب حول كيفية مواجهة الولايات المتحدة لصعود الصين، يعتبر أن بكين تمتلك إستراتيجية متعددة الخطوات للسيطرة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهو يرى أنّ الإستراتيجية تقوم على بناء قواعد على سلسلة جزر في جنوب بحر الصين. وتتكون سلسلة الجزر الثانية من جزر جنوب المحيط الهادئ الصغيرة التي تمتد من جزيرة أوكيناوا اليابانية إلى غوام التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. أمّا السلسلة الثالثة والأخيرة فتضم جزر ألوشيان في ألاسكا وتمتد حتى جزر هاواي.
وفي مقابلة أجريت مع نائب أدميرال البحرية الصينية يوان هوازي تمّ التأكيد أنّ حاملة الطائرات الصينية الرابعة ستعمل بالطاقة النووية بعد حاملات الطائرات لياونينغ وشاندونغ وفوجيان. والحاملة لياونينغ كانت أول حاملة طائرات تمتلكها الصين، وقد اشترتها من البحرية السوفياتية. أمّا الحاملة شاندونغ فقد بُنيت بخبرات صينية كاختبار لقوّة الصين التكنولوجية. وبُنيت فوجيان وفق نظام إطلاق كهرومغناطيسي للطائرات، شبيه بذلك المعتمد في حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد التي تعدّ الأكثر تطوراً في العالم.
قد تحتاج الصين إلى مزيد من الوقت لتحقيق توازن ردع مع الولايات المتحدة، قبل أن تكون قادرة على انتزاع السيادة على البحار منها.
وستكون حاملة الطائرات الصينية الجديدة هي الأولى العاملة بالطاقة النووية. والجدير ذكره أن إبحار السفن العاملة بالطاقة النووية أوسع نطاقًا وهي لا تحتاج للتزوّد بالوقود من مرافىء حول العالم، ممّا يسمح لها بالإبحار لآلاف الأميال ولا تتطلّب سوى نقل الطعام والذخائر للقيام بعمليات قتالية. علماً أنّ الصين نتيجة ذلك تصبح ثالث دولة تمتلك حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية بعد الولايات المتحدة وفرنسا. وإذا حققت مبتغاها تصبح ثاني قوة بحرية في العالم بعد الولايات المتحدة. ويُذكر أن الصين بحاجة إلى بناء سبع حاملات طائرات تعمل بالقوة النووية حتى تستطيع مضاهاة القوة البحرية الأميركية في المحيط الهادىء حيث تنشر واشنطن سبع حاملات طائرات، هي يو إس إس نيميتز، فينسون، روزفلت، لينكولن، واشنطن، ستينيس، ريغان. ويعتبر الخبير العسكري كايل ميزوكامي أنّ الصين التي لم تبنِ بعدُ سفينة سطحية واحدة تعمل بالطاقة النووية، تحتاج إلى أن تعمل على مدى العقدين المقبلين للوصول إلى هدفها هذا بغية مضاهاة القوة البحرية الأميركية.
إذن، قد تحتاج الصين إلى مزيد من الوقت لتحقيق توازن ردع مع الولايات المتحدة، قبل أن تكون قادرة على انتزاع السيادة على البحار منها. لكن ماذا لو تحقّق ذلك؟ أو بالأحرى ما الذي سيحصل عندما يتحقق ذلك؟ عندما ستحقق الصين توازناً في القوة البحرية مع الولايات المتحدة، تكون قد تمكنت من كسر احتكار واشنطن للسيادة على البحار بعدما فرضتها خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، على نحو يهدّد الهيمنة الأميركية على العالم ويؤذن بفقدان الولايات المتحدة للريادة العالمية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ من شأن هذا أن يحقق أسوأ كوابيس الأدميرال الأميركي الفرد ثاير ماهان، عراب تحول الولايات المتحدة إلى قوة بحرية في أواخر القرن التاسع عشر. فماهان، الذي تعتبر كتبه من كلاسيكيات الفكر الجيوسياسي الأميركي، إذ حثّت صنّاع القرار في الولايات المتحدة على بناء أسطول كبير في أواخر القرن التاسع عشر وتحدي اسبانيا في الكاريبي، ومن ثم السعي إلى السيطرة على طرق الملاحة البحرية، كان ماهان قد حذر من أنّ الولايات المتحدة، بصفتها امتداداً للحضارة الغربية، سيكون عليها فرض سيادتها البحرية على المحيط الهادىء انطلاقاً من جزر هاواي بغية الدفاع عن الشواطىء الغربية في كاليفورنيا، وعن الحضارة الغربية في مواجهة ما أسماه بالبربرية الاسيوية المتمثلّة في اليابان والصين.
وإنْ قضت واشنطن على الخطر الياباني خلال الحرب العالمية الثانية التي انتهت باحتلال الولايات المتحدة اليابان وإعادة صياغة بناها لتكون تابعة للامبريالية الأميركية بعد ذلك، فإنّها تبدو عاجزة عن فعل الأمر نفسه مع الصين التي تمضي بخطوات واثقة نحو بناء قوّتها الاقتصادية وتحالفاتها العالمية، والتي تسعى إلى تتويجها بانتزاع السيادة البحرية من الولايات المتحدة ولو بعد حين، مؤذنة بإنهاء عصر الهيمنة الأميركية، ومعها الهيمنة الغربية على العالم.