يُفرط المتفائلون في تفاؤلهم حينما يطلقون عليها "هدنة"، ولكن ما بات محسوماً حتّى الساعة، أنّ وقفاً لإطلاق النّار، أو "تهدئة" إذا جاز التعبير بين حركة حماس والعدو الإسرائيلي، قد وضعت على نار أميركية حامية، ومن المقرّر إنجازها خلال الأسبوع الجاري (قبل شهر رمضان المبارك) بالتزامن مع تواصل جهود الوسطاء القطريين والمصريين والأميركيين مع موفدين من حماس في العاصمة المصرية القاهرة.
ولأنّ الساحة اللبنانية بالفلسطينية "تُربط" منذ الثامن من تشرين الأول الفائت بقرار من المقاومة، تتعمّد أوساط إعلامية كبرى الإيحاء بأنّ حساب الحقل الغزّاوي لا ينطبق على البيدر الجنوبي اللبناني، أي أنّ "تهدئة غزة" لن تسري على الجبهة اللبنانية، وأنّ العدو عازم على الاستمرار في عملياته القتالية الجنوبية، في محاولة لتلزيمه نصراً إعلامياً عجز عن تحقيقه عسكرياً طوال 150 يوماً. إلّا أنّ مجرّد وصول طائرة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، أمس الإثنين، يشي عكس ذلك تماماً.
زيارة هوكستين ورسائله
على عجل استهل هوكستين نشاطه في لبنان بزيارة عين التينة حيث كان "اللقاء الأدسم" إذ التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ساعة ونصف الساعة أدلى بعدها هوكستين: "أنا هنا من أجل الحثّ للوصول إلى حلّ دبلوماسي ينهي العمليات الحربية على الحدود بين لبنان وإسرائيل".
ولفت إلى "أنّ الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة العمل من أجل الوصول إلى حلّ طويل الأمد من خلال مسار سياسي، وهذا ما يمكن أن يسمح للنازحين اللبنانيين بالعودة الى منازلهم والأمر نفسه على الجانب الآخر من الحدود".
وتابع هوكستين: "التصعيد لا يساعد في حلّ هذه الأزمة، وحتماً لا يساعد لبنان في إعاده البناء والتقدّم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه"، مؤكّداً "أنّ وقفاً موقّتاً لإطلاق النار غير كاف وكذلك الحرب المحدودة لا يمكن احتواؤها. ما نقوم به ليس جهداً أميركياً منفرداً. إنّنا نعمل مع شركائنا في العالم لاستيلاد فرصة تعزّز الاستقرار والازدهار للبنان وشعبه ومؤسساته ولاقتصاده".
وبعد ذلك زار هوكستين اليرزة حيث التقى قائد الجيش العماد جوزيف عون وتناول البحث الأوضاع العامة في البلاد والتطورات على الحدود الجنوبية.
كذلك، استقبل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في كليمنصو، الموفد الأميركي، بحضور رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط وعضوي كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائبين مروان حمادة ووائل أبو فاعور.
ثمّ توجّه إلى السراي الحكومي حيث التقى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، واطلعه على المستجدّات الأخيرة في المنطقة والجهود التي يبذلها من أجل التوصل إلى وقف الأعمال العسكرية.
وبعد لقاء السراي، عقد هوكستين، مساء في مجلس النواب، اجتماعاً مع النواب: جورج عدوان، وجورج عقيص، وسامي الجميل، والياس حنكش، وميشال معوض، في حضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون.
وأكد عدوان: "قلنا له إنّه علينا أن نتساعد لتطبيق الـ1701 ودعم الجيش اللبناني في حفظ الأمن على الحدود"، مشدّداً على أنّ "تجزئة القرار 1701 ليس لمصلحة لبنان ولا اللبنانيين ويجب تنفيذه بحذافيره".
إلى ذلك، أشار الجميّل إلى أن الوفد تحدّث عن هواجس اللبنانيين، قائلاً: "الشعب اللبناني غير قادر على البقاء رهينة بيد أحد ولا يمكن إلّا أن يكون مسؤولاً عبر مؤسساته الشرعية وعبر شعبه المتمثّل بالمجلس النيابي عن قراراته ومستقبله ومستقبل دولته".
أمّا معوّض، فقال: "الهدف هو حماية لبنان كي لا ينجرّ إلى توسّع الحرب والتأسيس لاستقرار طويل الأمد والوصول إلى حلول جدية عبر تطبيق القرار 1701".
وأضاف: "حان الوقت أن نتعلّم من أخطاء الحروب الماضية خصوصاً حرب تموز وليطبّق قرار 1701 من الجانبين".
واختتم الموفد الأميركي زيارته إلى لبنان بلقاء نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب في صالون كبار الشخصيات في مطار رفيق الحريري الدولي قبل مغادرته بيروت.
تصعيد ليلي
وجرياً على العادة منذ ما بعد "طوفان الأقصى"، يحدث لدى كلّ زيارة يقوم بها هوكستين إلى لبنان تصعيد عسكري إسرائيلي جنوباً، إذ شنّ الطيران الحربي المعادي، ليل أمس الإثنين، غارة على منزل غير مأهول في بلدة السلطانية، وأخرى سبقتها على مدينة بنت جبيل.
على خطّ آخر، وفي خيبة جديدة تضاف إلى سجل رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتخم بالخيبات منذ فجر 7 تشرين الأول الفائت، وبعد بحثه عن انتصار شكلي يتباهى به أمام مستوطني الشمال ويشيح النظر عن الخلافات الكبرى بينقادة الصف الأول في مجلس الحرب والجيش الإسرائيلي، مُني العدو بهزيمة كبرى بعدما راودته فكرة التوغل براً باتجاه الأراضي اللبنانية.
وأعلنت المقاومة أنّها استهدفت ،ليل الأحد-الاثنين، قوّتين إسرائيليتين حاولتا التسلل إلى الأراضي اللبنانية، مؤكّدة تحقيق إصابات مباشرة.
وفي مؤشر لافت يُنبئ باحتدام الخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي أعطى نتنياهو السفارة الإسرائيلية في واشنطن توجيهات تقضي بعدم تقديم خدمات إلى عضو مجلس الحرب بيني غانتس أو مرافقته في زيارته التي بدأها أوّل من أمس للولايات المتحدة من أجل لقاء مسؤولين أميركيين.
الحزب بات بعيداً جداً من التيار
في إطار منفصل، أفادت مصادر لـ"الصفا نيوز" أنّ وفداً من حزب الله سيزور هذا الأسبوع الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون في مقر إقامته في منطقة الرابية شرق بيروت.
وأكّدت أوساط تدور في فلك التيار الوطني الحر أنّ الأخير بات يعتبر أنّ حليفه الأول حزب الله ذهب بعيداً جداً، وربما بات في مكان لا يمكنه حتى الرجوع منه. في حين يكثف قادة التيار توجيهاتهم إلى الناشطين من أجل لجم لهجة تعليقاتهم القاسية التي يطلقونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الحزب وعلى شعار توحيد الساحات، الأمر الذي يمسّ المصلحة الوطنية في هذا الظرف الذي تمرّ به البلاد.