من شباط 2006 إلى شباط 2024، بلغت "وثيقة مار مخايل" بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" 18 عاماً. لكن عوض أن تبلغ "سن الرشد" بلغت سن "الشيخوخة المبكرة" Progeria، والذي يولد بهذا الاضطراب يعيش عادةً بمعدّل 15 سنة فقط. لا فعاليّات ولا تواصل ولا حتى اتصال هاتفي بين الطرفين في الذكرى هذه السنة. فالتباعد بينهما بلغ حدّاً غير مسبوق، وهما يقرّان بموت "التفاهم" عملياً و"يتعازمان" على إعلان مراسم الدفن.
البنود العشرة التي نصّت عليها الوثيقة ظلّت حبراً على ورق. خصوصاً البنود المتعلّقة بـ "قانون الانتخاب"، و"بناء الدولة"، و"المفقودين خلال الحرب" و"اللبنانيين في إسرائيل". لكن هذه الوثيقة طوال تلك السنوات وفت بالغرض الأساسي القائم على معادلة: تأمين الغطاء المسيحي لـ"الحزب" مقابل النفوذ – لا السلطة – لـ"التيار".
"التيار" غطّى "الحزب" وسلاحه في "حرب تموز" 2006، و "7 أيار" 2008، وعراضة "القمصان السود" 2011، والصعود للقتال في سوريا بدءاً من العام 2012. كما غطّى قبضته على قرار "الحرب والسلم" من جهة، وفرض إيقاعه على سياسات لبنان الخارجية وعلاقاته الدولية التي أفضت الى اشتباك مع دول الخليج. حتّى إنّ "التيار" سخّر مراراً تسلّمه وزارة الخارجية لهذه الغاية.
في المقابل، عزّز "الحزب" نفوذ "التيار" في السلطة وغضّ النظر عن كثير من سياساته وممارساته. كما نجح في إيصال الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا بعدما عبّد له الطريق عبر التعطيل الذي امتدّ من العام 2014 حتّى العام 2016 وزرعِ الشقاق في صفوف "14 آذار". ساند عهده ومدّه في الانتخابات النيابية الأخيرة بالأصوات لضمان وصول نواب له من بعلبك – الهرمل وزحلة والبقاع الغربي وصولاً إلى بعبدا وبيروت الثانية، وبالتالي محاولة حفاظ "التيار" على أكثرية نيابية مسيحية.
لكنّ "سنوات العسل" انتهت بانتهاء عهد عون على وقع حراك الشارع في "17 تشرين" والانهيار المالي والاقتصادي غير المسبوق وانفجار "4 آب" وعدم سير "الحزب" بالنائب جبران باسيل ليكون خليفة لعمّه في رئاسة الجمهورية كما هو الحال في رئاسة "التيار". ثمّ بدأ "التمنين" المتبادل بين الطرفين ولم يقتصر على جمهوريهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل شمل حتّى بعض المسؤولين فيهما ونوابهما.
ككرة الثلج راح الخلاف يتفاقم بين حارة حريك وميرنا الشالوحي. ورغم ذلك ظلّ هناك من يروّج لإمكان إنعاش "ورقة مار مخايل" من الموت السريري.
"التيار" راح يعيب "الحزب" على عدم الوقوف إلى جانبه في معركة الإصلاح ومحاربة الفساد وفي إنجاح العهد، ويذكّره أنّ باسيل دفع ثمن تحالفهما لدى إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية. في حين راح "الحزب" القلِق مع بدء الفراغ الرئاسي من المتغيّرات في المنطقة ومسار التطبيع، يجاهر بأنّ الأولوية لرئيس "يحمي ظهر المقاومة" ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية خير من يحقّق ذلك مستبعداً باسيل.
ككرة الثلج راح الخلاف يتفاقم بين حارة حريك وميرنا الشالوحي. ورغم ذلك ظلّ هناك من يروّج لإمكان إنعاش "ورقة مار مخايل" من الموت السريري. إلّا أنّ "حرب غزة" خلطت كلّ الأوراق وزادت من تصلّب "الحزب" بموقفه المتمسّك بفرنجية، فيما Veto باسيل عليه لم يتزحزح. غير أنّ الجديد هو موقف عون عبر الـotv لمناسبة بلوغه سنّ الـ89 في 19/2/2024، ثمّ موقف باسيل عقب اجتماع الهيئة السياسية في "التيار في 20/2/2024.
عون ناقض جهاراً مواقف "حزب الله" التي تتبنّى "وحدة الساحات" وتربط مصير لبنان بغزّة، وتؤكّد أن فتح جبهة الجنوب هو خطوة استباقية لاعتداء إسرائيلي محتّم. قال الجنرال بالفم الملآن: "لسنا مرتبطين مع غزّة بمعاهدة دفاع ومن يمكنه ربط الجبهات هو جامعة الدول العربية، لكنّ قسماً من الشعب اللبناني قام بخياره (...) القول إنّ الاشتراك في الحرب استباق لاعتداء إسرائيلي على لبنان هو مجرّد رأي والدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده".
باسيل، وإن أثنى على الإيجابية في بعض الكلام الأخير للسيد حسن نصرالله، وأشاد بـ"الحكمة و"الجرأة" في مواقفه التي أظهرت الحرص على لبنان، رفض "تحميل لبنان مسؤولية تحرير فلسطين"، مما يعني رفض سقوط "شهداء على طريق القدس". كما أكّد أنّ "التيار ليس مع وحدة الساحات أي ربط لبنان بجبهات أخرى، وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة". كذلك، أكّد باسيل "رفض التيار أن يجرّ لبنان إلى الحرب من دون أن يعني ذلك الاستسلام لإسرائيل، أو خوفاً من الحرب إذا فرضت على لبنان".
موقفا عون وباسيل، اللذين لم يخفيا الامتعاض من موقف "الثنائي" الشيعي من الملف الرئاسي، قد يشكّلان "رصاصة الرحمة" على "ورقة مار مخايل" بصيغتها الحالية. فإن عكسا سحب الغطاء عن ممارسات "الحزب" من التفّرد بفتح جبهة الجنوب إلى ربط لبنان بساحة "محور الممانعة"، ألا يكون قد تأخّر "التيار"؟ C’est déjà trop tard... أم هي مناورة جديدة والعين على كرسي الرئاسة في بعبدا؟