مقترحٌ رسمي جديد لمعالجة الانهيار المستمرّ منذ خمس سنوات أبصر النّور أخيراً. قبل أيام تسرّب في الإعلام مشروع القانون المتعلّق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها. وممّا يظهر في المشروع الواقع في ستين صفحة أنّه جمع توزيع الخسائر، مع تصنيف الودائع، وهيكلة المصارف، وتسديد القروض، ومعالجة حقوق الدائنين. و"سترمى" هذه المسودّة في يد النواب لـ"يخربشوا" عليها ما أرادوا، قبل أن "يبيّضها" أصحاب المصالح ويخرجوها قانوناً نافذاً.
عيون المودعين تخطّت سريعاً في القراءة الأوّلية التعريفات وإعادة الهيكلة، وشخصت إلى القسم الثاني المتعلّق بتصنيف الودائع المصرفية ومعالجتها. وعلى الرّغم من الارتباط العضوي بين سلامة القطاع المصرفي وعافية المصرف المركزي ومصير الودائع، فإنّ حرقة المودعين على أموالهم المحتجزة، غلبت "برودة الأعصاب" للتطلّع إلى الفخاخ المنتشرة بكثرة في هذا المشروع والتي تؤدّي إلى استمرار حرمانهم من أموالهم فعلياً.
تصنيف الودائع
قسّم مشروع القانون الودائع إلى ثلاثة أنواع:
الأول: ودائع مستثناة من المعالجة وتعاد بقيمتها الحقيقة كاملة في أيّ وقت يطلبها المودع. وتتضمّن كلّ الأموال الجديدة (Fresh Funds) الموضوعة بالدولار بعد 17 تشرين الأول 2019، والودائع بالليرة، والودائع لدى فروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان.
الثاني: الودائع المؤهّلة. وهي كلّ الودائع الموجودة بالعملات الأجنبية قبل تاريخ 17 تشرين الأول 2019. والودائع بالدولار التي حولت من مصرف لآخر بقيمة لا تتجاوز 100 ألف دولار.
الثالث: الودائع غير المؤهّلة. وتتضمّن كلّ الودائع التي حوّلت من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019. والودائع المكونة بعد التاريخ الأخير من خلال شيكات مصرفية أو تحاويل (فوق 100 ألف دولار).
المبلغ المحمي من الودائع
بحسب هذا التصنيف:
يعاد 100 ألف دولار من الودائع تدريجياً خلال فترة تراوح بين 10 و15 سنة، وبمبالغ شهرية تبدأ بـ 300 دولار وتنتهي بـ 800 دولار. وذلك بعد حسم المبالغ المسدّدة سابقاً.
يعاد 38 ألف دولار من الودائع غير المؤهّلة في فترة زمنية تراوح بين 10 و15 سنة وتدفع بمبالغ شهرية بعد حسم المسدّد سابقاً، تبدأ بـ 200 دولار شهرياً وتنتهي بـ 400 دولار.
الودائع غير المحمية
كلّ ما عدا هذه المبالغ التي ستسدّد نقداً، ستعاد هيكلتها على الشكل التالي:
يحسم من الودائع المؤهّلة التي تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار فائض الفوائد التي تفوق 1 في المئة التي دُفعت منذ 2015. ومن بعدها تُعتمد واحدة من الطرائق التالية:
تحويل جزء من الوديعة (بين 100 و500 ألف دولار) إلى الليرة، واحتساب سعر صرف سحبها على أساس 20 في المئة من سعر الصرف المعتمد في السوق. مثلاً تسحب على سعر 17900 ليرة على سعر صرف اليوم 89500 ليرة. وبـ"هيركات" 80 في المئة.
تحويل المبالغ التي تفوق 500 ألف دولار إلى أسهم في المصرف عبر طريقة Bail In، وتحتسب كلّ 5 دولارات 1 دولار. ما يعني أنّ 100 ألف دولار تساوي 20 ألف دولار من الأسهم. أي أنّه سيلحقها "هيركات" بـ 80 في المئة أيضاً.
تحويل المبالغ فوق 500 ألف دولار إلى سندات ووضعها في صندوق استرداد الودائع.
أمّا بالنسبة إلى الودائع غير المؤهّلة التي تتجاوز 36 ألف دولار فستُعتمد الطرائق التالية:
تحويلها إلى الليرة وتسديدها على أساس 20 في المئة من سعر الصرف.
تحويلها إلى أسهم في رأسمال المصرف على أن تساوي كلّ 10 دولارات محلّية قيمة 1 دولار. أي مبلغ 100 ألف دولار يحتسب 10 آلاف دولار. وبـ"هيركات" 90 في المئة.
تحويلها إلى سندات ووضعها في صندوق استرداد الودائع.
تبرّأ الجميع من تبنّي مشروع إعادة الانتظام المالي وهيكلة المصارف
أفضل الممكن
تعدّ هذه الخطة "أفضل ما يمكن التوصّل اليه، على الرّغم من الحاجة إلى توضيح العديد من النقاط الغامضة. وتحديداً في ما يتعلّق بصندوق استرداد الودائع"، بحسب الخبير المصرفي رئيس مجلس إدارة I&C Bank،جان رياشي، و"لهذا لن يوافقوا عليها. وسيعودون إلى نغمة "قدسية الودائع" ليسقطوها، كما أسقطوا كلّ الخطط التي سبقتها. مع العلم أنّ الأموال، أي الودائع، لم يعد لها وجود مادي وحسّي، وأنّ مصرف لبنان لا يملك المقدرة على ردّ أموال المصارف. ما يحتّم التعويض على المودعين بطريقة مختلفة".
على الرّغم من حماية الودائع حتى 100 ألف دولار بالنسبة إلى المؤهّلة، و36 ألف دولار لغير المؤهّلة، و"ليلرة" المبالغ المتبقّية أو تحويلها إلى أسهم وسندات، فإنّ "كلّ أصول المصارف مع التوظيفات في مصرف لبنان"، لا تكفي لتغطية الالتزامات"، برأي رياشي. و"ستُسدد على مراحل تصل إلى 15 سنة، وبعد تصفية مصارف في الخارج وتسييل عقارات".
أهمّية الطريقة التي عولجت بها الودائع بصفتها "التزامات" على المصارف، هي بتخفيفها منها. إذ لا يمكن من وجهة نظر رياشي "استعادة عافية القطاع المصرفي، بصفته محرّكاً للنشاط الاقتصادي، مع بقاء هذا الكمّ من الالتزامات عليه. وما فعلته الخطّة هو نقل هذا العبء عن كاهل الدولة ووضعه في صندوق استرداد الودائع. على الرّغم من أنّ هذا الأخير بحاجة إلى العديد من الإيضاحات".
الجانب الإصلاحي في المشروع
الخطّة قد لا تمرّ. وكما أسقطت الخطط السابقة، سيسعى كثير من النواب لإسقاطها. ليس لكونها سيئة للمودعين، إنّما لكونها تلحق خسائر كبيرة بالمصرفيين وتحتّم محاسبتهم وملاحقة الموظفين الفاسدين. فهي تضمّنت شطب الأموال المشبوهة، وإلزامية تبرير مصادر الأموال الموجودة في الحسابات. وملاحقة الموظفين الذي يتجمّع في حساباتهم أكثر من 300 ألف دولار، وإعادة الأموال المحوّلة بعد 17 تشرين الأول، وضخّ أصحاب المصارف أموالاً جديدة للحفاظ على مصارفهم، ولكي لا تتمّ تصفيتها وتنفيذ الحجز الاحتياطي. وستُحارب تحت عنوان كبير هو "حماية الودائع وقدسيتها". إنّما الظروف اليوم قد تكون "غير مؤاتية لاستعمال هذا السلاح. فمنسوب الوعي عند المودعين وبعض السياسيين ارتفع". والبديل من هذه الخطة بالنسبة إلى المودعين سيكون استمرار الترقيع بالتعاميم وخسارة ودائعهم، في حين أنّ تنفيذ الخطّة قد يعوّض جزءاً من الخسائر ولا سيّما إذا ترافقت مع إصلاح اقتصادي واستعادة النمو والازدهار. ومن الممكن أن تتغيّر الكثير من التفاصيل مع الوقت. وبحسب رياشي، فإنّ السير بهذه الاصلاحات يتطلّب قراراً دولياً حاضناً، وحكومة قوية قادرة لفرضها بالقوّة، لأنّها لن تنّفذ بطيب خاطر.
كما تقرأ الرسالة من عنوانها، تبرّأ الجميع من تبنّي مشروع إعادة الانتظام المالي وهيكلة المصارف. وأحسن ما قد يلاقيه هو تعديلات برلمانية تغيّر كلّ معانيه، هذا إذا استكانت المحاولات للتخلّص منه عبر وأده منعاً لاستجلاب عار المحاسبة.