لن يكون الطريق إلى البيت الأبيض سهلاً لأي من المرشحيْن المتنافسيْن المفترضيْن: الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، ولا للمرشحة الجمهورية الأخرى الوحيدة التي لا تزال تنافس ترامب نيكي هايلي. ستحاول هايلي كسب مندوبي ولايتها ساوث كارولاينا للمؤتمر العام للحزب الجمهوري الصيف المقبل لاختيار مرشحه. وتجرى الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولاينا في الرابع والعشرين من هذا الشهر.
لكنّ الواقع أنّ الطريق إلى البيت الأبيض لم يكن يوماً سهلاً لأحد: فترامب يواجه سلسلة من المشاكل القانونية بعدما رفعت عليه عدّة دعاوى جزائية.
وبايدن يعاني من تراجع حادّ في شعبيته خصوصاً بعد تأييده المطلق لإسرائيل في غزّة، ومن آثار حملة جمهورية طويلة الأمد عليه تصوّره عجوزاً شديدَ التلعثم في الكلام وصاحبَ ذاكرة لا تلبّي دائماً.
الطريق إلى البيت الأبيض لم يكن يوماً سهلاً لأحد
إستراتيجية هايلي
تحاول هايلي الاستمرار في ترشحها إلى الخامس من آذار على الأقلّ، موعد إجراء الانتخابات التمهيدية في خمس عشرة ولاية، وهو ما يطلق عليه اسم "الثلاثاء العظيم" أو "سوبر تيوسداي". نتائج الانتخابات التمهيدية في هذه الولايات تعطي فكرة واضحة عن عدد المندوبين الذين جمعهم كلّ مرشّح، وعادة ما توفّر مناسبة لأي مرشّح متأخّر لإعلان انسحابه وتجيير المندوبين الذين جمعهم إلى مرشّح آخر. وهي تحاول جاهدة أن تواجه ترامب في مناظرات تلفزيونية لا يزال يرفضها، معتقدةً أنّها قادرة على كسب تأييد الجمهوريين، على الأقلّ المعتدلين منهم، وأنّها قادرة على فضح "زيف المقوّمات" التي يرتكز إليها ترامب، وهزّ صورته لدى قسم من النواة الصلبة المؤيّدة له.
إستراتيجية ترامب
تقوم إستراتيجية ترامب على استمرار إنكار خسارته في انتخابات 2020 والتأكيد أنّها سُرِقت منه بالتزوير والتلاعب بطريقة فرز الأصوات في آلات الانتخاب الإلكترونية، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، والتي استطاع فيها بايدن قلب النتائج لمصلحته. ويستمر ترامب في تكرار هذه الادّعاءات في حملته الانتخابية رغم أنّه خسر سبعاً وستين دعوى قضائية زعم فيها أنّ النتائج زُوِّرت لمصلحة غريمه، ورغم أنّ محكمة حكمت عليه بدفع أكثر من سبعمئة وخمسين مليون دولار عطلاً وضرراً للشركة التي تصنّع الآلات الإلكترونية للانتخاب موضوع شكواه.
ويقوم الجزء الثاني من إستراتيجية ترامب على المماطلة وكسب الوقت لتأخير موعد انعقاد جلسات المحاكمة في الدعاوى الجزائية الثلاث المرفوعة عليه إلى ما بعد الانتخابات، اعتقاداً منه أنّه سيربحها وسيعيّن وزيراً للعدل يُسقِط كلّ تلك الدعاوى. وأولى هذه الجلسات التي كانت ستبدأ في شهر آذار المقبل هي الدعوى التي اتُّهم فيها بالتحريض على العصيان المسلّح وعرقلة انتقال السلطة انتقالاً سلميّاَ. وأغلب الظنّ أنّها ستؤجّل بانتظار قرار المحكمة العليا.
التطوّر المهم الذي طرأ على هذه القضية هو التئام المحكمة العليا الأميركية يوم الخميس الماضي للاستماع إلى حجج ولاية كولورادو التي منعت محكمتها العليا إدراج اسم ترامب على قوائم المرشحين الرئاسيين في الولاية، بعدما قضت أنّه حرّض على العصيان وخالف التعديل الرابع عشر للدستور. استغرقت جلسة الاستماع ساعتين ونصف الساعة سأل فيها القضاة التسعة (ستة محافطين وثلاث ليبراليات) أسئلة ركّزت على النتائج المحتملة – والفوضى الدستورية – للسماح لولاية أو مجموعة ولايات بالتأثير في انتخابات فدرالية. ركّز النقاش على مسائل قانونية ولم يتعرّض لوقائع القضية التي استندت إليها الولاية للوصول إلى حكمها سوى القاضية كيتانجي براون جاكسون. وقد أعطى هذا انطباعاً أنّ المحكمة التي ستعود إلى الالتئام الأسبوع المقبل، تميل إلى فسخ قرار محكمة كولورادو. وقد بدأ ترامب استغلال الجو العام الذي خلقته أسئلة قضاة المحكمة العليا في حملته الانتخابية.
أمّا الجزء الثالث من إستراتيجية ترامب فيقوم على استغلال هيمنته على الحزب الجمهوري، وخصوصاً أعضاءَ مجلس النواب، لتعطيل أيّ اتفاق مع النواب الديمقراطيين على القوانين. ويعتقد أنّه بتعطيل قدرة الرئيس بايدن على إصدار القوانين يسحب منه عنصراً أساسياً من عناصر حملته الانتخابية. وقد نجح ترامب إلى الآن في تعطيل مشروع قانون لضبط الحدود مع المكسيك، وهو لا يزال يضغط لتعطيل مشروع قانون تخصيص مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا. وقد أقرّ مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية الضيّقة مشروع قانون خصّص مساعدات لإسرائيل فقط. وسيسقط هذا المشروع في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.
إستراتيجية بايدن
ويواجه ترامب قراراً آخر من المحكمة العليا، وهو النظر في قرار محكمة الاستئناف الفدرالية في واشنطن العاصمة الذي قضى بأنّ ترامب – الرئيس – لا يتمتّع بحصانة مطلقة على الأعمال التي قام بها في أثناء ولايته، فكيف به رئيساً سابقاً.
وهذا سيكون جزءاً أساسياً من إستراتيجية بايدن التي تقوم على خلق صورة جديدة عمادها ما أنجزه في عهده وتخويف الناخبين من احتمال عودة ترامب محذّراً: "جرّبتموه وندمتم، فهل ستعطونه فرصة ثانية؟"
لكنّ بايدن مني بنكسة كبيرة يوم الخميس الماضي. فقد أصدر روبرت هور المحقق الخاص الناظر في حيازته وثائق سرّية في مرآب منزله في ولاية ديلاوير تعود إلى فترته نائباً للرئيس تقريره معلناً عدم ملاحقة بايدن. لكنّه قال إنّ ذاكرة الرئيس أصبحت ضعيفة وتخونه في أحيان كثيرة: "لم يتذكر في أي سنة انتهت ولايته نائباً للرئيس ولم يتذكّر أيضاً متى توفّي ابنه بو". وفيما شكّل هذا الجزء من التقرير وقوداً لتعميق الهجوم على بايدن بسبب سنّه، استشاط الرئيس غضباً وعقد مؤتمراً صحافيا دعا إليه على عجل للرد على التقرير. لكنّه وقع في خطأ قاتل حين تحدث عن الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلآً إنه "رئيس المكسيك".
بيد أنّ ترامب ليس غريباً أيضاً عن خذلان الذاكرة. فقد خلط بين منافسته الجمهورية نيكي هايلي ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، ثم أطلق على رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان لقب "رئيس تركيا".
وفي غياب المنافسة الديقراطية لبايدن سيوظّف الرئيس كلّ وقته للحملة الانتخابية لكنّه سيكون بحاجة ماسّة إلى إنجاز. هذا الإنجاز لا يمكن أن يأتي إلّا من الشرق الأوسط أو من أوكرانيا، باعتبار أنّ أيّ إنجاز في الكونغرس أصبح رهناً بإرادة ترامب.
ولا شكّ في أنّه أيضاً سيستمرّ في النفخ في جمر الدعاوى المسلّطة على ترامب ظنّا منّه أنّها قد تزيل بعض العقبات من أمام ولاية ثانية.