بأغلبية أربعة أصوات لثلاثة أصدرت المحكمة العليا في ولاية كولورادو يوم الثلاثاء حكماً لا سابق له، قضى بمنع الرئيس السابق دونالد ترامب من الترشّح في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية في الولاية. واستندت المحكمة في حكمها على التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي الذي أقرِّ العام 1868، أي بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب الأهلية، والذي يمنع كل من انخرط في محاولة عصيان مسلح من الترشح لأيّ منصب حكومي. وجاء في الحكم إنّ "الأغلبية في المحكمة وجدت أنّ الرئيس ترامب ليس مؤهلا لتولّي منصب الرئيس، بموجب الفصل الثالث من التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي." أضاف: "وبما أنّه عديم الأهلية، سيكون من الخطأ وفق قانون الانتخاب في ولاية كولورادو أن يسمح ناظر الولاية بوضع اسمه على قائمة المرشّحين للانتخابات التمهيدية."
وقد قدّم الدعوى ستة ناخبين عاديين جمهوريين ومستقلّين في كولورادو لمنع ضمّ اسم الرئيس السابق على قائمة المرشحين في الولاية لأنّه يخالف الفصل الثالث من التعديل الرابع عشر. لكن قاضية المقاطعة ساره والاس قضت بأنّ الرئيس ترامب انخرط فعلاً في العصيان، لكنّ هذا الفصل لا يسري على المرشحين للرئاسة. فاستأنف الرئيس ترامب جزءاً من الحكم المتعلّق بانخراطه في العصيان، فيما استأنف المدّعون الستة جزء الحكم المتعلّق بعدم انطباق القانون على المرشّحين للرئاسة. وهكذا نظرت المحكمة العليا للولاية في الاستئنافين فأبقت على معظم حكم القاضية والاس لكنّها نقضت الفصل المتعلّق بعدم انطباق التعديل على المرشّحين الرئاسيين.
لكنّ المحكمة علّقت تنفيذ هذا الحكم حتّى الرابع من كانون الثاني المقبل ليتسنى للمحكمة العليا للولايات المتحدة النظر في القضية ومراجعة الحكم تأييداً أو فسخاً. والرابع من كانون الثاني 2024 هو انتهاء المهلة التي يقفل فيها وضع أسماء المرشحين في الانتخابات التمهيدية في ولاية كولورادو.
وقد فشلت محاولتان مماثلتان لمنع ضم اسم ترامب في ولايتي مينيسوتا وميشيغان، إذ قرّر القضاة الناظرون في القضيتين المرفوعتين في هاتين الولايتين أنّهم لا يملكون صلاحية النظر فيهما.
وإذا قبلت المحكمة العليا الفدرالية النّظر في هذه القضية فسيكون أمامها قضيتان شديدتا الأهمية متعلّقتان بالرئيس ترامب. فقد طلب ترامب من المحكمة العليا الفدرالية أن تبطل الدعوى الجرمية التي رفعها عليه المحقّق الخاص المستقلّ جاك سميث المتعلقة باقتحام الكونغرس، مدّعياً أنّه يتمتع بالحصانة من القضايا الجرمية لأنّه كان رئيساً للبلاد. وقد دأبت وزارة العدل على تطبيق المبدأ القائل بأنّها لا تقاضي الرئيس خلال عهده لأنّه يتمتّع بالحصانة. لكن ما هو مختلف هنا هو أنّ الرئيس ترامب لم يعد في الحكم، والدعوى المرفوعة ضدّه هي من المحقق الخاص، وقد قدّمها بعد ثلاث سنوات من انتهاء عهد ترامب.
وقد طلب سميث من المحكمة العليا قبول طلب ترامب والبتّ به سريعا. فإن قررت المحكمة الفدرالية العليا أنّ الرئيس ترامب كان يتمتّع بالحصانة عمّا قام به وهو يحاول قلب نتائج الانتخابات ومنع الرئيس جو بايدن من تولّي مهام الرئاسة، وقد أكد مراراً أنّه لم يقم بأيّ شيء مخالف للقانون، فستسقط هذه الدعوى ومن المرجّح أن تسقط الدعاوى الأخرى.
الرئيس ترامب ليس مؤهلا لتولّي منصب الرئيس، بموجب الفصل الثالث من التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي
وقد أثار قرار المحكمة العليا لولاية كولورادو ردود فعل واسعة، منها المرحّب ومنها الساخر ومنها الحانق المستهجن. وتتألّف المحكمة من سبعة قضاة عيّنهم جميعا حكام ديمقراطيون للولاية. وقد اعترض ثلاثة منهم على الحكم الصادر، وهذا ليس بقليل. أمّا الجمهوريون، سياسيين ومحللين قانونيين، فقد وقفوا ضد هذا الحكم قائلين إنّ المسألة مسألة سياسية يقرّر فيها الكونغرس وليست حقوقية تترك للمحكمة. وعلّق المرشح الجمهوري للرئاسة حاكم ولاية نيو جرزي السابق كريس كريستي على الحكم قائلاً إنّه يفضّل أن يبتّ الناخبون هذه القضية وليس المحاكم.
ويجمع المحللون القانونيون الأميركيون على أن القضيتين المتعلّقتين بالرئيس ترامب معقدتان لأنّها المرة الأولى التي تدعى فيها المحكمة الفدرالية العليا إلى شرح التعديل الرابع عشر وتحديد معنى العصيان المسلّح وشروطه وتقرير ما إذا كان الرئيس ترامب قد ارتكب العصيان أو حرّض عليه. وهي المرة الأولى أيضاً التي تدعى فيها إلى الفصل في حصانة الرئيس.
ومع ذلك يبقى ترامب المرشّح الأول للجمهوريين، وهو لا ينفكّ يستخدم القضايا المرفوعة عليه لإثارة مشاعر المحافظين ضد سياسات الرئيس جو بايدن، وخصوصا الحرب في أوكرانيا وضغط الحكومة الأميركية على إسرائيل لوقف قصفها المدمّر لغزّة وعدم حماية المدنيين، وسياسة الهجرة. وفي هذا السياق استخدم ترامب خطاباً عنيفاً ضدّ الهجرة وصفته الصحافة الأميركية بأنّه إغراق في العنصرية.
ففي الخامس عشر من كانون الثاني المقبل تستهلّ الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في ولاية أيوا، وتظهر استطلاعات الرأي كلّها أنّ ترامب يتصدّر قائمة المرشحين مع فارق كبير يفوق مجموع النسب التي حصل عليها منافسوه.
استراتيجية ترامب تركّز على تأخير انعقاد جلسات المحكمة حتّى ما بعد الانتخابات، معتقداً أنّه بتوظيفه ما يقول إنّها مؤامرة عليه لاغتياله سياسياً، سيفوز في الانتخابات وهذا سيؤدّي إلى سقوط كلّ الدعاوى المرفوعة عليه.
أمّا الرئيس الحالي ومنافسو ترامب من الجمهوريين، فينتظرون قرارات المحاكم في تلك الدعاوى ويتمنّون لو أنّ قضية واحدة على الأقلّ تنتهي قبل الانتخابات بإدانة ترامب.