يبدو للوهلة الأولى أنّ ما يحصل أخيراً من نشاط غير معهود على أكثر من صعيد وعلى مستوى أكثر من سلطة، وكأنّه للحؤول دون تمدد الفراغ إلى المؤسسات المختلفة مع انتهاء ولاية هنا واستقالة هناك، إلّا أن الواقع يقول إنّ ما يحصل هو تأكيد على استمرار الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى من دون بوادر جلسة انتخاب قريبة في الأفق.
هكذا تصبح قراءة المشهد ومستجدّاته مختلفة لجهة محاولات تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون في المجلس النيابي أو في الحكومة، بمفرده أو بمعيّة شاغلي مواقع ومناصب أخرى. فالتمديد يأتي نتيجة عجز عن تحقيق خرق في موضوع تحديد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، بما يعني هذا الأمر من انتقال من مرحلة المراوحة في ظلّ حكومة تصريف أعمال إلى إطلاق قطار العمل التنفيذي مع حكومة جديدة. حكومة تمثّل تطلّعات المجلس النيابي الجديد الذي لم يحظ حتّى اللحظة بفرصة تسمية رئيس مكلّف لتشكيل حكومة رغم انقضاء ما يزيد على السنة ونصف السنة على انتخاب أعضائه.
موقع حاكم مصرف لبنان ومنذ انتهاء ولاية شاغله الحاكم السابق رياض سلامة ينتظر انتخاب رئيس للجمهورية وبالانتظار يقوم نائبه الأول بمهامه بالإنابة، وكذلك الأمر بالنسبة لمدير عام الأمن العام مع انتهاء ولاية اللواء عباس إبراهيم الذي خلفه في المنصب العميد الياس البيسري بالوكالة. ولكنّ البعض ارتأى أن يكون مصير قائد الجيش العماد عون مختلفاً، ما يدفع إلى السؤال هل من توافق بين داعمي التمديد أو تأجيل التسريح على إطالة أمد الفراغ الرئاسي أو أنّهم وبكلّ بسطة سلّموا بأن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور. وأنّ التمديد لعون الذي يرى فيه بعض الخارج ولاسيما اللجنة الخماسية الدولية المعنية بمتابعة مصير البلاد والعباد مرشّحاً رئاسياً قوياً يخسر من شعبيّته وتأثيره في حال خروجه من موقعه قبل موعد الانتخابات. وهذا الأمر بالتحديد ما يعنيه عدم حماسة الثنائي الشيعي إلى التمديد لعون، خصوصاً وأنّ الثنائي يرى فيه منافساً لمرشّحه سليمان فرنجية. كما أنّ حزب الله يحاول الإيحاء لحليفه التيار الوطني الحر المعارض للتمديد أنّه يسانده في موقفه هذا ولو من دون إعلان مسبق.
تمديد هو إذا تجنّباً لفراغ في بعض المواقع لكنه يحمل تكريساً لفراغ أكبر على مستوى الوطن.
وينطلق البعض في لبنان في مقاربة ملف قيادة الجيش من بوّابة الصلاحيات. وانتشرت الكثير من الدراسات والاجتهادات والمبررات بعضها يتناقض مع بعضها الآخر في ظلّ دستور لا تزال تفاصيل تعديلاته عالقة في أدراج الرئيس السابق لمجلس النواب الراحل حسين الحسيني. من يقول بالتمديد في المجلس التشريعي ومن يقول في الحكومة وبموجب كتاب من وزير الدفاع وبين من يقول بإمكاني مخالفة وزير الدفاع وبين من يقول أن الحكومة أصلا حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق وبين من يقول أن دور المجلس النيابي ينبغي أن يكون هيئة انتخابية لا تشريعية. ويضاف إلى كل هذا مواقف الأحزاب السياسية ورغباتها ولو من باب المصلحة الخاصة أو العامة، كما دور الخارج الذي سبق وأشرنا إليه.
وننتقل من هذه المعطيات جميعها إلى مسألة لا تقلّ أهمّية وهي برسم من يبحث في الدستور عمّات يبرر التمديد لولاية قائد الجيش، وهو السؤال المتصل بموقفه عند ترشيح قائد الجيش إلى موقع الرئاسة بما يخالف الدستور، الذي يقول بعدم جواز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها طيلة مدّة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد. ولكن لا بأس ورغم موقف سابق لرئيس المجلس النيابي نبيه بري بهذا الخصوص إلّا أنّه وكما جرت العادة زمن الوصاية السورية كانت العبارة السحرية "يُعدّل استثنائياً ولمرّة واحدة" ما سمح بتعديلات كثيرة وفي محطات مختلفة وغالباً ما كانت لمصلحة أشخاص دون غيرهم ودون إجماع أو استفتاء يعطي ولو مشروعية شعبية لهكذا تعديلات. ولكنّنا في هذا الشرق لا نحتاج سوى لمبعوث رئاسي غربي يزورنا بين الحين والآخر ليبلغنا برغبات الدول السامية وما علينا سوى تلبيتها. ولا يجوز نكران ما تحقّق على الصعيد الوطني بعدما انتفت الحاجة إلى الوصي على لبنان وأسلوبه بنقل الرسائل الخارجية إلى الداخل، فها نحن بلغنا سن الرشد وأصبحنا نلتقي المبعوثين بأنفسنا.
تمديد هو إذا تجنّباً لفراغ في بعض المواقع لكنه يحمل تكريساً لفراغ أكبر على مستوى الوطن.