نجح "الحزب" بإلزام اللبنانيين بمعادلة "التفرّد بالقرار - الشراكة بالتداعيات"
لطالما سعى "حزب الله" إلى تحصين واقعه داخلياً وإضفاء بعد وطني على حركيته عبر رفع ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". لكن عند كلّ مفصل يتظهّر أنّها ليست سوى أُحادية قائمة على تفرّد "المقاومة" بشكل فاقع بقراراتها من دون التنسيق مع "الجيش" أو الرجوع إلى الشعب عبر ممثّليه الذين منحهم ثقته في صناديق الاقتراع. إلّا أنّ تفرّده بالقرارات يقابله إصرار على الشراكة بالتداعيات يلامس حدّ الفرض.
نجح "الحزب" بإلزام اللبنانيين بمعادلة "التفرّد بالقرار - الشراكة بالتداعيات" عبر إقرار مجلس الوزراء يوم الأربعاء 29/11/2023 من خارج جدول الأعمال مبدأ التّعويض على المتضرّرين مالياً وجسدياً جرّاء الإعتداءات الإسرائيلية منذ 8 تشرين الأول الفائت على البلدات الجنوبية. لقد استجاب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لرغبة "الحزب" التي تولّى نقلها إليه النائب حسن فضل الله. مع الإشارة إلى أنّ ميقاتي كان سارع في 13/10/2023 إلى القول إنّ قرار الحرب والسلم ليس بيديه ولا بيد الحكومة. فهو يجول على العواصم مشدّداً على أنّ ما ينطبق عليه كحكومة جنوباً هو "شاهد ما شفش حاجة".
هذا التفرّد يتكامل مع تنصّل "الحزب" من الوعود ولائحة الوقائع تطول. منها على سبيل المثال وعد أمينه العام السيد حسن نصرالله لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة على هامش طاولة الحوار في ساحة النجمة ربيع العام 2006 أنّ "لبنان سيشهد صيفاً هادئاً" ما يكسبه موسماً سياحياً مزدهراً، لتأتي عملية خطف جنديين إسرائيليين وتشعل "حرب تموز". بعدها أطلّ نصرالله في مقابلة مساء الأحد 27/8/2006 ليخفّف من هذا التنصّل عبر قوله إن "قيادة "حزب الله" لم تتوقّع ولو 1% أنّ عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنّه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل... لو علمت أنّ عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعاً".
مثل آخر هو موافقة "حزب الله" على "إعلان بعبدا" الذي صدر في 11/6/2012 عن هيئة الحوار الوطني التي عقدت في القصر الجمهوري برئاسة العماد ميشال سليمان، قبل أن يتنصل من هذا الاعلان على لسان رئيس كتلته النائب محمد رعد في 14/8/2013 حيث قال إنّ "إعلان بعبدا ولد ميتاً ولم يبق منه إلّا الحبر على الورق".
"التفرّد" و"التنصّل" لا يُسقطان حقّ المواطنين على دولتهم بالتعويض عليهم، ولكن ثمّة واجب عليها أيضاً هو حمايتهم من مغامرات "حزب الله" ولعبه على حافّة الحرب الشاملة ما يجنّبهم الأضرار والتعويضات.
كما كان شعار "الثنائي" يوماً "عدم العودة إلى ما قبل 1982"، فليكن الشعار اليوم عدم العودة إلى ما قبل العام 2006 والقرار 1701.
فلماذا على اللبنانيين سداد فواتير حروب لم يُستشاروا بها؟!!
لماذا عليهم الخضوع لرغبات من يبدّي الأمّة على الوطن؟!!
لماذا يفرض عليهم السيد نصرالله في إطلالته في 11/11/2023 أن "يبقى الكلام في لبنان للميدان" وأن "تبقى جبهة جنوب لبنان جبهة ضاغطة"، بينما يبرّر لحليفه بشار الأسد عدم تحريك جبهة الجولان عمليّاً بقوله "لا أعتقد أنّ هناك أحداً يطالب سوريا بتقديم أكثر ممّا تقدّمه وهي التي تخرج من حرب كونية وتقاتل داعش بحماية أميركية… الموقف السياسي السوري حازم وواضح ورغم ظروفها الصّعبة تحتضن سوريا المقاومين وتتحمّل تبعات هذا الموقف"؟!! أليس لبنان غارقاً بانهيار غير مسبوق كونياً وما زال يلملم جراحه من انفجار "4 آب" أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث؟!!
في الأساس، كيف لحكومة عاجزة عن تأمين الأدوية للأمراض المزمنة بما فيها أدوية السرطان، وتتخبّط بعجز بقيمة نحو 40 تريليون ليرة في موازنة 2023 وكذلك في موازنة 2024 أن تدفع تعويضات؟!! في الأساس، ما منسوب الثقة بشفافية واستقامة "صندوق الجنوب" وهو مع "صندوق المهجرين" و"مجلس الإنماء والاعمار" يشكّلون ثلاثية لطالما طاردتها علامات استفهام حول الزبائنية والهدر والفساد؟!!
ربّما على لبنان التوقّف عن الخضوع لابتزاز القيام بواجبه كدولة في التعويض عن مواطنيه أو أقلّه تصنيف المتضررين بين من لا يسأل عن الدولة وسلبها حرّية قرار الحرب والسلم ويتباهى بالقول "فدا السيد" فيطلب منه أن ينال من الأخير تعويضاً وبين من يناشد الدّولة بعدم إقحامه وبلداته بـ"مساندة" "حزب الله" لغزة، فيقدّم له التعويضات ويعكس الآية عبر مطالبة فضل الله وحزبه بتسديدها.
خلال ما عرف بحرب المخيّمات التي امتدّت بين أيار1985 وتموز 1988، رفعت حركة "أمل" بزعامة الرئيس نبيه بري شعار عدم العودة إلى ما قبل 1982. في 5/11/1988 عبّر المسؤول الإعلامي للحركة في الجنوب المحامي ملحم قانصوه بوضوح عن مفهوم عدم العودة الى ما قبل 1982 بقوله: "إنّهم يريدون تحت شعار مقاتلة إسرائيل عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 1982 الذي أدى إلى احتلال اسرائيل للجنوب ووصولها إلى بيروت". الأهم أنّ "حزب الله" وافق على هذه المعادلة، فاتفاق دمشق بينه وبين حركة "أمل" في 30/1/1989 نص في البند 11 على: "عدم العودة الى الوضع الذي كان سائداً قبل العام 1982 في جنوب لبنان".
اليوم، لوضع حدّ لفاتورة الدم في الجنوب أولاً وللتعويضات ثانياً، من المُلحّ التمسّك بتطبيق القرار 1701 الذي استطاع أن يؤمّن الاستقرار في الجنوب منذ العام 2006 رغم الانتهاكات المحدودة نسبياً. فلنجفّف الذرائع الاسرائيلية ولنعتصم بهذا القرار. فكما كان شعار "الثنائي" يوماً "عدم العودة إلى ما قبل 1982"، فليكن الشعار اليوم عدم العودة إلى ما قبل العام 2006 والقرار 1701.