إسرائيل لو كانت جدّية في تهديدها فإنّها لا تحتاج إلى ذريعة للهجوم على لبنان، ولكنّها غير قادرة على خوض حرب على جبهتين، ولذا هي تهدّد فقط 

60 يوماً ورقعة الحرب تتّسع من غزّة إلى لبنان، حيث لم يسلم "شبر" من القطاع منذ ما بعد انتهاء الهدنة، ليلامس عدّاد حصد الأرواح الـ16 الف شهيداً و42 الف جريح منذ بدء الحرب التي باتت تنافس كبريات الحروب دموية في التاريخ المعاصر، وسط ارتفاع الصوت في الداخل الإسرائيلي المطالب برحيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمترافق مع نشر تقارير صحافية غربية وعبرية تنبّه المحاذير من طول أمد الحرب. 

برّي يبدي انفتاحاً على كلّ الخيارات المطروحة

على الجبهة السياسية، لا تخفي المجموعة الخماسية اهتمامها بالوضع في الجنوب وتنفيذ القرار 1701 الذي أثاره الموفد الفرنسي جان ايف - لودريان مع جميع المسؤولين والقيادات السياسية والكتل والنواب الذين التقاهم الأسبوع الفائت، من زاوية الخوف من توسّع حرب غزة إلى حرب شاملة على كلّ الجبهات، الأمر الذي قد يعرّض لبنان لمخاطر كبيرة لا يمكنه تحمّلها في ظلّ الأزمة الكبرى التي يعيشها على كلّ المستويات. ولذلك طرح لودريان أن يتمّ التزام ما يقول به القرار 1701 بغية إفقاد إسرائيل أيّ حجّة لتوسيع الحرب باتّجاه الأراضي اللبنانية، خصوصاً وأنّها تتذرّع بامتناع سكّان المستوطنات الشمالية الواقعة على الحدود مع لبنان، عن العودة ما لم يزل تهديد حزب الله الموجود في تلك المنطقة، حسب ذريعتهم.

وفي هذا السياق يردّ قطب سياسي على هذه الذريعة الإسرائيلية بأنّ إسرائيل لو كانت جدّية في تهديدها فإنّها لا تحتاج إلى ذريعة للهجوم على لبنان، ولكنّها غير قادرة على خوض حرب على جبهتين، ولذا هي تهدّد فقط لأنّها تريد الخلاص من مشاغلة حزب الله واستنزافه اليومي لها في الشمال، لتتفرّغ كلّياً للاستمرار في حربها التدميرية على غزة والقضاء على حركة "حماس" وتهجير سكّان القطاع إلى سيناء المصرية، وهو ما لن يقبل به الحزب والمحور الذي ينتمي إليه، وسيستمرّ في إسناد المقاومة الفلسطينية إذا لم تتوقّف الحرب الإسرائيلية على غزّة.

ولكن على رغم ذلك، تبدي الأوساط المطّلعة على عمل المجموعة الخماسية ارتياحها إلى طريقة تعاطي حزب الله خصوصاً و"الثنائي الشيعي" عموماً حيث أنّه يتعامل بعقلانية لأنّه لا يريد توسيع الحرب، بدليل أنّه لم يخرج عن قواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار 1701، وتعوّل المجموعة، حسب أحد ديبلوماسييها، على الدور الذي لعبه وسيلعبه رئيس مجلس النواب نبيه بري سواء إزاء الوضع في الجنوب، أو حول الملفّات الدّاخلية وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي، حيث أنّه يبدي انفتاحاً على كلّ الخيارات المطروحة ويشجّع على انتخاب رئيس للجمهورية، وهو الذي يردّد دوماً أنّ المطلوب انتخاب رئيس الجمهورية الجديد أمس واليوم وغداً.

واشنطن طلبت من إسرائيل بنحو صارم عدم توسيع الحرب باتجاه لبنان

ولا يهمل هذا الديبلوماسي الموقف الإيراني المتكرّر والرافض توسيع رقعة الحرب، رابطاً ذلك بما يحصل من تفاوض بين واشنطن وطهران والذي لا بدّ أنّ الأخيرة تضع حزب الله والثنائي الشيعي عموما في أجوائه. ويقول أنّ إيران تريد الحفاظ على الحزب وتجنيب انخراطه في الحرب والإبقاء على قوّته العسكرية، في الوقت الذي تدرك أنّ لبنان في وضعه الحالي اليوم لا يمكنه تحمّل الحرب، وهي، أي طهران، تعوّل على أن تبادر الولايات المتحدة إلى لجم إسرائيل ووقف الحرب.

وفي هذا السياق ذكرت معلومات باريسية أنّ واشنطن طلبت من إسرائيل بنحو صارم عدم توسيع الحرب باتجاه لبنان، وأنّ التصرّف الإسرائيلي الميداني وعدم المبادرة إلى توسيع رقعة المواجهات مع حزب الله في الجنوب يدلّ إلى هذا الطلب الأميركي الذي تبيّن أنّه مبني على تحذير طهران لواشنطن في ضوء "الديل" الذي تمّ بينهما قبيل "طوفان الأقصى" من أنّ إسرائيل إذا لم توقف حربها ضدّ قطاع غزّة وهجماتها على جنوب لبنان وحزب الله فإنّ الحرب ستتوسّع عميقاً في المنطقة. 

على الجبهة الحدودية، تعدّ وتيرة المواجهات المتبادلة بين المقاومة وإسرائيل من الأعنف (خلال فترة ما بعد انتهاء الهدنة)، حيث تقصّدت المقاومة استهداف المكان المُطلّ في مستعمرة "مسكاف عام" الذي كان يقف فيه بنيامين نتنياهو عندما يزور الحدود الشمالية، بالإضافة إلى "شتولا، البغدادي، ميسكافعام رويسات العلم، كرم التفاح شرق ثكنة برانيت، الراهب، حرج شتولا، وقد حقّقت إصابات مباشرة في تجمّعات للجنود الإسرائيليين.

في المقابل، استهدف قصف صهيوني مناطق المجيدية، الحمامص، أطراف الخيام، عيترون، بليدا، كفركلا، العديسة، مارون الراس، يارون، عيتا الشعب والناقورة، وبعضها أكثر من مرة.

حال غزة... القسام تدمّر 28 آلية عسكرية اسرائيلية خلال 24 ساعة

في غزّة، شنّت إسرائيل خلال الساعات الماضية غارات وقصفاً عنيفاً على أحياء عدّة مكتظّة بالسكّان، كما قصفت بوابة مستشفى كمال عدوان مخلّفة عشرات الشهداء والمصابين. ومن جانبها ردّت كتائب عز الدين القسّام بقصف حشود للاحتلال كما نفذت عدة كمائن للقوات الإسرائيلية الخاصة بعدة أماكن في شمال قطاع غزة وعلى رأسها الفالوجا.

توازياً، أعلن المتحدث العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة، أنّ "مجاهدي القسام دمّروا 28 آلية عسكرية كلياً أو جزئياً في كافّة محاور القتال في قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الأخيرة".

في السياق، كشف تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنّ صاروخاً أطلقته كتائب القسام من قطاع غزة في معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول، أصاب قاعدة إسرائيلية يُعتقد أنّ فيها صواريخ ذات قدرة نووية.

وجاء ذلك، بالتزامن مع دعوة يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية، نتنياهو إلى الاستقالة بعد أن فقد ثقة الجهاز الأمني وثقة الشعب وفق تعبيره.

وقال لابيد في بيان "لقد حان الوقت لأن تعود هذه الحكومة إلى ديارها. فكلّ يوم تتفاقم الإهانة. أولئك الذين يفشلون بهذه الطريقة لا يمكنهم الاستمرار".

على خطّ آخر، قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جيمس إلدر، "إنَّ أطفال قطاع غزة يحتاجون إلى "وقف إنساني فوري" لإطلاق النّار.

وأضاف إلدر على هامش زيارة لمستشفى ناصر الطبي، بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة: "لا أملك أيّ وسيلة لوصف الفظائع التي تصيب أطفال غزة، وأدعو لهم أن يبقوا على قيد الحياة في غضون بضعة أيام".