القرار بوضع أوراق نقدية إضافية من فئة مئة ألف ليرة جديدة متمايزة عن القديمة هو "تقني بحت"
فيما كان سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية يواصل ارتفاعه الصاروخي، هابطاً بالقدرة الشرائية لليرة إلى أدنى مستوياتها، أخذ الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، القرار بتغيير شكل العملة. فقرّر في تشرين الاول من العام الماضي إصدار مئة ألف ليرة بحلّة جديدة، أصغر حجماً، توضع في التداول اعتباراً من نهاية العام الحالي. الخطوة الروتينية للمركزي بطباعة الأوراق النقدية، تحوّلت مع الإعلان عنها مؤخّراً إلى مادة للتندّر والسخرية عند العامّة، ومحطّة لطرح مجموعة من الأسئلة النقدية الجديّة عند أصحاب الاختصاص.
القرار بطباعة أوراق نقدية جديدة من فئة المئة ألف ليرة اتّخذ، بحسب ما يوضح إعلام صادر عن مصرف لبنان، في 29 تشرين الأول 2022. أي في الوقت الذي كان فيه سعر صرف الليرة مقابل الدولار بحدود 40 ألف ليرة، وبالتزامن مع تقدّم النائب زياد حواط باقتراح قانون لتعديل قانون النّقد والتسليف والسماح للمركزي بطباعة أوراق نقدية جديدة من فئات أكبر. وتحديدا من فئتي الـ 500 ألف والمليون ليرة. فما هو الدّاعي لتكبّد أكلاف إضافية على طباعة أوراق نقدية من فئة سيطويها الزمان، وهل أتى تصغير حجم الورقة النقدي إلى 135 مليمتراً طولاً و66 مليمتراً عرضاً، كاعتراف لا واعٍ بتقلّص قيمتها من 66.6 دولارا إلى 2.5 دولار، وذلك على غرار "زلّات اللسان"، عند فرويد. بحيث لا يمكن اعتبار القرار بالمحافظة عل ألوانها ونقوشها مطابقاً للقديمة باستثناء حجمها، خطأ، بل تصرفاً صادقاً، خارجاً من اللاوعي إلى التطبيق مباشرة.
مئة ألف ليرة بحلّة جديدة
بعيداً عن التشكيك، فإنّ القرار بوضع أوراق نقدية إضافية من فئة مئة ألف ليرة جديدة متمايزة عن القديمة هو "تقني بحت" بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين. "ويهدف إلى استبدال الأوراق التي يجري تلفها بشكل دوري في مصرف لبنان نتيجة تقادمها أو اهترائها أو تمزّقها". أمّا بالنّسبة إلى تغيير شكل العملة فهو "لإضافة المزيد من الأمان والحد من تزويرها". فالانتشار الكبير لفئة المئة ألف ليرة مؤخّراً نتيجة انهيار سعر الصرف، وفقدان بقية الفئات من خمسة وعشرة آلاف وعشرين ألف ليرة جدوى استعمالها، زادت إمكانية تزويرها بشكل كبير. "وللحدّ من هذه العملية يتمّ تغيير مواصفات العملة لزيادة عناصر الأمان فيها أولاً، وتصعيب عملية التزوير، وإفشال مخطّطات المزورين بوضع فئات مزورة في الأسواق"، برأي شمس الدين.
مواصفات العملة الجديدة
وبالفعل فإنّ مصرف لبنان "سيضع في التداول اعتباراً من تاريخ الأول من كانون الأول 2023 ورقة نقدية جديدة من فئة ۱۰۰۰۰۰ ل.ل. (مئة ألف ليرة لبنانية) تحمل توقيع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامه وتوقيع نائب الحاكم الأول وسيم منصوري. ولفت المركزي في بيان إلى أنّ "مواصفات الورقة النقدية الجديدة هي التالية:
- تاريخ الاصدار: إنّ تاريخ إصدار الورقة النقدية الجديدة هو 3 تموز 2023.
- القياس: إن قياس الورقة النقدية الجديدة أصغر من قياس الورقة النقدية المتداولة حالياً من الفئة عينها. بحيث يبلغ طول الورقة الجديدة ۱۳٥ مليمتراً وعرضها ٦٦ مليمتراً.
- اللون: إن لون الورقة النقدية الجديدة هو ذات لون الورقة النقدية المتداولة حالياً من الفئة عينها.
- التصميم: إن تصميم الورقة النقدية الجديدة هو ذات تصميم الورقة النقدية المتداولة حالياً من الفئة عينها باستثناء طباعة رقم الـ ۱۰۰۰۰۰ ل.ل. بشكل عامودي على يمين الورقة.
- سمات الأمان: إن سمات الامان هي ذاتها الموجودة على الورقة النقدية المتداولة حالياً من الفئة عينها.
هذا، وستوضع الأوراق النقدية الجديدة في التداول إلى جانب الأوراق المتداولة حالياً من الفئة ذاتها، تعزيزاً لمخزون مصرف لبنان من الأوراق النقدية، من ضمن سياسة التحوّط التي يقتضي على المصارف المركزية اتخاذها. وأوضح المركزي أنّ "الفترة الزمنية التي تفصل ما بين تاريخ طلب طباعة الأوراق النقدية من الشركة المعنية ومن تاريخ التسليم لا تقلّ عن تسعة أشهر، وهذا ما يبرر إصدارها على الشكل الذي صدرت فيه"، مشيرًا إلى أنّ "هذا الاصدار لا علاقة له بحجم النقد المتداول الذي يبقى محصوراً بالسياسة النقدية المعتمدة من مصرف لبنان".
تجميد طباعة فئات أكبر
بالإضافة إلى إصدار 3 تموز 2023 من فئة المئة ألف ليرة، سيضع المركزي في التداول كمّيات إضافية عائدة من الفئة نفسها وبالمواصفات الجديدة ذاتها، إنّما تعود إلى إصدار الأول من آب 2023. وهو اليوم الأول لتولّي منصوري مهام الحاكمية بالإنابة. وعليه ستحمل الورقة الجديدة التي توضع بالأسواق في الثاني من كانون الثاني 2024 توقيع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وتوقيع نائب الحاكم الثاني بشير يقظان. ومع ضخ هذه الكميات الكبيرة والجديدة من فئة المئة ألف يستبعد شمس الدين "المضي قدما بطباعة فئات أكبر. فتدهور سعر الصرف توقّف. واقتراح القانون بطبع أوراق نقدية من فئات اعلى لم يصوّت عليه البرلمان بعد، وبالتالي يستحيل تطبيقه". وبحسب شمس الدين الذي كان يستبعد من الأساس إمكانية وضع فئات جديدة أكبر من المئة ألف، إنّ طرح أوراق نقدية من فئة الخمسمئة ألف او المليون ليرة كفيل وحده بتدهور سعر الصرف نتيجة الأثر النفسي والمعنوي على اكتساح التضخّم وعدم إمكانية لجمه".
الإشارات الإيجابية التي يمكن التقاطها من استبعاد طباعة أوراق نقدية من فئات كبيرة، قد تكون مؤقّتة. ففي حال عدم تطبيق الإصلاحات وفي مقدمتها بناء موازنة متوازنة، إعادة هيكلة القطاع العام، وتخفيض النفقات وتعزيز الإيرادات فإنّ إعادة الاستقراض من مصرف لبنان سواء كان بالليرة أو الدولار سيكون أمراً لا مفرّ منه"، بحسب الخبير الاقتصادي نيكولا شيخاني. الأمر الذي سيضغط على السياسة النقدية ويعود ليؤثّر سلباً على تدهور سعر صرف الليرة.