يصادف اليوم ما قبل الأخير من الشهر الجاري، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني...
شارف شهر تشرين الثاني على الانتهاء، ليطوي معه شهرين على اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزّة. ويصادف اليوم ما قبل الأخير من الشهر الجاري، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وفي هذه المناسبة، كان من المقرر أن يُفتتح معرض بعنوان “فلسطين: أرض وشعب” في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في ردهة الزوار في نيويورك حتى 8 كانون الثاني 2024.
احياء ذكرى النكبة الفلسطينية
ويجسّد المعرض إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية كحدث مؤلم وقع خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، عندما تم طرد وتهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من منازلهم أو فرّوا منها ليصبحوا لاجئين في وطنهم وفي أصقاع الأرض. ويشمل المعرض صوراً ومقاطع فيديو وأعمالاً فنية تصور حلقات مختلفة من الرحلة الفلسطينية قبل وأثناء وبعد النكبة. وهو بمثابة تذكير بأنّ ما يقرب من 6 ملايين فلسطيني ما زالوا لاجئين حتّى يومنا هذا، وهم منتشرون في جميع أنحاء المنطقة. وتعرّض مئات الآلاف من هؤلاء اللاجئين لتهجير قسري إضافي، وقُتل الآلاف منهم، خلال حرب غزة عام 2023، وسط وضع وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بـ”الكارثة الإنسانية”.
كلّ يوم "يوم التضامن مع فلسطين"
وإن تمّ إحياء المعرض هذا العام أم لا، (بسبب حساسية التوقيت)، إلّا أنّه ومنذ طوفان الأقصى، أصبح كلّ يوم "يوم التضامن مع فلسطين". وهو ما أكّدته ساحات دول العالم التي عجّت بملايين المتظاهرين المندّدين بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، والمعارضين لسياسات دولهم الدّاعمة لإجرام العدو، والمطالبين بتحرير فلسطين، والمدافعين بشراسة عن الفلسطينيين. فيما أصبحت الكوفية الفلسطينية رمز الحرية، والتمرّد على القمع، والصمود في وجه العدوان.
هذا الرّأي العام الأجنبي تحرّك، بفعل جهود عرب، لجأوا إلى اللغة الإنكليزية في صناعة فيديواتهم واستخدموا منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية لإطلاق رسائلهم، لمقاومة كذب ونفاق الإعلام الغربي. ما أدّى إلى خلق رأي عام أجنبي متضامن مع إنسانية القضية، يدافع عن المظلوم في وجه الظالم.
أنصار المحور الأميركي يتأثّرون بحملات تأييد فلسطين
ولم تؤثّر الحملات المضادة للبروباغندا الغربية الإسرائيلية على الأجانب فقط، لا بل انعكس تأثيرها على العرب أنفسهم، وخصوصاً من كان يميل منهم ويدعم المحور الأميركي. حيث تأثّر العديد من هؤلاء بهذه الحملات، التي بدأت تزيح الغشاوة عن عيونهم، وتريهم حقيقة ونفاق الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، فيما هي تموّل جرائم الاحتلال من قتل وسفك دماء الفلسطينيين، الذين وبنسبة 80 في المئة هم من الأطفال.
وترجم هذا التغيير على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد انتشار عدد من التصريحات والتغريدات لمستوطنين إسرائيليين وجنود صهاينة، وسياسيين ومحللين ودكاترة إسرائيليين، يتوعّدون لبنان، ويهدّدون بحرقه وتدميره بعد غزّة.
حيث توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 11 تشرين الثاني، سكّان العاصمة اللبنانية بيروت بما قال إنه "مصير مشابه لمصير سكّان قطاع غزة".
بالإضافة إلى انتشار عدد من الفيديوهات تظهر مدى الفكر الإسرائيلي العنصري، وأبرزها:
سلسلة فيديوهات عن وثائقيات تروي قصة دخول اليهود واستعمارهم لفلسطين، وتحوي هذه الفيديوهات على اعترافات خطيرة لمستوطنين إسرائيليين، يتحدّثون عن قتلهم وخصيهم لرجال فلسطينيين واغتصابهم لنساء فلسطينيات بكل تباه وفخر.
إعادة نشر فيديو لمسيرة الأعلام الإسرائيلية، والتي تظهر إسرائيليين كبار وصغار يشتمون الأنبياء، ويهتفون "الموت للعرب".
نشرت هيئة البث الإسرائيلية فيديو بعنوان أغنية الصداقة، تظهر أطفال إسرائيليين يدعون لقتل كلّ من في غزة. لتعود الهيئة وتزيل الفيديو من على حسابها على تويتر، تحسّباً من إدانة اسرائيل بصنع الكراهية، فقامت الجزيرة بإعادة نشره.
كما صدمت قصة الطفل الفلسطيني وديع الفيوم الذي قتل طعنا في جريمة كراهية بولاية إيلينوي الأميركية على خلفية الحرب في غزة، على يد رجل طعنه 26 طعنة وأرداه قتيلاً، في حين أصاب والدته بجروح خطيرة، وهو يردّد عبارات معادية للمسلمين والفلسطينيين.
كشف الكذب والنفاق الأميركي الإسرائيلي
كلّ هذه الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من فيديوهات لمواطنين أجانب يكشفون كذب ونفاق إعلامهم، أثّرت على عدد كبير من اللبنانيين ولا سيما اليمينيين الليبراليين والمعجبين بالحضارة الغربية ممن كانوا يصدّقون إنسانية الغرب واحترامه لحقوق الإنسان حتّى اكتشفوا زيفه.
وإلى ذلك، أحدث خبر وفاة نجل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، هزّة في المجتمع اللبناني، بعد استشهاده و5 من رفاقه بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان. حيث نزلت مقاطع فيديو رعد أمام نعش ابنه كالصاعقة على قلوب كل ّلبناني مؤيدا كان أم معارضاً لحزب الله.
وعليه، خرج العديد من المعارضين لحزب الله، بفيديوهات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، يوجهون فيها تحية تقدير واحترام لنواب كتلة المقاومة المؤمنين بالقضية لدرجة إرسال أبنائهم للموت دفاعا عنها.
الحرب في غزّة عرّت الكذبة الأميركية الإسرائيلية
وفي هذا الإطار يشارك الشاب إلياس عبد المسيح رأيه في حديث خاص مع "الصفا نيوز"، ويقول "منذ صغرنا ونحن ننظر للولايات المتحدة الأميركية على أنّها بلاد حقوق الإنسان، والمدافعة عن الدّول المظلومة، وبلاد الديمقراطية ومحاربة الديكتاتوريّة. ومنذ صغري وأنا أرى أنّه عاجلاً أم آجلاً على لبنان أن يعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، على غرار باقي الدول العربية، إلاّ أنّ الحرب في غزّة عرّت في فكري الكذبة الأميركية الإسرائيلية، وجعلتني أندم كيف كنت داعماً لهذا الخط. وبدأت أفهم أكثر وأكثر لماذا هناك أحزاب كحزب الله وغيرها ترفض الهيمنة الأميركية على العالم وتقاتل من أجل تحرير فلسطين".
والتأثير لم ينحصر على بعض المواطنين، بل تعدّاه ليشمل اعلاميين. فحتّى أنّ الإعلامية ديما صادق التي كانت تتفاخر بعلاقتها مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ونشرت صورة لها برفقة الأخيرة في جلسة بدت فيها المرأتين مقرّبتين، اعترفت في إحدى مقابلاتها الأخيرة، قائلة "راجعت نفسي بعد 7 أتشرين الأول وأعترف أنّ الواقع اللبناني أنساني فلسطين وكم أنّ الغرب متحيّز ضدنا ولم آخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار في فترة معينية". وأكّدت صادق أنّ "هناك خطراً إسرائيلياً أميركياً على لبنان من خلال الانحياز التام الأميركي لصالح إسرائيل".
محاولات الترغيب والترهيب
ولعلّ الدول الداعمة لإسرائيل، بدأت تعي أنّ الحملات الإعلامية المدافعة عن فلسطين نجحت في التأثير، وبدأت بخلق رأي عام متضامن أكثر في لبنان مع القضية الفلسطينية، فتحرّكت بدورها، في محاولة للتأثير على الداخل اللبناني، حيث نشطت بعض الأقلام الصحفية والوجوه السياسية على خطّ بثّ الخوف والقلق في نفوس اللبنانيين، وأخذت تحذّرهم من الدخول في حرب مع إسرائيل، وتهدد وتهاجم المقاومة، فضلا عن انتشار عدد من الصفحات جديدة المنشأ، على مواقع التواصل الاجتماعي، تابعة لأجندات تحاول خلق شرخ في المجتمع اللبناني، وزرع الخوف في نفوس اللبنانيين. وحملت هذه الصفحات عناوين مثل "الشيعة ضد الحرب"، "مش كلّ الشيعة حزب الله وأمل"، "حرب 2006 تنذكر وما تنعاد". وهذه الصفحات وغيرها تعمل على بثّ الكراهية، وخلق شرخ بين الطوائف اللبنانيين، في محاول لإعادتنا إلى اصطفافات ما قبل الحرب الأهلية.
اللبنانيون: إن أردتموها حربا فلتكن
وفي استفتاء أجرته الصفا نيوز، حول خيار اللبنانيين بين الدخول في الحرب مع إسرائيل من عدمها، شارك فيه 200 لبناني، من مختلف المناطق اللبنانية، تبيّن أنّ 57% من المستفتيين مع دخول لبنان في حرب ضدّ إسرائيل، لأنّها فُرضت علينا، وإسرائيل ستستهدف لبنان بعد غزّة.
فيما 35 في المئة صوتوا ضدّ، خوفا من الحرب، ولأن القضية الفلسطينية لا تعنينا.
أمّا الـ8 في المئة المتبقية فضمّت أصوات من هم مع دخول الحرب في حال قصفت إسرائيل مناطق أخرى غير جنوب لبنان.
إسرائيل وأميركا ستخسران لا محال
وفي المحصّلة، ربحت إسرائيل وأميركا الحرب أم لا، فهما في كلا الحالتين خسرتا. لأنّ الدولتين ومن أجل أن تفوزا في الحرب عليهما التصرف بوحشية وبربرية لدرجة أنّ العالم كلّه سيراهما يقتلان عشرات الالاف من الناس من بينهم الأطفال، وبالتالي سينقلب الرأي العام بأغلبه ضدّهما. فإذا خسر الطرفان الحرب، ستخسر أميركا زعامتها للعالم الحر، فلا حرية مع قتل المدنيين الذين يطالبون بحريّتهم فيما الصهيونية ستختفي، أمّا إذا ربحت آميركا ومعها إسرائيل، فالإنسانية ستصبح فلسطينية والعالم بأجمعه سيتحوّل إلى مخيم لاجئين.