ميراي بانوسيان بشخصيّة "أم طعان" الجنوبية وعايدة صبرا "الست نجاح" البيروتية... ثمّ جوانا كركي "بتول" وأريج الحاج "سهام"، ما الفارق في تقديم الشّخصيات النسائيّة المناطقيّة بين الإضحاك ومحاولة التنميط؟
لم يلحق ميراي بانوسيان الانتقادات عبر تقديمها شخصيّة "أم طعّان" الجنوبيّة بالتسعينيات، خلال البرامج اللبنانيّة السّاخرة والمسرح، ليسَ لأنّ "السوشل ميديا" لم تكن موجودة في حينها كحالِ انتقاد جوانا كركي اليوم في شخصية "بتول" الجنوبيّة، بل ربّما لأنّ ميراي كانت مجامِلةً للإمرأة الجنوبيّة.
اكتفتْ ميراي بانوسيان المولودة في جبيل، بإضحاك الجمهور عبرَ إظهار "بساطة" سيّدةٍ جنوبيّةٍ تُدعى "أم طعان" لديها حنكة وذكاء وتعلّق بالأرض، مع كثيرٍ من الطّيبة والابتسامة التي لا تغيب. كانت "أم طعان" صورةً رقيقةً للإمرأة الجنوبيّة الصّامدة إبّان الإحتلال الإسرائيلي، والتي تعاني من حرمانٍ في منطقتها على أثر الإنماء غير المتوازن إقتصادياً وإجتماعياً وتربوياً، الذي كان ينعكسُ على الجنوب تحديداً بطريقة أكبر من اليوم حال جميع الأطراف البعيدة عن بيروت.
الجنوب... بيروت
ثمّ إلى جانب "أم طعّان" كنّا في التسعينيات قد تعرّفنا إلى "الست نجاح"، إمرأة بيروتيّة ناقمة على الظّروف التي يعيشها البلد. عايدة صبرا التي ارتدت الشّخصيّة بمنتهى الحنكة محصّنةً بأدواتِها كممثلة مسرحيّة بارعة، استطاعت أن تحجزَ لنفسها مكانةً لم تغب حتى مع عصر "السوشل ميديا"، فأعادت "الست نجاح" إلى جمهورها عبر نافذة "فيسبوك" من خلال الفيديوهات القصيرة التي تقارن فيها أوضاع كندا بأوضاع لبنان ساخرةً من الفوارق الشّاسعة. هنا أصبحنا أمامَ شخصيةٍ نسائية لمنطقةٍ أخرى تُضاف إلى "أم طعان". "أم طعان" و"الست نجاح" لكل منها ميّزاتها وتجسيداتِ البيئة التي تنتهي إليها.
لكن هناكَ من فارق
الفارق بين "أم طعان" و"الست نجاح"، أنّ أم طعان "حبست ميراي بانوسيان في شخصيةٍ منمّطة" بحسب ما تقول ميراي بنفسها، بينما "الست نجاح" كانت واحدة من أدوار عايدة صبرا لكن لم يرتبط اسم صبرا بها بشكلٍ حصري. والفارقُ الثاني أنّ "أم طعان" كانت ترتدي الحجاب وتعكسُ الانتماء الدّيني وليسَ فقط المناطقي، بينما "الست نجاح" كانت متحرّرة برداءٍ "حيادي" أبعدَ عنها الصّبغة الدّينية.
في السّنوات الأخيرة، ظهرت شخصياتٍ نسائيّة أُخرى ربّما حاولت أن تحذو حذوَ "الست نجاح" و"أم طعّان"، فكانت جوانا كركي، وأشهر ما قدّمت "أم خالد البيروتيّة" و"بتول الجنوبيّة". لكن مع "أم خالد" ذهبت إلى التّسويق السّياسي لصالح رئيس الحكومة السابق "الشيخ سعد الدين الحريري" كما كانت تسمّيه، ثمّ مع "بتول" كانت تقدم فئةً عمريّة للإمرأة الجنوبيّة تختلف عن "أم طعان" فوضِعَت في خانة "تشويه نساء البيئة" بالنّسبة للبعض.
طبعاً المقارنة لا تجوز بين شخصيّاتٍ قدّمت في التسعينيات وأخرى في السّنوات الماضية، لأنّ القوالب التي ظهرت فيها قد اختلفت والظّروف السّياسية والاجتماعيّة والثقافية والاجتماعية قد تختلف أيضاً، والأهم أنّ متطلبات "المرحلة الإعلامية" تختلفُ أيضاً لكن يبقى للممثل حيّزه الذي يمكن أن يوازن من خلاله بين هذه التّوازنات.
نرى أريج الحاج التي تطلُ في برنامج "كتير هالقد" مع المذيع هشام حداد، والتي يمكن أن تكون نموذجاً لمدى التّوازن بين متطلبات "المرحلة الإعلامية واللحظة التلفزيونية" وما وصلنا إليه من طرق الإضحاك، وبين مدى الصّدق والالتصاق بالبيئة التي تعكسها عبر شخصيّة "سهام" ابنة الجبل... ربما نجحت في إحداث التوازن من وجهة نظر كثيرين، وربّما لأنهُ لم يسبق التطرّق إلى شخصيّةِ ابنةِ الجبل في الكوميديا.
في جميع الأحوال، تلكَ الشخصيّات فئويّة مناطقيّة، هواجسُ بعضها وقصصها لا تصلح لجميع اللبنانيين، ويبقى الهاجس الأكبر للمنطقة التي تمثّلها إن كانت تعكسُ الصّورة الإيجابيّة أو السّلبيّة عنهُ. لا يمكن الحكم على الممثلين في هذا المجال، لأنّ الكوميديا ليست ترويجاً للثقافة الإيجابيّة دوماً، لكن يبقى للشخصيّة أن تلحق خطَ البساطة بلا إقحامها في وحول الابتزال، لأنّ أكثر ما يميّز "البيروتية" أو "الجنوبيّة أو "ابنة الجبل" هو شيءٌ مشترك... الصّدق والبساطة، وهذا ما يكفل استمراريّة الشخصيّة على الشّاشة وفي ذاكرة النّاس.