حتّى هذه اللحظة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي وقّع على العلم اللبناني بالأمس في قلعة راشيا، يعجز عن التوقيع على التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون
ثمانون عاماً ويوم واحد على الاستقلال، ولبنان اليوم بلا رأس. هي ليست سابقة وقد أعتاد اللبنانيون على ذلك ولسنوات متلاحقة، ولكن أن يترافق شغور سدّة الرئاسة الأولى هذا العام مع شغور ينتظر رأس المؤسسة العسكرية في الـ 10 من كانون الثاني المقبل، في ظلّ ما تشهده الحدود الجنوبية من تصاعد كبير لوتيرة المواجهات، فتلك هي السّابقة التي يجب التوقّف عندها.
حتّى هذه اللحظة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي وقّع على العلم اللبناني بالأمس في قلعة راشيا، يعجز عن التوقيع على التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون بفعل الانقسام السياسي داخل الحكومة والواضح المعالم منذ ما قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، فمن يعارض معلوماً، ومن يسير بالتمديد لقائد الجيش أيضاً لا يخفي مطالبته بذلك. وحيث مقاليد التمديد حكومياً أولاً بيد وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على التيار الوطني الحر فمن المرجّح أن تُرمى كرة نار التمديد في حضن المجلس النيابي.
من جهته، يرفض رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حتّى الساعة الدخول على خط التجاذبات، إلّا أنّ مصادر سياسية تؤكّد لـ"الصفا نيوز"، أنّه مع نهاية الشهر الحالي أي بعد أسبوع واحد تقريباً، في حال عجزت الحكومة عن إنجاز التمديد سيدعو بري إلى جلسة تشريعية في إطار "الضرورة" مكتملة العناصر بنصاب تؤمّنه "قوى المعارضة" قبل الموالية، ويدرج على جدول أعمالها عشرات مشاريع القوانين وفي آخرها مشروع قانون التمديد لعون الذي لم تتوضح معالم مدّته بعد (إمّا 6 أشهر، وإمّا تمديد إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية وبعدها يعين الرئيس الجديد قائداً جديداً للجيش).
وعلى وقع الحرب بصولاتها وجولاتها الملتهبة، تكثر الأحداث وتتنوّع حدّ العجز عن تداركها، إلّا أنّ ما طبع الساعات الأخيرة هو الهدنة التي ستذهب إليها إسرائيل مرغمة والتي ستنسحب على الجبهة اللبنانية حكماً، إلّا إذا خُرقت من قبل العدو على جبهة غزة أو على الجبهة الجنوبية، حيث أعلنت قطر أمس الأربعاء نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة بين كل من إسرائيل وحماس، حيث أسفرت عن التوصل إلى اتّفاق على هدنة إنسانية في غزّة تستمر 4 أيام قابلة للتمديد، سيتمّ الإعلان عن توقيت بدئها خلال الـ24 ساعة المقبلة.
ويشمل الاتّفاق تبادل 50 من الأسرى من النساء المدنيات والأطفال في قطاع غزّة في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، كما ستسمح الهدنة بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.
ويتزامن الحديث عن الهدنة مع وصول وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت حيث كانت أولى لقاءاته مع بري ومن ثم ميقاتي مساء أمس، وقد أكّد هذا الأخير بعد اللقاء "ضرورة تكثيف الجهود للتوصّل إلى وقف شامل لإطلاق النّار ووقف العدوان الإسرائيلي على غزّة، ومن ثم الانتقال إلى البحث في حلّ سلمي مستدام"، داعياً "الدول المؤثّرة إلى الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على جنوب لبنان ووقف استهداف المدنيين والصحافيين بشكل خاص".
من جهته، شدّد عبد اللهيان، على أنّ "الهدنة في غزّة لمدّة 4 أيام أمرٌ جيد ولكن الأهم من ذلك هو العمل للتوصّل إلى وقف دائم لاطلاق النّار"، لافتاً إلى أنّه في حال "لم يحصل وقفٌ مستدام لإطلاق النار، فإنّ الأمور ستسوء".
وختم: "المنطقة لن تعود الى ما كانت عليه قبل الحرب".
وفيما استمر القصف الإسرائيلي على مناطق عدّة في قطاع غزة، ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول الفائت إلى 14532 شهيدا، بينهم نحو 6 آلاف طفل، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. أمّا جنوباً فقد ارتفعت حدّة المواجهات إذ وسّعت اسرائيل دائرة استهدافها في جنوب لبنان.
وبناء لطلب وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، تقدّمت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي عقب ارتكاب إسرائيل للجريمة الجديدة الموصوفة المتمثّلة بقتلها المتعمّد للمراسلة الصحافية فرح عمر والمصوّر ربيع المعماري، اضافة الى المواطن اللبناني حسين عقيل.
"ديل" بين الولايات المتحدّة الأميركية وإيران
تأتي هذه التطوّرات متزامنة مع ما يثار بحسب مطّلعين على الموقف الأميركي عن وجود "ديل" "DEAL" بين واشنطن وطهران توصّلتا إليه قبيل اندلاع "حرب غزة" وأنّ هذا "الديل" يدلّ إليه عدم تورّط إيران وعدم دفعها في اتجاه توسيع رقعة الحرب لتشمل كلّ جبهات المنطقة. كذلك يدلّ إلى هذا "الديل" حرص الرئيس جو بايدن يوم زيارته تل أبيب وبعدها وحتى ألآن إلى تأكيد عدم تورط إيران في عملية "طوفان الأقصى"، إلى درجة أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه قال في أكثر من مناسبة أنّ ليس لديه معطيات على تدخّل إيراني مباشر في عملية "الطوفان" وما تلاها.
كذلك فإنّ حزب الله الذي بادر في اليوم الثاني لـ"الطوفان" إلى مهاجمة مواقع الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا، يواظب إلى الآن على شنّ هجمات على الجيش الإسرائيلي في نطاق قواعد الاشتباك المعمول بها بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لعام 2006، ولم يُبادر إلى توسيع رقعة المواجهات إلى حرب واسعة، ويحذّر الإسرائيليين من اللجوء إلى هذا الخيار إن هم استهدفوا العمق اللبناني بأيّ هجوم برّي أو جوّي.
ويقول معنيّون إنّ هذا "الديل" الأميركي – الإيراني، إذا صحّ وجوده، وانتهت حرب غزة إلى الحلول التي يعمل الأميركيون ودول عربية وأوروبية عليها، فإنّه سيكون له انعكاساته على لبنان واستحقاقاته في المرحلة اللاحقة في ظلّ وجود اقتناع لدى كلّ الدول المتعاطية بالشأن اللبناني بأنّه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية من دون أخذ موقف "الثنائي الشيعي" في الاعتبار لأنّ هذا الموقف ينطوي على أبعاد إقليمية تفرض التوقّف عندها في التعاطي مع مستقبل الوضع اللبناني، فالولايات المتحدة في ظلّ "الديل" المحكى عنه والتي توسّطت في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لا يمكن أن تستفز إيران، وبالتالي حزب الله الذي لولا موقفه لما حصل هذا الترسيم، ولما تمكّنت الولايات المتحدة من تأمين "البيئة الآمنة" للبدء باستخراج الغاز من الحقول الإسرائيلية وتأمين وصوله إلى الأوروبين تعويضاً لهم عن الفاقد الروسي، ولذلك سارعت منذ بداية حرب غزة إلى توجيه رسائل إلى إيران كما إلى "الحزب" توضح له فيها أنّ حاملات طائراتها وبقية أسطولها البحري الذي استقدمته إلى شرق البحر المتوسط، لا تستهدفهما، ولكنّها تحذّرهما من التدخّل في حرب غزة إلى جانب حركة "حماس" وأخواتها، وكان الردّ بأنّ حصول هذا التدخّل من عدمه مرهون بطبيعة التصرّف الإسرائيلي سواء في غزة أو على الحدود مع لبنان، وفي هذا الوقت فإنّ الحزب سيبقى في ما يقوم به من إسناد للمقاومة الفلسطينية محكوماً بقواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار الدولي 1701 فإذا خرقتها إسرائيل وخرجت عنها فعندها لن يتردّد في توسيع رقعة الحرب إلى ما هو أبعد من الحدود.
لكنّ اللافت في كلام المطّلعين على الموقف الأميركي سؤال يطرحونه وهو: "هل سيمدّد لقائد الجيش العماد جوزيف عون أم لا"؟ ولكن من دون أن يجيبوا على هذا السؤال سلباً أو إيجاباً، يقولون أنّ حركة "حماس" قد تواجه "مأزقاً" إذا لم تصمد طويلاً في مواجهة إسرائيل التي لا تستطيع تحمل حروباً طويلة، فإيران لا تريد الحرب أو توسيعها، والدول العربية تكتفي بالمواقف المندّدة والداعية إلى وقف إطلاق النار، ولم تتخذ بعد أيّ خطوات عملية عسكرية وحتى ديبلوماسية فاعلة تضغط فعلياً لوقف الحرب.