قتل الصحافيين ليس بجديد على الجيش الإسرائيلي، بل هو نمط فتّاك مستمرّ منذ عقود...
ارتفعت حصيلة عدد الشّهداء من الصحافيين الذين سقطوا جرّاء القصف الإسرائيلي على غزة إلى 49 منذ بدء الحرب على القطاع في 7 تشرين الأول الماضي، وآخرهم الصحفي بوكالة الأنباء الفلسطينية محمد أبو حصيرة الذي استُشهد وعدد من أفراد عائلته في قصف إسرائيلي يوم الثلاثاء 6 تشرين الثاني.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحّة الفلسطينية في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على القطاع منذ 7 تشرين الأول إلى أكثر من 10 آلاف و22 شهيداً، وما يزيد على 25 ألف مصاب.
المجتمع الدولي "شاهد مشفش حاجه"
وأمام هذه المجازر الإسرائيليّة التي ترتكب بحقّ الصحافيين، وقف المجتمع الدولي متفرّجاً، على قاعدة "شاهد مشفش حاجه" لتمرّ الجرائم دون محاسبة، على الرّغم من توثيق منظّمات ونقابات تهتمّ بالعمل الصحفي، استشهاد عشرات الصحفيين. ليبقى الصحافيون ضحايا في مرمى النيران الإسرائيلية، التي تقتل شهود الحقيقة في محاولة لإسكات صوت الحق.
فغضّ النظر عن قواعد القانون الدولي والإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة التي نصّت على حماية الصحفيين. والتي توفّر والبروتوكول الإضافي الأول (الموادّ 48-67) الحماية الأساسية للصحافيين. وتشمل هذه الفئة: جميع السكّان المدنيين. وتقول بأنّه يجب حماية جميع السكان المدنيين ضدّ آثار العمليات العدائية - وبكلمة أخرى، يجب ألّا يكونوا هدفًا للهجمات (الموادّ 48-51).
قتل إسرائيل للصحافيين نمط فتّاك مستمرّ منذ عقود
وقتل الصحافيين ليس بجديد على الجيش الإسرائيلي، بل هو نمط فتّاك مستمرّ منذ عقود. وهذه المرّة لم يستهدف القصف الإسرائيلي الصحافيين فقط، بل طال أهلهم، حيث أعلنت نقابة الصحفيين الفلسطينيين في شهر تشرين الأوّل أنّ "أهالي عشرات الصحفيين استشهدوا ثمنا لمهنة أبنائهم".
وكانت آخر الهجمات التي طالت عائلات صحافيين استهداف المقاتلات عائلة مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح في منزل نزحوا إليه وسط قطاع غزة، ممّا أسفر عن استشهاد أفراد من أسرته بينهم زوجته وابنه وابنته.
الغارات الإسرائيلية دمّرت أكثر من 50 مكتباً إعلامياً
كما دمَّرت الغارات الإسرائيلية أكثر من 50 مكتباً إعلامياً إمّا بشكل كامل أو جزئيّ، علماً أنّ مكتب وكالة فرانس برس أُضيف في 3 تشرين الثاني إلى قائمة المباني الإعلامية التي طالها الدمار. وقبل ذلك بأيّام، وبالضبط في 28 تشرين الأول، فرض الجيش الإسرائيلي تعتيماً إعلامياً شاملاً خلال شنّ عملية عسكرية برّيّة، حيث أبلغ وكالة الأنباء الفرنسية ورويترز بأنّه لا يستطيع "حماية صحافييهما في غزة".
وهذه الجرائم المستمرّة بحقّ الصحافيين دفعت مراسل إحدى القنوات العربيّة، لنزع لباس الصحافة المعتمد في الأزمات، مباشرة على الهواء، قائلا "إنّها مجرّد شعارات نرتديها، وهي لا تحمي أيّ صحفي على الإطلاق". وأضاف "نحن هنا ضحايا على الهواء مباشرة، نفقد الأرواح الواحد تلو الآخر، دون أيّ ثمن".
قتل الصحافيين أصبح عادياً
حتّى أنّ دعوات قتل الصحافيين والفلسطينيين أصبحت عاديّة وطبيعيّة وعلنيّة، يطلقها إسرائيليون عبر وسائل الإعلام مثال تصريح رئيس قسم الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية تسفي يحزكيلي، والذي قال "عليك إبادة كلّ ما يمتّ بصلة لحماس".
كما انتشر مقطع فيديو من مقابلة لأحد الدكاترة الجامعيين الإسرائيليين يقول "ليس هناك أبرياء ولا سكّان بل نصف مليون إرهابي، وكان علينا التخلصّ من 50 ألف غزّاوي".
ومن لم يمت من الصحافيين في تغطيته للحرب الإسرائيلية على غزّة، يعيش في ظلّ ظروف قاهرة، حيث حرموا الصحافيين من الطّعام، ومياه الشرب، والماء للاستحمام، ومن إمكانية الحصول على أدوية وإسعافات أوّليّة. كما عرقل عملهم الصحافي بسبب قطع الأنترنت وشبكات الاتّصالات والكهرباء عن القطاع.
فأين القوانين الدوليّة التي تحمي الصحافيين في الحروب؟ ومن المسؤول عن الجرائم المرتكبة بحقّ الصحافيين؟ وهل من آلية للمحاسبة؟
في هذا الإطار يقول المحامي طوني مخايل، المستشار القانوني في مؤسسة مهارات، في حديث خاص لموقع "الصفا نيوز" إنّ "هنالك قوانين دولية لحماية الصحافيين، تندرج في منظومة القانون الدولي الانساني، التي توجب حماية الصحافي كأيّ مدني آخر خلال الحروب، ومنها اتفاقية جنيف في العام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف للعام 1977، والمتعلّق بحماية الصحافيين العاملين في مناطق النزاع المسلّح. ويعتبر هذا البروتوكول أنّ أيّ استهداف مباشر للصحافيين يعدّ استهدافا للمدنيين ويخالف القوانين الدولية وقواعد الحروب، ويرتّب مسؤوليات على مرتكبيها الذين يجب ألّا يفلتوا من العقاب".
واعتبر أنّه "لحماية الصحافيين تقع على عاتق وسائل الإعلام التي تغطي العمليات الحربية، مسؤولية كبرى، في حماية أطقمها الإعلامية لناحية تحديد نقاط التغطية، على أن تكون بعيدة نسبيا عن خطّ النّار، والمناطق التي يتمّ استهدافها بالقذائف".
وأضاف "وفي هذا الإطار أيضا، تقع مسؤولية على الصحافيين أنفسهم في تحديد نطاق تغطية العمليات بعيدا عن مسار العمليات العسكرية المباشرة، وذلك من خلال التركيز بشكل أكبر على تغطية الجوانب الأخرى المتعلقة بنطاق الاعتداءات الإسرائيلية، وتضرّر المدنيين منها، وتوثيق مختلف الاعتداءات التي يمكن أن تشكّل جرائم حرب، أو مخالفات للقانون الدولي الإنساني أو إساءة لاستخدام الأسلحة المحظورة دوليا، والتي تهدّد سلامة السكّان والبيئة التي يعيشون فيها".
لا يمكن محاكمة الدول على جرائم الحرب
وأشار مخايل إلى أنّه "يتعرّض الصحافيون اللبنانيون لمخاطر كبيرة خلال تغطية الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية اللبنانيّة، خصوصاً بعد حادثة القتل المتعمّد للصحافي اللبناني عصام عبد الله، وإعلان الجيش الإسرائيلي بأنّه لا يضمن سلامة الصحافيين، وتأكيده استخدام أسلحة فتاّكة ممنوعة دولياً ممّا يهدّد حياة الصحافيين القريبين من مناطق النزاع".
وحول إمكانية معاقبة إسرائيل على قتل الصحافيين، لفت إلى أنّه "وفقا للقانون الدولي الجنائي لا يمكن محاكمة الدول عن جرائم الحرب، وإنّما الأشخاص الذين ارتكبوا أو ساعدوا على ارتكاب هذه الجرائم"، مضيفا أنّ "مجلس الأمن قد اعتبر بموجب القرار 1738 للعام 2006 أنّ جرائم القتل ضدّ الصحافيين والمدنيين تشكّل جرائم حرب".
ورأى أنّه من الضروري أن تكفّ الدول عن السماح لمرتكبي هذه الأفعال الجرمية بالإفلات" من العقاب. ووفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُوصف هذا النّوع من الانتهاكات ضدّ الصحافيين بأنّه جرائم حرب ويعلن صلاحية محكمة الجنايات الدولية بمعاقبة الأشخاص الذين ارتكبوها. ويمكن للمدّعي العام لدى المحكمة مباشرة التحقيق في هذا الإطار بناءً على معلومات أو شكاوى".
ولفت مخايل إلى "الشكوى التي تقدّمت بها منظّمة مراسلون بلا حدود أمام مدّعي عام الجنائيّة الدولية في 23 تشرين الأوّل الماضي. وتتضمّن تفاصيل عن مقتل عدد من الصحافيين عمداً من قبل القوات الإسرائيلية، وهنا تكون المسؤولية فردية متعلّقة بالأشخاص المتورّطين بجرائم الحرب من فاعلين ومتدخّلين ومحرّضين ومشتركين".
ورأى أنّ "هذه الآلية الدولية بحاجة إلى تفعيل مع تعطّل مجلس الأمن الدولي. وهي أساسيّة ليس فقط لتعزيز العدالة والمسؤولية الفرديّة عن الجرائم الخطيرة فحسب، بل تعزّز أيضاً السلام والحقيقة والمصالحة وحقوق الضحايا"، مسلّطاً الضوء على أن ّ"هناك بعض الدول كبلجيكا تتيح في قانونها الداخلي محاكمة أيّ مسؤول يتورّط في جرائم ضدّ الإنسانية".
إرهاب إسرائيلي
ومن جهّته كان قد أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في فلسطين، تصريح مكتوب يوم 4 تشرين الثاني 2023، أكّد فيه أن "جرائم الاغتيال التي يرتكبها الاحتلال بحقّ المدنيين الفلسطينيين عامّة والصحافيين والإعلاميين خاصّةً، تعكس دموية الاحتلال وإرهابه المنظّم بحقّ الصحفيين الفلسطينيين."
وأشار إلى أنّ "القتل والاعتقال والتدمير الممنهج للمؤسّسات الصحفية الفلسطينية ولمنازل الصحافيين بشكل متعمّد، يهدف إلى تغييب الرواية الفلسطينية التي تنقل مجازر الاحتلال وقتله للشعب الفلسطيني وإبادته وتهجيره".
وشدّد المكتب الإعلامي الحكومي على أنّ "عمليّات الاغتيال يجب أن تدفع الجميع إلى ملاحقة الاحتلال على ما ارتكبه من جرائم بحقّ الصحفيين الفلسطينيين وتقديمه للمحاكم الدولية، كي لا يفلت من العقاب وحمل هذه الجرائم بحق الصحافيين والتي ترتقي لجرائم حرب وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية باعتبار أنّ الصحافيين الفلسطينيين محميون بموجب القوانين الدولية كافة".
وبدورها كانت قد أصدرت منظّمة مراسلون بلا حدود بياناً اعتبرت فيه أنّه " لم يعد هناك من مكان آمن للصحافيين في غزة. فسواء أكانوا ظاهرين للعيان في الميدان أو كانوا في خيام صحفية أُقيمت بالقرب من المستشفيات لتيسير التغطية الإعلامية، أو كانوا يستريحون مع أسرهم في منازلهم أو في الملاجئ، فإنّ الصحفيين معرَّضون للموت في أيّ لحظة خلال عملهم على تغطية الأحداث الجارية بالقطاع، ومع ذلك فإنّهم يواصلون نقل الصورة عن هذا الصراع، الذي يُعدّ من أكثر الصراعات دمويّة في القرن الحادي والعشرين."
.