هل أصبح الجيش الإسرائيلي نسوي لمجرّد ضمّه نساء مجنّدات في صفوفه؟

في جديد البروباغندا الإعلاميّة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتبرير جرائم الحرب، والإبادة الجماعيّة والفصل العنصري الذي يرتكبه بحقّ أهل الأرض من الفلسطينيين والفلسطينيات، يأتي الغسيل البنفسجي، وهو تصوير الجيش الإسرائيلي نفسه على أنه جيش نسويّ، عبر إشراك مجنّدات في جرائم التطهير العرقي، وتبرير أفعاله الجرميّة بمحاولة تطهير المجتمع الفلسطيني من السلطة الأبويّة وحماية الفلسطينيات ممن وصفتهم إسرائيل بالحيوانات البشريّة ومغتصبي النساء وقاطعي رؤوس الأطفال.

فهل أصبح الجيش الإسرائيلي نسوي لمجرّد ضمّه نساء مجنّدات في صفوفه؟ وهل تصلح الصورة التي يحاول الجيش الإسرائيلي تقديم نفسه من خلالها كنموذج حقوقي نسوي مثالي ومجنّداته كنسويّات، يضعهنّ مقابل النساء الفلسطينيات اللواتي يأتين في مرتبة أدنى برأيه، زاعماً أنّ مجنّداته نساء متحرّرات فيما الفلسطينيات مقموعات ينجبن ويترعرعن في مجتمع إرهابي؟

لا نتعاطف مع المستوطنات ولا مع المجنّدات الاسرائيليات

في هذا الإطار تقول منسّقة التحرير في منصّة "شريكة ولكن"، مريم ياغي، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إنّه "منذ انطلاق العدوان على غزّة، كانت شريكة ولكن من أولى المنصّات النسويّة التي أطلقت مجموعة لاءات بوجه خيانة القضية الفلسطينية، وأي ّمحاولة تمرير لأجندات استعماريّة من خلال النسويّة. انطلاقاً من إيماننا بالنسوية التقاطعية التي ترفض أيّ شكل من أشكال الاحتلال والاستعمار وتعتبر أنّهم جزء لا يتجزّأ من منظومة الغطرسة الأبويّة والقمع والاضطهاد. ومن ضمن هذه اللاءات "لا نتعاطف مع المستوطنات ولا مع المجنّدات الاسرائيليات". حيث أنّ النسويّة لا تبرّر ولا تتساهل ولا تتسامح مع أيّ نوع من أنواع الاستعمار، ولا تقبل أن تكون طريقاً لتمرير أجندة استعماريّة".

وأوضحت ياغي "لا نتعاطف مع المستوطنات، لأننّا نؤمن وندرك أنّ المستوطنات الإسرائيليات هنّ جزءاً لا يتجزّأ من الاحتلال بكلّ جرائمه الشنيعة والمجازر والاعتداءات التي يرتكبها، وهي ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى العام الذي سلبت فيه الأرض الفلسطينية من أصحاب الأرض، ومنذ ذلك الوقت وينكّل الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني ويسلبه حقوقه. ومن منطلق معرفتنا بأنّ المستوطنين والمستوطنات ليسوا عزّل، فجميعهم مسلّحون، فضلا عن أنّهم ليسوا أصحاب الأرض، بل سالبيها من أصحابها. ولا داعي للبحث عن أساليب لإظهار المستوطنين والمستوطنات على أنّهم أبرياء ولا يريدون الحرب".

وتابعت "هم سالبو أصحاب الحقّ حقوقهم بالإضافة إلى كونهم مسلّحين. وهم جزءا لا يتجزأ من التهجير الذي يتعرّض له الفلسطينيين، أصحاب الأرض، الذي قارب قرنا من الزمن، وهذه الاعتداءات نشهدها يومياً في ظلّ صمت دولي وتواطؤ مع الكيان المحتلّ. والبوصلة الرئيسية هي غزّة والشعب الفلسطيني وما يتعرّض له من إبادة جماعيّة، ونحن بالإضافة إلى هذا الهدف، لدينا هدف آخر وهو الدفاع عن النسويّة نفسها وانتزاعها من يد المستعمر الذي يحاول تضليل الرأي العام، لمساندة الاحتلال. والذي يحاول من خلال النسوية تمرير أجندات مستعمريه ومساعدة الباطل بإكمال اعتداءاته على أصحاب الأرض".

أجندة المستعمر الصهيوني

ولفتت ياغي إلى أنّه "ومنذ اليوم الثّاني لإطلاق عملية طوفان الأقسى بدأنا نسمع بحوادث اغتصاب بحق ّمجنّدات ومستوطنات اسرائيليات أخذتهن المقاومة رهائن. فيما لم يبرز أي ّأدلّة تثبت هذه الأكاذيب والادّعاءات. فيما العدو لن يوفّر جهداً لتأكيد هذه الادعاءات لو كان يملك الأدلّة. في المقابل كلّ ما سمعنا عنه كان حديث عن احتمال حصول أو سيحصل اعتداءات جنسية او حوادث اغتصاب. وهذه الاحتمالات تستخدم في البروباغندا التي يسوّق لها المستعمر كوسيلة لتبرير اعتداءاته الوحشيّة تحت شعار "تحرير هذا الشعب أو المجتمع من الرجال المغتصبين والشهوانيين، أو الجهّل". وهذه الأجندة لم تعد "تقطع عحدا". فنحن أصحاب القضية النسوية نعرف كيف نقاوم من أجل قضيّتنا ولسنا بحاجة لتمرير أجندة استعمارية للحصول على دعم. ونرفض كنسويات، أنّ يتمّ من خلالنا ترسيخ أو منح شرعية للاحتلال عبر الأجندة النسوية".

العنف الجنسي الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيات

وأشارت ياغي إلى أنّه "للكيان الصهيوني تاريخ طويل من العنف الجنسي ضدّ النساء، والمعتقلات الفلسطينيات يشهدن على ما هو واحد من أسوأ أنواع التعنيف الجنسي حول العالم، والذي تعرّضن له داخل المعتقلات الإسرائيلية. وهو ما يثير السخرية والعجب، أمام المجتمع الدولي، فإن كانت الاعتداءات الجنسية مبرّر لهذه الهجمات الدموية والمتوحّشة الشيطانية الشرسة على غزّة، فلم نسمع أصواتهم وردود افعالهم الصاخبة والحازمة والصلبة عندما يحكى بشكل مستمرّ عن اعتداءات جنسية ضدّ المعتقلات الفلسطينيات صاحبات الأرض الأصليات".


وأكّدت أنّ "هناك فيديوهات يمكن العودة إليها، ولا تروي فقط قصص ناجيات من العنف الجنسي، وهو نوع من العقوبات التي يعتمدها الصهاينة داخل سجونهم، لا بل هناك فيديوهات من قبل جنرالات إسرائيليين يتفاخرون ويتباهون بممارساتهم للعنف الجنسي بحقّ الفلسطينيات المعتقلات. إذا ليس هناك أي دليل يثبت الاعتداءات الجنسية من حركة حماس باتجاه الفلسطينيات مقابل ملايين الأدلة التي تدين الاعتداءات الجنسية من الطرف الإسرائيلي. وهو ليس سوى محاولات فاشلة من الاحتلال لتجريد المقاومين والمقاومة من انسانيتها. وهذه بروباغندا أصبحت مألوفة. والهدف منها تجييش جماهيري لتكذيب المقاومة وأيّ مشهد من مشاهد التنكيل والتجزير في غزّة. ويصبّ في مصلحة التجييش لتصديق سرديّات الاحتلال، على أنّ المقاومين أشرار ووحشيين وارهابيين، وأنّ اسرائيل هي البطل الذي يدافع عن نفسه والناجيات من الاعتداءات الجنسية في صفوفه، في الوقت الذي تستخدم فيه الاعتداءات الجنسية كنوع من الترهيب والعقوبات التي تمارس بحقّ الثائرات الفلسطينيات".

لا يمكن أن تتعارض النسوية مع حقّ الشعوب باسترجاع أرضها ولا مع حقّ الشعوب برفض الاستعمار

لماذا لا نصدّق المستوطنات؟

وشرحت ياغي أنّه "كنسويات نحن نؤمن أنّ مبدأ تصديق الناجيات مبدأ ضروري وفعّال في المجتمعات التي تتأرجح فيها علاقات القوة لصالح الرجال، والتي تلعب فيها الامتيازات الذكورية دور المعيق أمام أن يكون للنساء حقّ التصريح في حال تعرّضن لاعتداءات جنسيّة. ومتى انتفى وجود هذا المعيار، لا تطبّق المبدأ. وفي حالة الاستعمار نحن نعلم أنّ الاستعمار سيكون منحازاً لصالح المجنّدات الصهاينة، لانّ الاستعمار يدعم بالأساس هذا الاحتلال. ونحن لدينا نموذجين من المجتمعات، إمّا مجتمعات ترجح فيها القوّة لصالح الرجال، وهي الكفّة التي نتحدّث فيها عن مبدأ تصديق الناجيات، أما النموذج الثاني، وهو ناحية المستعمر، صاحب الامتيازات بالأصل المسلّح ومموّل التسليح وداعم الاحتلال، والمجندات اللواتي في الوقت نفسه يدّعون التحرّر من سلطة الرجال، تحت شعار أنّنا جيش محرّر وممكنّ، وبوجود هذه المعايير ينتفي معها الأسباب الموجبة لصمت النساء من التحدث عن تعرضنهن لعنف جنسي. وهنا نسأل أين الناجيات؟ (لو كنّ موجودات)، هل يخشين من التكذيب؟ أو من حكم المجتمع؟ فعلى العكس تماما إن تحدّثن، لن يخشين التعرّض للتكذيب حيث أنّ مجتمعهن يحتضن هذه الادعاءات، كما أنّ تصريحهن سيخدم الأجندة وسيكون سبب إضافي لتبرير الانتهاكات الإسرائيلية. ومن هنا نؤكّد على أنّ مبدأ تصديق الناجيات لا يمكن ان يكون نموذجاً غبياً أو ساذجاً ولا يحضن مدى تأثير علاقات القوّة بأيّ مجموعة كانت".

هل جيش الاحتلال نسوي؟

وعن اعتبار جيش الاحتلال جيشاً نسوياً اجابت ياغي "لا يمكن أن تتعارض النسوية مع حقّ الشعوب باسترجاع أرضها ولا مع حق الشعوب برفض الاستعمار. ولا أن تتقاطع النسوية مع الاحتلال أو سلب الأرض، أو الانتهاكات الدموية والمجازر والإبادات التي عمرها عقود من الزمن وأرواح ملايين والتي تستعين بدول استعماريّة. وبالتالي لا يمكن أن تتقاطع النسوية مع أيّ شكل من أشكال الاعتداءات التي يقوم عليها الكيان الإسرائيلي. لذلك جيش الاحتلال ليس جيشاً نسوياً. واعتباره كذلك بمجرّد انّ في صفوفه نساء فهو تسخيف للنسوية، وجيش الاحتلال هو جيش بني على دماء وحقوق وأرض شعب هُجّر وقُتل وتمّ التنكيل به".

وختمت ياغي "النسوية تؤمن إيمانا لا لبس فيه بحقّ الشعوب بالمقاومة، وإذا كانت هذه الشعوب شعوباً أبويّة فهذا لا يعني أنّ هذه الشعوب لا تستحقّ الحرّية أو المقاومة أو تقرير مصيرها. كما أن الفلسطينيات المقاومات، تسعين بأنفسهن لتحرير أنفسهنّ وأرضهن من المنظومة الأبويّة وهنّ لا ينتظرن الاحتلال لنجدتهنّ وتحريرهنّ، فالأخير بحدّ ذاته مستعمر قاتل، مجرم، منكّل منتهك وأبوي، فالحق ّبالحياة والحريّات هي حقوق غير مشروطة".