استهدف القصف الإسرائيلي بشكل أساسي ومتعمّد مناطق مدنيّة وكذلك المناطق الحرجية والزراعية المفتوحة، وهو ما أدّى إلى اشتعال الحرائق في عدد منها
مع بدء اعتداءاته على المناطق الجنوبية في الثامن من تشرين الأول الجاري، عمد الجيش الإسرائيلي إلى استخدام قنابل الفوسفور الأبيض، في قصفها لمناطق عدة على امتداد الحدود مع فلسطين، في أقضية صور وبنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون. مع العلم أنّ هذا النوع من القنابل محظور بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما في ذلك اتفاقية جنيف للعام 1980، بهدف حماية المدنيين والبيئة أثناء النزاعات المسلّحة.
مخاطر بيئيّة تطال أحراج لبنان
فقد استهدف القصف الإسرائيلي بشكل أساسي ومتعمّد مناطق مدنيّة وكذلك المناطق الحرجية والزراعية المفتوحة، وهو ما أدّى إلى اشتعال الحرائق في عدد منها. كما أدّى إلى تلويث تلك المواقع بالفوسفور الأبيض، وهو ما يحمل مخاطر عديدة على الأهالي كما على البيئة والحياة البرّية.
ومن هذ الحرائق نذكر حريق الناقورة، الذي اشتعل منذ بضعة أيام في أحراج اللبونة جنوبي الناقورة، بسبب قذائف الفوسفور والقذائف الضوئيّة واستهدف محيط عمل فرق الإطفاء.
وكانت قد أكّدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته في 12 تشرين الأول استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للقنابل الفوسفورية من دون أن يدفع ذلك المنظّمات الدولية إلى اتخاذ أيّ موقف أو إجراء فعّال لوقف هذه الانتهاكات.
21 منطقة لبنانيّة تضرّرت جراء قذائف العدو
ومن جهّته يشرح المستشار الإعلامي في الحركة البيئية اللبنانيّة مصطفى رعد، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "المرصد البيئي (تأسس منذ العام 2015، يرصد ويوثّق الانتهاكات البيئيّة في لبنان) رصد منذ 7 تشرين الأوّل وحتّى اليوم عدد القذائف والقنابل التي رماها العدو الإسرائيلي على جنوب لبنان. وطالت 21 منطقة رمى فيها قنابل فوسفورية وهي: الناقورة، وخراج اللبونة، عيتا الشعب، علما الشعب، يارون، رميش، مجدل سلم، ميس الجبل، مركبا، سهل الماري، تلال كفرشوبا، يارين، حولا، وادي شبعا، مزرعة بسطرة، مرتفعات حلتا، كفركلا، العديسة، رب تلاتين، شانوح، مروحين، وكروم الشراني".
وشرح رعد أنّ "هناك العديد من أنواع القذائف، وهي تتوزّع بين القنابل الفوسفوريّة والقنابل المضيئة، والتي ترمى بساعات متأخّرة من الليل، ليتمكّن العدو من رؤية ما يحصل على الحدود وما ينتج من شرانق عن هذه القنابل يسبّب حرائق في عدد من هذه البلدات".
مخاطر الفوسفور الأبيض
أمّا الفوسفور الأبيض فهو مادة كيميائية تنتشر في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ وترمى إمّا من الطائرات أو من المدفعيات الموجودة على الأرض. ويتمّ استخدامها بشكل أكبر من الطائرات حيث بإمكانها أن تنشر الفوسفور الأبيض (القنال الحارقة) بشكل أكبر، فتشتعل عند تفاعلها مع الأوكسجين وتنتشر بسرعة أكبر. وهذا التفاعل الكيميائي ينتج حرارة تصل إلى 815 درجة مئويّة ويصدر ضوءاً ودخاناً كثيفاً تستخدمه الجيوش لتوضيح الرؤية واستهداف المدنيين الموجودين. وهدفه احداث أكبر ضرر بيئي بالأشخاص الموجودين على الأرض. ويتسبب بإصابات مؤذية جدا للبشر والطبيعة. وعندما ينفجر الفوسفور الأبيض في الهواء يغطّي مساحة أكبر وتنشق هذه المواد الكيماويّة يؤدّي إلى حالات اختناق، وضيق تنفّس، ومشاكل في الرئة. وفي حال طالت الجسد بشكل مباشر فتسبب حرائق في الجلد وتشوّه، وتذيب العظام.
ويلفت رعد إلى أنّه "وبحسب تقرير منظّمة الصحّة العالمية فإنّ المخاطر البيئية للفوسفور الأبيض، تظهر على شكل ترسّبات في المياه والتربة والجو وأعماق البحار والأنهار، وفي جلد الكائنات البحريّة، كالأسماك والصدف، فتفقد التربة خصوبتها، ويتسبّب بقتل الطيور الموجودة على سطح المياه. كما يؤدّي إلى انتشار الحريق بحجم كبير وترك آثار بيئيّة مضرّة للبشر. ويترك آثاراً في الفم والحلق والرئتين، ويسبّب جروحا ويكسّر عظام الفك، في حال التعرض له لفترة طويلة ".
كيف نتعامل مع حرائق الفوسفور الأبيض؟
وعن كيفية التعامل مع حرائق الفسفور الأبيض في الغابات والأحراش، يشرح رعد أنّه "وبحسب المعهد الوطني للسلامة والصحّة المهنية ((NIOSH، يجب الانتباه من استخدام المياه لإطفاء الحرائق، واستبدالها بالرمال والتربة المرطّبة أو رذاذ المياه الباردة، وفي حالة الحرائق الكبيرة يجب استخدام رذاذ المياه الباردة وعدم استخدام المخباط الدراعي الذي يوسّع من رقعة انتشار الفوسفور الأبيض ومعها الحرائق. وعلى رجال الإطفاء الذين يحاولون إطفاء الحرائق الابتعاد بمسافة لا تقل عن 800 متر من موقع الحريق، مع استعمال المياه الباردة كي لا يطالهم الحريق. فيما السيارات التي يستخدمها الدفاع المدني في لبنان مجهّزة للمدن فقط وهي لا تصلح للأحراش والغابات والمناطق الوعرة، حيث يصعب إيصال المياه الباردة إليها بسبب طبيعة المنطقة".
ويضيف رعد أنّ "العدو الإسرائيلي يعتمد على قذائف مدفعيّة من طراز M825E1 وبعيار155 مليمتر، التي ترمي شظايا الفوسفور المشتعلة بجميع الاتجاهات، وهو ما يجعل تأثيرها ممتدّ على نطاق أوسع. ويزعم الجيش الإسرائيلي استخدامه لهذه الذخائر بهدف خلق ستائر دخانية تمنع خصومهم من تحديد موقعهم".
وجوب تعديل القوانين الدولية
ويتابع رعد "تجدر الإشارة إلى أنّه وبموجب القانون الدولي، تخضع الأسلحة الحارقة للبرتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية. وقد انضمّ كلّ من لبنان وفلسطين لهذا البروتوكول سنة 1980 إلّا أنّ إسرائيل لم توقّع عليه. وهو يحرّم استخدام الأسلحة الملقاة جوّا على تجمّعات المدنيين ويجب تعديل هذا القانون من قبل الأمم المتحدة. لأن البروتوكول يقيّد استخدام بعض الأسلحة الحارقة التي تطلق من الأرض وليس جميعها، ضدّ تجمعات المدنيين وهو يشمل الضربات المدفعية بالفوسفور الأبيض في غزة ولبنان ويشمل تعريف البروتوكول الأسلحة المصمّمة لإشعال النيران وحرق الأشخاص. إلاّ أنّه يستثني الأسلحة المتعددة الأغراض، ويسمح باستخدامها كستائر دخانية ولو كان لها نفس الآثار الحارقة وهو ما يجب تعديله. حيث يجب العمل على اتفاقية الأسلحة التقليدية وتشديد القيود المفروضة على الأسلحة الحارقة التي تطلق من الأرض".
جثث الضحايا في فلسطين قد تتسبّب بأمراض
ولا بد من التنبّه إلى أن الأثر البيئي للقذائف لا ينحصر بلبنان، بل تعتبر فلسطين أولى ضحاياه. حيث حذّرت منظّمة الصحة العالمية والصليب الأحمر والاتّحاد الدولي، من أنّه يمكن أن تؤدي جثث الضحايا المدنيين الذين سقطوا في غزّة والموجودة في المياه أو بالقرب منها إلى مخاطر صحية، بحيث أنّ تسرّب البراز وتلوّث مصادر المياه، يمكن أن يؤدّي إلى خطر الإصابة بمرض الإسهال أو غيره من الأمراض، لذلك لا يجوز ترك الجثث بالقرب من مصادر مياه الشرب.
ودقّت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ناقوس الخطر من إمكان انتشار الأمراض في قطاع غزة، جرّاء نقص المياه واستخدام مياه غير صالحة للشرب.
تزامن ذلك مع إعلان وزارة الصحة الفلسطينية أنّ "غياب المياه عن قطاع غزّة سيؤدي إلى ظهور أوبئة خطيرة تتسبّب في حالات إسهال لدى الأطفال في مراكز الإيواء، وأمراض جلدية مختلفة تنتج عن غياب معايير النظافة الشخصية".